النظام العربى.. التقدم إلى الخلف - أحمد يوسف أحمد - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 5:45 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

النظام العربى.. التقدم إلى الخلف

نشر فى : الخميس 29 يوليه 2010 - 10:57 ص | آخر تحديث : الخميس 29 يوليه 2010 - 10:57 ص
ثمة بؤر للتوتر والتفكك فى وطننا العربى تعودنا على بقائها على حالها: إما لأنها ساكنة لا تتقدم خطوة واحدة إلى الأمام رغم كل ما يبذل بشأنها من جهود، كما هو الحال فى قضية الصحراء الغربية، أو لأن محاولات القضاء عليها قد تكررت دون جدوى لعيب بنيوى فيها كما هو الوضع فى الصومال. لكن الأخطر من هذا أن ثمة بؤرا تتفاقم أوضاعها، أو تتعثر الجهود التى حاولت القضاء عليها أو تنتكس، والأمثلة فى هذا الصدد عديدة سوف نركز من بينها على ما يجرى فى العراق ولبنان واليمن.

فقد تعرض العراق للغزو الأمريكى فى 2003، وسكتت الدول العربية عنه على الرغم من دلالاته الخطيرة، وبدأت تتعامل دبلوماسيا مع سلطات الغزو والحكومات التى أفرزتها على أساس أن هذا قد يكون خير وسيلة للتعجيل برحيل الاحتلال، وإقامة نظام مستقر فى العراق، ثم شهد العراق مؤشرات انقسام وصراع وتفكك، ولم تفعل الانتخابات المتكررة والحكومات التى أعقبتها أكثر من أنها أوجدت إطارا قانونيا وسياسيا لوضع العراق بعد الاحتلال، وبقيت القوى التى استدعت الغزو على رأس هذه الحكومات، إلى أن أجريت الانتخابات التشريعية الأخيرة فى مارس الماضى، ومثلت نتائجها بارقة أمل بقدر ما جاءت انعكاسا بدرجة أو بأخرى لخريطة القوى التى قبلت الدخول فى العملية السياسية. وكان فوز القائمة العراقية بزعامة إياد علاوى بأكبر عدد من المقاعد مصدرا للأمل فى إمكان تشكيل حكومة أكثر تعبيرا عن الخريطة السياسية العراقية على الرغم من كل التحفظات على شخص علاوى ودوره فى أعقاب الاحتلال، وذلك على الأقل لأن برنامجه بدا الأقرب إلى إعادة اللحمة الوطنية، واستعادة وجه العراق العربى، ووقف أشكال التدخل الإقليمى وبالذات الإيرانى فى شئونه.

غير أن الرياح أتت بما لا تشتهى السفن، فكانت فتوى المحكمة الدستورية فى العراق ـ عكس جميع الممارسات البرلمانية الشائعة ـ بأن تكليف علاوى بتشكيل الحكومة باعتبار أن قائمته قد حصلت على أكبر عدد من المقاعد ليس مسلما به، على أساس أن التشكيل يجب أن يعهد به إلى أكبر «تكتل برلمانى» وليس القائمة صاحبة أكبر عدد من المقاعد.

ثم بدأت محاولات تقليص عدد المقاعد التى حصلت عليها قائمة علاوى، إما باستبعاد بعض أعضائها باعتبارهم من «أزلام» النظام السابق، أو بمحاولات الاغتيال التى طالت بعضا آخر.

لكن الأدهى والأمر أن علاوى نفسه بدأ يدخل فى مشاورات مع قوى محلية يفترض أنه خاض الانتخابات لتنحيتها عن المسرح السياسى العراقى، أو مع قوى إقليمية يفترض كذلك أنه يعترض على تدخلها السافر فى الشأن العراقى، وعلى الرغم من هذا كله فإن محاولاته لتشكيل الحكومة لم تنجح، وبدأت موجة جديدة من عدم الاستقرار والإخلال بالأمن، ويبقى الأخطر أنه حتى بفرض النجاح فى تشكيل حكومة عراقية برئاسة علاوى أو غيره فى المستقبل القريب فإن النهج الذى ساد فى محاولات هذا التشكيل لا يفضى إلى كثير من التفاؤل بشأن قدرة الحكومة الجديدة إن تشكلت على حل ما يواجهه العراق من مشكلات.

ثمة نموذج ثانٍ مألوف مستمد من الوضع فى لبنان، فقد عانى هذا القطر العربى الصغير مساحة وسكانا وبالغ الأهمية من المنظور الاستراتيجى أزمة سياسية ممتدة منذ اغتيال رفيق الحريرى فى 2005، وتمكن بالكاد من أن ينأى بنفسه عن الحرب الأهلية، ومثلت عمليات تكوين الحكومة فيه دائما ميلادا صعبا وعسيرا، وجاء تكوين الحكومات فيه دائما بعد مخاض عسير. بل لعلنا نذكر أزمة الفراغ الرئاسى بعد أن انتهت ولاية الرئيس إميل لحود، وإذا أضفنا إلى ذلك تعطيل السلطة التشريعية طيلة الأزمة السياسية لاكتشفنا أن لبنان قد عاش فعليا فترة يعتد بها دون مؤسسات للحكم، وكان من شأن هذا أن يفضى إلى تفجر الأوضاع فى أى لحظة، وهو ما وقع بالفعل فى أحداث 7 مايو 2008.

