زواولاه.. غلابة - امال قرامى - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 12:17 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

زواولاه.. غلابة

نشر فى : الثلاثاء 29 يناير 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 29 يناير 2013 - 8:00 ص

دشّن البوعزيزى مرحلة جديدة فى تاريخ الاحتجاج فى تونس وفى غيرها من البلدان حين أقدم على حرق جسمه بعد أن فقد الأمل فى الحياة الكريمة. وعلى ركبه سار المضحّون بحياتهم رجالا ونساء استعملوا الموت أداة للمقاومة حتى بعد قدوم الحكومة الشرعيّة: «أعظم حكومة فى التاريخ».

 

•••

 

وخلنا أنّه لم يبق لشبابنا سوى أجساد تلتهمها النيران بعد أن عجزت العقول عن تفسير ما يحدث ولكن سرعان ما برزت أشكال جديدة لا عهد للمجتمع التونسى بها منها: الاعتصامات وقطع الطريق وتعطيل المصالح واحتجاز المسئولين وإضرابات الجوع الوحشى و«تخييط الأفواه» بعد أن تعطلت لغة الكلام.

 

ولأن الحكومات المتعاقبة ما أولت هذه الظاهرة اهتماما كبيرا فلم تعول على جهود علماء الاجتماع ولا علماء النفس ولا أهل الاقتصاد وأهل القانون وغيرهم لفهم ما يجرى وإيجاد حلول ملائمة فإن أعداد المنتحرين: حرقا وشنقا وقطعا للوريد فى ازدياد. ومن المفارقات أن ثورة الشباب أفضت إلى صعود الشيوخ إلى سدة الحكم وموت من أزاحوا الدكتاتور فى ريعان الشباب.

 

كيف نُحرّك سواكن من به صمم ونُغيّر طبيعة العلاقات بين الحاكم والمحكوم ونحقّق المواطنة الكاملة والعدالة الاجتماعية وغيرها من الملّفات التى بقيت مغمورة ولا تمثّل أولويات الجماعة الحاكمة؟

 

•••

 

جاءت استراتيجيات المقاومة الجديدة على يد فئة من الشبّان الذين توسلوا بالفن للتعبير عن معاناة الطبقات المعدومة وقنوط الشباب المهمش فاتخذوا من «الجرافيتى» أسلوبا للانخراط فى الفعل الثورى والتفاعل مع الديناميكية التى يمرّ بها المجتمع التونسى. كتب هؤلاء على الجدران ما تردّده الجماعات المنسية هنا وهناك من عبارات تبرّم وشكوى واستياء.. ذكّروا من هم فى مواقع القرار بأنه لولا تضحيات الزواولة (الغلابة) لما أمكن لهؤلاء أن يحتلوا تلك المناصب. وضحوا لهم أن الثورة ليست ملكا لأحد، فهى ليست للإسلاميين ولا للعلمانيين، بل للشعب الذى هو كله من الزواولة.

 

بيد أن فك أسرار الثقافة الفرعيّة التى يُمثّلها هؤلاء الشبّان بقى أمرا عصيّا على الفهم ومن ثمّ ادين طالبان جامعيّان أصيلا الجنوب التونسى معقل الاحتجاجات ينتميان إلى مجموعة «زواولة» راما التعبير عن آرائهما عبر الكتابة الجدارية. وتمّ التعامل مع هذه الأشكال التعبيريّة الجديدة بتوجيه مجموعة من التهم منها: نشر معلومات كاذبة بهدف الإخلال بالأمن العامّ وتحدّى حالة الطوارئ والكتابة على مبنى عامّ دون الحصول على إذن. فهل نحن إزاء إدانة الفنّ الذى أفرزته ثقافة المهمّشين وفق منطق الحلال والحرام والتبديع؟، وهل أنّ القضاة مؤهلون بالفعل لتحليل هذه الثقافة المرئية وتدبّر معايير فكّ رموزها والحكم عليها؟

 

إنّ فهم ما يجرى لا يتسنّى إلاّ بالرجوع إلى أحداث متعدّدة، منها: محاكمة شابّين بدعوى التطاول على الإسلام، وآخرين بسبب قُبَل متابدلة فى الطريق العامّ، ورسّامين بدعوى انتهاك المقدّسات وغيرها من الأحداث التى تُثبت أنّ مساحات التحرّر بدأت تضيق تحت مبرّرات كثيرة:مراعاة المشاعر الدينية، احترام حالة الطوارئ.. ومهما تعدّدت المبرّرات فإنّ الثابت حرج من هم فى الحكم من هذه الحريات ومحاولتهم تكميم الأفواه وضبط من هم خارج السرب وتأديب العصاة بوضع قيود على الحريات والحقوق التى طالما ناضل التونسيون من أجلها قبل ثورة 14 جانفى وبعدها.

 

•••

 

عجبى من قوم لا يفقهون شيئا فى أسس الثقافة الشبابية وأشكال تفاوضها مع السلطات السياسية والاجتماعية والدينية حول الفضاءات العمومية والفضاءات الرمزية كيف يسمحون لأنفسهم بالحد من سطوة هذه الثقافة التى أطاحت بالمعايير وأسقطت الجدران العازلة فكانت خارج نسق الضبط والاحتواء. صدق من قال: إن الثورة التونسية هى ثورة الهامش على المركز. فاحذروا ردة فعل من غيّبوا فكانوا من المنسيين.

 

 

 

أستاذة بالجامعة التونسية

التعليقات