علينا تقييم الديون المصرية - طارق عزت - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 9:45 ص القاهرة القاهرة 24°

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

علينا تقييم الديون المصرية

نشر فى : الخميس 31 يوليه 2014 - 8:45 ص | آخر تحديث : الخميس 31 يوليه 2014 - 8:45 ص

بعد الأزمة المالية فى عام 2008، عجزت عدة دول عن مواجهة التزاماتها المالية. وفى مقدمتها اليونان وقبرص وإسبانيا وإيطاليا وكذلك فرنسا إلى حد ما. وقد عانت هذه الدول من صعوبات جسيمة.

فى هذا الجو من الهلع، تمكنت دولة واحدة من الصمود، آلا وهى آيسلاندا.

هذه الدولة، وشعبها الشجاع، أدركوا أن الديون كانت نتيجة عمليات غير قانونية. فنظمت آيسلاندا استفتاء أدى إلى رفض سداد الديون والحكم بالسجن على المسئولين عن الوضع المالى السيئ الذى عانت منه الدولة.

قبل ذلك بعد سنوات، كانت الأرجنتين قد رفضت سداد ديونها، أما البرازيل فإنها هددت بالامتناع عن السداد.

<<<

بعد الإطاحة برئيس هايتى جان كلود دوفالييه كانت هناك نداءات بإلغاء ديون هايتى للمؤسسات المتعددة الأطراف بحجة أنها ديون بغيضة وظالمة ويمكن لهايتى استخدام هذه الأموال بطريقة أفضل فى خدمات التعليم والرعاية الصحية والبنية التحتية الأساسية. وفى فبراير من عام 2008 صدر قرار إلغاء ديون هايتى.

فى ديسمبر 2008، أعلن رافائيل كوريا رئيس جمهورية الإكوادور أن الديون الوطنية على الإكوادور هى ديون بغيضة وغير شرعية بحجة أن الذى تعاقد عليها هو النظام السابق الفاسد والمستبد، ونجح فى تخفيض الديون قبل مواصلة دفعها.

(الدين البغيض) بالإنجليزية (Odious debt، المعروف أيضا باسم الدين غير الشرعى، هو مصطلح فى القانون الدولى، يشير إلى نظرية قانونية تقول بأن الدين الوطنى الذى يقترضه النظام لأغراض لا تخدم مصالح الأمة لا يجوز الوفاء به. ويعتبر القانون هذه الديون ديونا شخصية للنظام يتحملها هو وليس الدولة. ويشبه هذا المفهوم فى بعض النواحى العقود الباطلة التى توقع تحت الإكراه.

عندما يوقع نظام مستبد عقود دين لا يكون ذلك لتلبية احتياجات أو مصالح الدولة، بل يستخدم لتقوية النظام وقمع الانتفاضات الشعبية، يكون هذا الدين مكروها من كل أفراد شعب الدولة. ويكون الدين غير ملزم للأمة بل هو دين للنظام، أى دين شخصى تعاقد عليه الحاكم وبالتالى فإنه يسقط بسقوط النظام. فلا يمكن أن نتوقع من أمة حررت نفسها من نظام مستبد أن تتحمل هذه الديون البغيضة التى تعتبر ديونا شخصية للحاكم.

جدير بالذكر أن رافائيل كوريا رئيس جمهورية الإكوادور اصطدم بعداء البنوك والمؤسسات المالية الدولية والعديد من قيادات الغرب. إلا أنه هددهم باللجوء إلى القضاء ومحاكمة الفاسدين من المسئولين فى بلده وكذلك المسئولون الأجانب الضالعون فى جريمة الفساد.

لم ينجح رافائيل كوريا فى دحر معارضيه فقط، بل استطاع بهذه الخطوة الجريئة أن يطرد الفاسدين والأفاقين، ويحتفظ فقط بالمستثمرين الجادين، الراغبين فى المساهمة فى تنمية البلاد. وهكذا تم تخفيض ديون الإكوادور إلى النصف.

<<<

لماذا لا تحذو مصر حذو الإكوادور؟

ليس سرا أن اقتصاد مصر مريض، والحكومة المصرية، تحت ضغوط البنك الدولى وصندوق النقد الدولى والقوى الغربية، التى كانت تناصر الإخوان المتأسلمين، الحكومة المصرية بدأت تخفض دعم المواد الأساسية، وتتجه نحو رفع الدعم عنها تماما.

