عزل الأئمة والتوازن السياسى بين النداء والنهضة - امال قرامى - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 3:50 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عزل الأئمة والتوازن السياسى بين النداء والنهضة

نشر فى : الثلاثاء 29 سبتمبر 2015 - 8:15 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 29 سبتمبر 2015 - 8:15 ص

قررت حكومة «الصيد» بعد الحدث الإرهابى فى سوسة، اتخاذ مجموعة من الإجراءات لمكافحة الإرهاب من ذلك، إعادة هيكلة إدارة المساجد وتحييدها عن التوظيف السياسى وعزل الأئمة المورطين فى دعم الإرهاب. وفق هذه الرؤية السياسة الجديدة لإدارة الشأن الدينى، كان على وزير الشئون الدينية، اتخاذ مجموعة من القرارات منها: إغلاق عدد من المساجد التى بنيت بطريقة غير شرعية بعد الثورة وعزل عدد من الأئمة الذين عرفوا بتدخلهم فى الشأن السياسى، وذلك من خلال دعم المرشحين فى الانتخابات الرئاسية الأخيرة أو بث خطاب الكراهية والتطرف. غير أن قرار العزل لم يمر دون إثارة صراع بين الأئمة ومن والاهم وساندهم من قيادات حزب النهضة من جهة، ووزارة الإشراف من جهة أخرى.

ومن المهم التوقف عند ما ترتب على هذا الحدث من نتائج منها: إصرار حزب النهضة على التدخل فى هذا القرار، باعتباره لا شريكا فى الائتلاف الرباعى فحسب، بل لاعتقاده أن إدارة الشأن الدينى ترجع له بالنظر. فهو حزب ذو مرجعية دينية ومن ثمة فهو يرى نفسه أكثر حزب مؤهل للبت فى قضايا الدينى فى علاقته بالسياسة. يضاف إلى ذلك أن من بين الأئمة المعزولين قيادات من داخل الحزب، كالوزير السابق للشئون الدينية نور الدين الخادمى، وعلى هذا الأساس فإن عزل أئمة على خلفية الترويج لخطاب تكفيرى أو يحث على الجهاد عينتهم حكومات النهضة، يثبت مسئولية هذا الحزب عن حالة الانفلات التى انتشرت فى المساجد التى ما عادت جامعة للمؤمنين بل فضاء للصراع هذا من جهة، وعن سيطرة التيارات التكفيرية على أكثر من 400 مسجد وتحول بعضها إلى مخازن للسلاح، وغرف تدار منها عمليات التخطيط للاغتيالات السياسية من جهة أخرى.

وعلاوة على ذلك، أكد تدخل «الغنوشى» فى القرار الصادر بعزل رضا الجوادى إمام جامع بمدينة صفاقس، وضغطه على رئيس الحكومة حتى يعيده إلى منصبه، أن المسألة باتت سياسية بامتياز تدار بمنطق الأقوى فى المعادلة السياسية، وهو منطق يضرب عرض الحائط بـ«هيبة» الدولة، إذ يظهر الحكومة فى وضع هش تتضارب فيه القرارات بين رئيس الحكومة ووزير الشئون الدينية، كما أنه يجعل من هذا الوزير غير مسئول عن اتخاذ قراراته، بناء على المعطيات التى يملكها وتصوره للمصلحة العامة، وإنما هو تابع للأوامر التى غدت تصدر عن راشد الغنوشى.

***
أما الوجه الآخر الذى تنم عنه قضية عزل الأئمة، فيتعلق بربط قيادات حزب النهضة قرار وزير الشئون الدينية، بتركة الماضى وكيفية تعامل الأنظمة السابقة مع المسألة الدينية، ولذلك شاع فى خطاب هؤلاء استعمال «استهداف» الأئمة الذين عرفوا بالاعتدال والمظلمة والتعسف والاعتداء والحرمان، والمؤمنين. وفق هذا الطرح يفسر تدخل «الغنوشى» فى إطار حماية الإسلام والمسلمين وعلى رأسهم «شعب النهضة»، وهكذا يترسخ الاستقطاب أكثر فأكثر، ويبدو آلية من آليات إدارة البلاد.

ولئن تذرع قياديو النهضة بأن قرار العزل هو رسالة احتقان تتضارب مع الروح التوافقية والوحدة الوطنية، فإن التوافق من منظور النهضة يعنى ازدواجية الحكم. فتدخل «الغنوشى» يعد علامة على تدخله المباشر فى الحكم والسلطة التى يتمتع بها والتى تجعل طريقة التعامل بين حزبين: النداء والنهضة خاضعة للتوازن وفق رؤية الزعيمين السبسى والغنوشى. فلا غرابة أن ينعت بعضهم الحزب الحاكم بأنه «نداء النهضة»، فى إشارة واضحة إلى أن البلاد تسس برأسين.

وبالإضافة إلى ارتباط قرار العزل بالوضع السياسى والمحاصصة بين الحزبين النداء والنهضة، فإن الجدل الذى أثير فى هذا الموضوع أكد مرة أخرى عدم قدرة قيادات النهضة على اتخاذ قرارات جريئة، تتمثل فى الاعتراف بالأخطاء التى ارتكبت زمن قيادتهم للمرحلة الانتقالية، يكفى أن نستمع إلى المبررات التى قدمها «الغنوشى» أو «الخادمى» أو «لطفى زيتون»، والتى ترتكز على تصوير هذا الرهط من الأئمة المعزولين فى صورة «ضحايا النظام» وإظهارهم فى صورة المرابطين، الذين يقاومون الفكر المتطرف والمعروفين بالنزاهة والمعرفة و«المقبولية الشعبية»، بل إنهم «أئمة اطلعوا بدور فى تأطير الثورة حتى تكون سلمية».

ليس التراجع فى قرار العزل إلا علامة على الإرباك الحاصل فى عمل حكومة «الصيد»، والتردد بين الإقدام على الإصلاحات العميقة والتراجع مراعاة للتوازنات السياسية.

 

التعليقات