الدنيا رواية هزلية - عاطف معتمد - بوابة الشروق
الأربعاء 30 أبريل 2025 12:07 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

الدنيا رواية هزلية

نشر فى : الثلاثاء 29 أبريل 2025 - 7:25 م | آخر تحديث : الثلاثاء 29 أبريل 2025 - 7:51 م

رحلتنا اليوم مع مسرحية لتوفيق الحكيم، صدرت فى عام 1974، تقوم على فكرة غير مقبولة فى عالمنا العربى، ولكنها منتشرة أكثر فى ديانات الشرق الآسيوى وهى حلول الروح بعد الموت فى أجساد أخرى لتبدأ حياة جديدة لا رابط بينهما وبين الحيوات السابقة.


هذه الدنيا.. تلك الحياة.
تبدأ المسرحية بمكتب فى الأرشيف يعانى فيه «خالد أفندى» من الفراغ والبطالة والحياة على الهامش. فى هذا المكتب زميلته علوية التى تقوم بعمل التريكو لتشغل فراغ بطالتها المقنعة.
يتمنى خالد الموت بدلا من حياته التافهة هذه.
فى المساء، فى بيته البسيط الفقير، يشترى خالد أفندى كتابا لتمضية وقت الفراغ عنوانه «تناسخ الأرواح عند الهنود والمصريين القدماء».
يقرأ خالد أفندى قبيل نومه:
«تزعم المعتقدات القديمة أن روح الشخص تحل فى أجسام مختلفة وأن للشخص الواحد أكثر من حياة، فهو قد يكون فى حياة من الحيوات مغمورا، وفى حياة أخرى مشهورا، فى حياة فقيرا معدما، وفى حياة ثريا مترفا».
ينام خالد بينما يقرأ الكتاب.
تنتقل المسرحية فجأة إلى مشاهد لا تتفق مع حياة البطل، نفهم منها أننا دخلنا فى عوالم تناسخ الأرواح. لا يخبرنا المؤلف بأن خالد يحلم أو يرى ذلك فى المنام، بل نعتقد معه أن الأحداث متناسقة متتابعة.
نرى مشهدا على ربوة عالية يجلس عليها رجلان: أحدهما يسمى «راصد» يحصى الأرواح وزميله «حاصد» يقبض الأرواح التى يحين موعدها.
تمر الروح المقبوضة بالاغتسال فى بحر النسيان، استعدادا للحلول فى إنسان جديد.
لا تخلو المشاهد من حس فكاهى لأن الحكيم جعل خالد أفندى فى حالة حيرة وهو يتعرف على «راصد» و«حاصد» اللذين كانا يعملان معه فى الأرشيف الحكومى فى الحياة التافهة السابقة.
من رجل صغير إلى رجل شهير
يشتكى «حاصد» الأرواح من كثرة العمل بسبب كثرة المواليد ومن ثم كثرة الوفيات، ويتساءل ماذا سيفعل فى هذا العصر الذرى والعقول الإلكترونية. يسعى حاصد إلى الحصول على منجل ذرى لحصد الأرواح وأن يغير نظام العمل من الملفات الورقية القديمة للموتى إلى ملفات العقول الإلكترونية.
تستنسخ روح خالد فى جسد جديد وحياة جديدة لرئيس دولة كبرى. هذا الرئيس مشغول دوما بهموم سباق التسلح وشبح الحرب الذرية التى ستدمر العالم. يحاول الرئيس أن يدمر الأسلحة ليعيش الناس فى سلام من دون حروب وخراب وموت.
يحذر الوزير رئيسه: إلغاء الحرب فيه خطر على حياتك. المستفيدون من الحرب والسلاح لن يتركوك على قيد الحياة!
نتعرف على حياة زوجة الرئيس، التى كانت فى الحياة السابقة علوية المشغولة بالتريكو. خلاف دائم بين الرئيس وزوجته بسبب رغبتها فى حياة الحفلات المبهجة وانشغاله بالملفات السياسية الكبرى.
تكشف الخلافات بين الزوجين عن تناقض ساخر، فهذا الرئيس الذى يريد إدارة شئون العالم غير قادر على إدارة مشكلة شخصية واحدة مع زوجته.
يمضى الرئيس فى مشروعه بتدمير السلاح وإلغاء الحرب وإيقاف الموت.
