هل ما جاء فى اللقاء بين الرئيس المصرى الأسبق جمال عبدالناصر والرئيس الليبى الأسبق معمر القذافى فى 4 أغسطس 1970 مفاجئ ويحمل جديدًا أم أنه صادم فقط لبعض الناس؟!
ببساطة فإن كل من قرأ كتب الأستاذ محمد حسين هيكل عن هذه الفترة، أو حتى تابع بعض خطب وتصريحات عبدالناصر سيكتشف ببساطة أن ما قيل فى لقاء ناصر ــ القذافى، ليس جديدًا.
وللتذكير فإن صفحة على اليوتيوب هى: «ناصر تى فى» مملوكة لعبدالحكيم جمال عبدالناصر بثت قبل أيام قليلة محضر لقاء صوتى بين عبدالناصر والقذافى، اللقاء يعود إلى 4 أغسطس 1970، وكان بعد أيام قليلة من قبول مصر لمبادرة روجرز وزير الخارجية الأمريكى فى 22 يوليو 1970.
المبادرة تنص على وقف إطلاق النار لمدة 3 شهور، وبدء البحث فى تنفيذ تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 242 بانسحاب إسرائيل من الأراضى العربية التى احتلتها فى 5 يونيو 1967.
وأحد أهم أهداف قبول المبادرة أيضًا كان لاستكمال تنفيذ بناء حائط الصواريخ وتحريكه إلى خط قناة السويس، لوقف استهداف إسرائيل للعمق المصرى.
بعد قبول مصر لمبادرة روجرز تعرض عبدالناصر لانتقادات وهجمات إعلامية ودبلوماسية شديدة من حكومات عربية كثيرة مثل العراق وسوريا والعراق وليبيا والجزائر، إضافة إلى غالبية التنظيمات والفصائل الفلسطينية.
وبالتالى لابد من معرفة هذا السياق حتى نفهم مغزى كلام عبدالناصر للقذافى؛ حيث قال له مثلا: هناك من يزايد على مصر، وإذا كان حد عايز يناضل ما يناضل. وإن العرب لا يملكون القدرة العسكرية على مواجهة إسرائيل لأن أمريكا هى الداعم المستمر لها، وإن الملك حسين لو استطاع مفاوضة إسرائيل لاستعادة الضفة الغربية فليفعل حتى لو كان سلامًا منفردًا.
حينما تم بث هذا الحديث على شبكة الإنترنت قبل أيام انقلبت الدنيا، واعتقد كثيرون خصوصًا من الأجيال الجديدة أن ما قاله عبدالناصر جديد ومفاجئ وهو ليس كذلك.
أتفهم أن تشعر بعض القوى الناصرية والقومية بالصدمة وهى تسمع هذا الكلام بصوت زعيمهم، لكن لو كلف أى شخص من هؤلاء نفسه بقراءة أوراق عبدالناصر بعناية، وكتب الأستاذ هيكل لن يشعر بأى صدمة، بل سيجد ما قاله عبدالناصر طبيعيا منطقيا وسوف يكتشف أن عبدالناصر كان شديد الواقعية بعد هزيمة يونية 67.
شخصيا تلقيت قبل سنوات من الأستاذ الراحل سامى شرف مدير مكتب عبدالناصر للمعلومات صورة من خطاب شديد اللهجة بعثه عبدالناصر للرئيس العراقى الأسبق أحمد حسن البكر، أوائل أغسطس 1970، ويقول له ما معناه: «أنتم وسائر المنظمات الفلسطينية تزايدون علىَّ وتنظمون المظاهرات فى بغداد ضدى، إذا كنتم تريدون قتال إسرائيل فلماذا لا تقاتلونها انطلاقًا من الجهة الشرقية؟».
وعلى ذمة ما كتبه الزميل سعيد الشحات قبل سنوات فقد وجدت نفس مضمون هذا الخطاب.
وبسبب غضب عبدالناصر من رسالة البكر ونشرها علنا فى وكالة الأنباء العراقية، فقد قرر الرد عليه علنا على صفحات الأهرام فى 3 أغسطس 1970 ومن بين ما قاله فى الرد: «ليست بالشعارات تدور الحرب وتتم معارك التحرير، ولماذا لا توجهون النار للعدو؟ بل إن بغداد دفعت أموالا لأكثر من عاصمة عربية لتنظيم مظاهرات ضدى!!».
إذن الأهرام نشر هذا الكلام علنًا فى أغسطس 1970، كما أن المحضر الكامل للاجتماع بين ناصر والقذافى منشور بالكامل على موقع مكتبة الإسكندرية، وليس مجتزءًا منه، كما كتب زميلى محمد بصل مدير تحرير «الشروق» على منصة إكس قبل أيام.
والذين تابعوا أوراق عبدالناصر التى نشرتها السيدة هدى عبدالناصر قبل سنوات سوف يجدون العديد من هذه المعانى والأفكار.
إذا كان الأمر كذلك، أى أن كل ما قاله عبدالناصر للقذافى كان موجودًا ومنشورًا ومتاحًا لكل من يريد أن يعرف، فلماذا هذه الصدمة لدى كثيرين، ولماذا انتشت جهات كثيرة بالكلام، كأنها عثرت على كنز ثمين؟!
هل هو التوقيت الذى يصادف مرحلة غير مسبوقة من تاريخ الصراع العربى الإسرائيلى؟
أم هى محاولة لتمرير سياسات وأفكار محددة؟
أم أنه تبصير وتذكير لكل «الحنجوريين» بضرورة النزول من شجرة الأحلام العالية إلى أرض الواقع الأليم؟!
ثم هناك سؤال مهم: مَن المستفيد مِن بث هذه الجلسة بين ناصر والقذافى؟
إن شاء الله أسئلة مهمة سأحاول الإجابة عليها لاحقا.