وفى أعقاب الانتخابات البرلمانية الأخيرة فى العام الماضى تكررت المعضلة نفسها، خاصة وقد كانت قوى الثامن من آزار التى تضم حزب الله تتوقع الفوز، وهو ما لم يحدث، وهكذا لم تولد الحكومة هذه المرة أيضا إلا بعد مخاض عسير، وبدا أن الأمور تعود بعد ذلك إلى حالتها الطبيعية، وأن لبنان قد وضع قدميه أخيرا على بداية طريق استقرار حقيقى، خاصة أن العلاقات مع سوريا قد استعادت توازنها بمشاركة كل الأطياف السياسية فى الحكومة، إلى أن حلت الأزمة الراهنة فى أعقاب الحديث عن إصدار المحكمة الدولية قرارا يتهم أعضاء من حزب الله بالضلوع فى جريمة اغتيال الحريرى، وتصدى الأمين العام للحزب لهذه الاتهامات، وتلميحه إلى أنها تمثل عدوانا على حزب الله هو قادر على رده، بالإضافة إلى التراشق اللفظى الحاد بين كل من رئيس اللقاء الديمقراطى وليد جنبلاط وقائد القوات اللبنانية سمير جعجع ـ جاءت كل هذه التطورات لتضع لبنان على شفير أزمة سياسية طاحنة جديدة، قد ينجح فى الخروج منها كسابقاتها لكن أثرها السلبى عليه يبقى أكيدا.

وأخيرا وليس آخرا يأتى نموذج اليمن التى واجهت فى هذا العقد على نحو متصاعد خطرا ثلاثى الأبعاد يتمثل أولا فى نشاط تنظيم القاعدة، وهو جزء من نشاط يمتد إلى جميع أرجاء العالم على أى حال، وإن كانت هشاشة الدولة اليمنية قد فتحت الباب دوما لمخاطر التدخل الخارجى. ويتمثل الخطر الثانى فى أزمة العلاقات بين شمال اليمن وجنوبه على خلفية اتهامات جنوبية بأن الوحدة قد تحولت إلى احتلال شمالى للجنوب، وهكذا تكون «الحراك الجنوبى» الذى بدأ بحركة مطلبية تركز على أوضاع الضباط الجنوبيين المتقاعدين منذ نهاية حرب الانفصال فى 1994، ووصل الآن إلى حد رفع مطلب الانفصال صراحة، بالإضافة إلى تصاعد وتيرة العنف الموجه لسلطة الدولة فى الجنوب. وينبثق الخطر الثالث من حركة «الحوثيين» فى شمال اليمن التى تقول إنها حركة مطلبية، غير أن سلوكها يدفع للاعتقاد بغير ذلك، خاصة على ضوء علاقتها بإيران، وقد استنزفت مواجهة الحركة موارد يمنية كثيرة، وكالعادة تصورت السلطة اليمنية أن اجتثاث الحركة ممكن بالقوة المسلحة، لكن الصراع امتد إلى السعودية، وأصبح واضحا أنه لا بديل عن حل سياسى له، وهو ما تمت أولى خطواته فى فبراير الماضى، غير أن ترتيبات وقف إطلاق النار والتسوية تعرضت مؤخرا لنكسة حقيقية وخطيرة، وبدأ من جديد مسلسل عمليات القتال والحديث عن وقف لإطلاق النار.

يمثل العجز عن استدامة التقدم الذى يحدث أحيانا فى بعض من أخطر البؤر التى تمثل صداعا فى رأس النظام العربى، وواحدا من أهم مصادر الخطر على مستقبل هذا النظام، ولا يدرى المرء أيعود هذا العجز إلى هشاشة مؤسسات الدولة، ومن ثم قابليتها للخضوع لقرارات عشوائية وبطيئة، أم يعود للاختراق الخارجى، أم إلى عدم صدق نوايا الأطراف المنخرطة فى التوصل للحلول المطلوبة، أم إلى أن النظام العربى لا يقدم المساندة الكافية التى تضمن التوصل لتلك الحلول، أم لا يمارس الضغط الواجب من أجل تيسير إنجازها وضمان الالتزام بها. لكن الشىء المؤكد فى كل الأحوال أن هذا العجز نذير شؤم بالنسبة لحاضر الوطن العربى ومستقبله.

 

أحمد يوسف أحمد أستاذ العلوم السياسية بكلية الإقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وعميد معهد الدراسات العربية