أول من يخشى على وظيفته هو «حاصد الأرواح» يأتى منزعجا إلى راصد يخبره بأفعال هذا المجنون الذى سيتسبب فى بطالة لهما، لأنه لن يكون هناك موتى بالعدد الكافى. وسيعانيان من العطالة من دون عمل.
يسمح راصد الأرواح لمساعده «حاصد» بقبض روح الرئيس بمنجل الموت فى التو واللحظة قبل فوات الأوان.
تتعدد الأسباب، يطلق أحدهم طلقا ناريا على الرئيس فتصعد روحه إلى حاصد وراصد وتبدأ جولة جديدة تتحول فيها روح خالد الموظف الهامشى فى الأرشيف الذى عاش حياة رئيس دولة كبرى إلى روح فى جسد جديدة.. هذه المرة يلعب فيها خالد دور ممثل مسرحى يؤدى دور روميو فى مسرحية شكسبير «روميو وجوليت».
فى التحضير لافتتاح المسرحية خلاف كبير بين المخرج والممثل، حول جدارة الممثل بالدور ومواهبه.
لا نعدم التسلية والفكاهة فى حياة خالد أفندى الجديدة وهو ممثل مسرحي، ونقرأ بعض الرموز والدلالات عن فلسفة الحياة.
يطرد المخرج الممثل لفشله فى التمثيل، ولتجاوزه على نص شكسبير وعدم اقتناعه به. ويطرد معه زميلته جوليت (علوية).
يعيش خالد وعلوية حياة مكررة فى عملهما بالتمثيل فى أدوار هامشية وأداء ضعيف وحضور باهت فى الحياة.. حان وقت حصد الأرواح!
الموت والخلود
تتكرر الحكاية وتتناسخ الأرواح ويظهر خالد وعلوية فى حياة جديدة، بعد أن تم غمسهما فى بحر النسيان استعداد للتخفف من كل ذكريات الحيوات السابقة.
تغير جذرى حصل على طريقة عمل حاصد وراصد، إذ أصبح لديهما جهاز إلكترونى صغير ينظران فى الشاشة ويحددان المطلوب ويقومان بالعمل بدقة وسهولة من دون تعب.
فى الحياة الجديدة خالد وعلوية فى معمل أبحاث متقدم للبيولوجيا، لإعادة إحياء الخلايا الميتة من آلاف السنين فى المومياوات.
خالد هو العالِم النابه وعلوية زوجته ومساعدته. يهدف العالِم هنا إلى إيقاف الموت نهائيا، التوصل إلى إكسير الحياة.. يجب ألا يموت أحد.. حياة الخلود ولا فناء، سيبقى البشر مثل الجبال والهضاب شوامخ دون فناء ولا حاجة لهم للتكرار فى أبناء وأجيال.
يرفض العالِم أن تنجب زوجته.. لأنه لا داعى للإنجاب مع اقتراب تحقيق مشروعه العلمى الجديد فى علم الخلايا وتحقيق الخلود.
خلاف كبير بين الزوج والزوجة، تقع الزوجة فى حب صحفى شاب.. وتبتعد عن زوجها الغارق فى الأبحاث الرافض لإعطائها حق الأمومة.
يضبط العالم زوجته مع عشيقها الصحفى.. يقتلها بالسم.. يدخل السجن ويصدر عليه الحكم بالموت شنقا، وتصعد أرواحهما مجددا إلى الموت ثم الاستحمام فى بحر النسيان ثم حياة جديدة، سنرى روح خالد فى جسد أنطونيو وروح علوية فى جسد كليوباترا.. وهكذا!
ومع المضى قدما فى المسرحية، تتعدد الحيوات، ورغم هذا التعدد تتشابه فيها نفس الهموم: القلق، والحب، وصراع الإنسان لامتلاك أسلحة جديدة لإفناء البشر من حيث أراد لنفسه خلود الحياة.
وطيلة صفحات المسرحية نفهم بالتدريج لماذا افتتح الحكيم الصفحة الأولى بعبارتين:
الأولى لشاعر ألمانى يقول فيها: «مهما تكن الدموع التى نذرفها، فإننا ننتهى دوما بمسح أنوفنا!».
أما المقولة الثانية فلتوفيق الحكيم نفسه، يقول فيها:
«إذا أردت أن تصمد للحياة فلا تأخذها على أنها مأساة».
ليس من الحكمة أن نقرأ المسرحية اليوم بمفاهيم ومدارك عام 2025، لقد كانت مهمة للغاية فى وقتها حين ظهرت للنور قبل خمسين سنة!

عاطف معتمد الدكتور عاطف معتمد
التعليقات