اكفى القدرة وابن الوز - هنا أبوالغار - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 11:22 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

اكفى القدرة وابن الوز

نشر فى : الجمعة 29 مارس 2019 - 9:25 م | آخر تحديث : الجمعة 29 مارس 2019 - 9:30 م

يقول المثل الشعبى: اقلب القدرة على فمها تطلع البنت لأمها، يقول أيضا: ابن الوز عوام….
كلها أمثال لحقيقة نلمسها بالفعل وهى أن أبناءنا يتأثرون بنا كثيرا، فنحن بالنسبة لهم المثل الذى يحتذى به، سواء رغبنا فى ذلك أم لم نرغب. والأمثلة كثيرة فيمن حولنا، فالممارسة والأبحاث كلاهما يؤكدان أن الطفل لأبوين ناجحين فى الدراسة الأكاديمية يكون أكثر نجاحا، والأبناء لعلاقة زوجية سعيدة أقل عرضة أن تنتهى علاقاتهم بالتباعد سواء كان هذا داخل إطار الزوجية أو بالطلاق، الأطفال لمدخنين احتمالات أن يدخنوا أكبر ومدمنو المخدرات أبناؤهم أكثر عرضة للإدمان، وكذلك من يجدون أنفسهم فى نزاع مع القانون أبناؤهم كثيرا ما يكسرون القانون عندما يكبرون. عاداتنا الغذائية ومواعيد نومنا نورثها لأبنائنا، كذلك تعاطفنا مع الآخر واحترامنا له يمهد الطريق لأبناء أكثر قبولا للاختلاف، والتزامنا فى عملنا ينعكس على التزام أبنائنا فيما يوكل إليهم من مهام دراسية.
صحيح أن الجينات تلعب دورا، لكن الدراسات أثبتت أن القدوة لا تقل تأثيرا فى تشكيل الأبناء. القدوة أداة هامة فى التربية الإيجابية تأثيرها سلبى أو إيجابى حسب استخدامنا لها. «اعمل اللى باقولك عليه» رسالة لا قيمة لها، فالطفل لن يفعل ما نقول على المدى الطويل، الرسالة الصحيحة هى «افعل كما أفعل»، فإذا كنت لا تريد أن يغيب ابنك من المدرسة بدون سبب قوى فلا تجعله يسمعك تعتذر عن عملك لأسباب واهية، وإذا كنت لا تريده أن يدمن الشاشة فلا تجعل ريموت التلفاز أو تليفونك أول ما تذهب إليه يداك فى الصباح وبالتأكيد لا تجعله جزءا من جلساتكم على مائدة الطعام أو أثناء الحديث إليه، إذا كنت ترغب فى أن يكف ابنك عن استخدام ألفاظ خارجة مع أخويه فابدأ بألا تستخدمها أنت أبدا، وإذا أردنا أن نربى جيلا غير أنانى فعلينا أن نبدأ بأن نكون أكثر كرما مع الجميع.
***
من أهم أدواتنا فى التربية أن نراجع ونضبط أداءنا فى أهم دور نلعبه فى حياتنا وهو دور «المثل الأعلى لأبنائنا»: اسألى نفسك كيف تتصرفين تحت الضغط، كيف تتعاملين مع مشاكلك وكيف تعبرين عن غضبك، كيف تتصرفين مع الآخرين وقت الاختلاف فى الرأى، هل تجيدين التعامل مع المنافسة أو المسئوليات وأخطاء الآخرين وكيف تحلين أخطاءك الشخصية؟ كيف تحتفلين فى لحظات الانتصار أو فى الأعياد، هل تحافظين على جسدك؟ نوع الأكل الذى تختارينه، عاداتك الغذائية، هل تمارسين الرياضة؟ وهل عندك القدرة على إحداث توازن بين التزاماتك واهتماماتك؟ إذا لم يعجبك شىء فيما سبق فلا تشكى إذا وجدتيه فى ابنتك ولا تطلبى منها ما لا تفعليه لأن المحاضرات والشكوى ببساطة تضييع لوقتك.
هل تتكلم باحترام وبصوت منخفض وتختار كلماتك سواء فى الحديث مع ابنتك أو مع آخرين؟ وهل تسمعك هى تتحدث باحترام عن من تختلف عنهم فى الخلفية سواء كانت عقائدية أو اجتماعية فى عدم وجودهم؟ هل تستخدم القسوة فى اختيار الكلمات أو التهديد عندما تخطئ الطفلة أم أنك تظهر احتراما لإنسانية ابنتك بالرغم من سنها الصغيرة وتفهما لخطئها حتى وأنت تعاتبها؟
اسألى نفسك كيف تريدين أن تكون قيم ابنك؟ فإذا أردتِ أن يكون ملتزما فى عمله فاجتهدى فى عملك أنتى سواء داخل المنزل أو خارجه وأتقنيه، إن أردتيه شجاعا يدافع عن الحق لنفسه وللغير فلا يجدى أن يراك ضعيفة أو منبطحة فى مواجهة حقك أنتى فقد تبين أن أبناء المرأة العاملة أكثر نجاحا فى حياتهم العملية لأنهم يقدرون قيمة العمل وأبناء المرأة المعنفة أقل قدرة على حماية أنفسهم من العنف.
البيت الذى به مكتبة ويرى فيه الأبناء آباءهم يقرأون فى الأغلب يكتسبون عادة القراءة، والأسرة التى تلتزم بمواعيد الأكل والنوم واضحة أبناؤها أكثر التزاما فى حياتهم العملية والشخصية وأكثر قدرة على تسليم ما يوكل إليهم من مهام فى المدرسة أو عملهم فى الموعد المطلوب.
لكى تحافظى على مكانتك كقدوة يجب أن تراك ابنتك صديقة، ويجب أن تولدى لديها الإعجاب بشخصك وبعلاقاتك بالآخرين ومهاراتك، وأن تكونى صديقة لها تحب أن تحتذى بها فلا «تعمل اللى إنتى قولتيه» وإنما تختار أن تقلدك لأنك بالنسبة لها مثل تحب أن تصل إلى ما وصلت إليه من حب الناس والنجاح الاجتماعى والمهنى. استمعى إليها بدون إصدار أحكام ثم علقى على ما تسمعينه بشكل هادئ فيه احترام لرأيها حتى لو مخالف. شاركيها أحزانك ومخاوفك ثم طريقتك فى التعامل مع لحظات الضعف هذه حتى تعلم أن الحياة بالرغم من مصاعبها لها مفاتيح ولها حلول.
إذا أخطأت اعترف بخطئك فهو يجعلك أكثر إنسانية وأقرب إلى ابنك، اجهر بخطئك ثم حلله بموضوعية وراجع نفسك إذا كانت هناك دروس مستفادة أو هناك اعتذار مستحق قدمه، وإذا كانت هناك طرق لإصلاح الخطأ اسلكها فيرى ابنك أن الاعتذار وتصحيح الخطأ دليل قوة. وإذا أخطأ هو كن متفهما لقلة خبرته، استمع ثم ناقش واعطه فرصة لكى يصحح خطأه ثم تسامح، فالاعتراف بالخطأ والتسامح وجهان لعملة واحدة تؤسس لشخصية متزنة تتحمل المسئولية برحمة ومجتمع أكثر قبولا للآخر.
***
مجتمعنا يفتقد الالتزام والإتقان، وعلاقاتنا تفتقد الرحمة والتسامح، بيوتنا أصبح الانضباط فيها حجة للقسوة بدلا من أن يكون أسلوب حياة، وأطفالنا يحاسبون بميزان مختلف عن الذى نحاسب به أنفسنا وهو أمر غير مقنع لهم وبالتالى تذهب نصائحنا هباءً ونشعر بعدم رضا ويشعرون هم بالظلم. وأسلوبنا هذا ينعكس فى أدائنا ليس فقط كقادة لبيت به أبناء صغار ولكن أيضا كقادة فى العمل سواء كان مهنيا أو سياسيا. فلنبدأ بأنفسنا ولنعمل على استحقاق القيادة، فهناك مقولة: «الأطفال يقلدون بمهارة فأعطهم دورا عظيما يقلدونه ثم يلعبونه».
أستاذ طب الأطفال بجامعة القاهرة

هنا أبوالغار أستاذ طب الأطفال بجامعة القاهرة
التعليقات