أما بعض الوزراء، الذين يعتقدون أن الشعب غبى لا يفهم، فقد صرحوا أن رفع الدعم عن المحروقات لن يتسبب فى زيادة أسعار المواد الأخرى، التى ستظل أسعارها ثابتة.

هؤلاء الوزراء ليسوا إلا من فصيلة الجاهل السياسى. يذكرونى بما قاله برتولد برشت عن أمثالهم:

أسوأ الجهلاء هو الجاهل السياسى. فهو لا ينصت لأحد، لا يتكلم، لا يشارك فى أحداث السياسة. هو لا يعرف أن غلاء المعيشة، سعر الخضراوات والسمك سعر الدقيق، إيجار السكن، سعر الأحذية وسعر الأدوية، كلها نتيجة قرارات سياسية.

الجاهل السياسى غبى لدرجة أنه يظهر عضلاته ويفتخر بأنه يكره السياسة.

هذا الأبله لا يعلم أن جهله السياسى هو الذى ينتج العاهرات وأطفال الشوارع واللصوص وأبشع البلطجية، وفوق كل شىء السياسى الفاسد الذى يركع تحت أقدام الشركات الدولية والمحلية.

الجاهل السياسى موجود فى حكومتنا، ولكن علينا أن نتقبل الواقع وأن نتعامل معه.

نحن نعلم أن مصر عاشت تحت نظام فاسد. ونعرف أن بعض الأثرياء اختلسوا أموال الديون، بل استولوا عليها، بدلا من رصدها لأهدافها من مشاريع تنمية وتعاون اقتصادى.

وقد تفاقمت الأوضاع حتى أن المواطن البسيط أدرك المهزلة، فها هو يسخر مطلقا بعشرات النكت، كما سخر الفلاح الفصيح قبل منه بمئات السنوات.

مصر تعتمد أساسا على مساندة المملكة العربية السعودية، أى على النظام الذى يدعم ويمول السلفيين وهلامه الدعاة المتخلفين الذين يدورون فى فلكهم.

لكسر هذا القيد، أراد الرئيس السيسى أن يحث الأثرياء من رجال الأعمال على المشاركة فى المجهود الاقتصادى، فبادر بالتبرع بنصف ثروته ودخله لمصر. وحذا حذوه العديد من رجال الأعمال والآلاف من المواطنين البسطاء.

ولكن، ماذا بعد ذلك؟ ماذا نحن فاعلون فى العام القادم؟

هل من المكن، فى المدى البعيد، أن يعتمد اقتصاد دولة كمصر على معونة الوهابيين وصدقات الأثرياء؟

إذا افترضنا أن طبقة الأثرياء تمكنت من إعادة تكوين ثروتها، فمعنى هذا أنها لا زالت تنهب البلد. وإذا لم تتمكن هذه الطبقة من استرداد ثروتها، فإن الوضع سيعود إلى ما كان عليه، وتكون هذه الطبقة قد بددت ثروتها بلا فائدة وبلا مقابل.

اقترح أن تنظم مصر تقييما لديونها.

يقوم بهذا التقييم فريقا مستقلا من الخبراء الدوليين والمنظمات الدولية المتخصصة. يمكن كذلك اشراك علماء أو سياسيين أفارقة. المؤسسات التى استفادت من الديون يجب أن تستبعد من هذا الفريق، على سبيل المثال، يجب استبعاد البنك الدولى أو صندوق النقد الدولى كذلك، لتفادى تضارب المصالح، يجب استبعاد الخبراء المصريين من هذا الفريق.

الهدف من التقييم هو تحديد قيمة كل قرض، وشروطه وكيفية استخدام ما يخصه من مبالغ ويؤدى هذا لتصنيف الديون. الديون الصحيحة، التى استخدمت لتنمية البلاد، يتم سدادها. وقد يتم كذلك التفاوض على إعادة جدولتها.

أما الديون الأخرى البغيضة، التى مولت الفساد، فتعلن مصر أنها تتبرأ منها، وأنها لن تسددها.

هذه الخطوة سوف تؤدى إلى تقليص الديون بنسبة لا يستهان بها وسوف تسمح بتمويل التنمية بما يتم توفيره من الأموال التى كانت مخصصة لسداد الديون الفاسدة، والتخطيط للمستقبل على أسس واضحة وبناءة.

هل لمصر وحكومتها القوة الاقتصادية والشجاعة السياسية للإقدام على خطوة كهذه؟

طرح السؤال هو أيضا طرح الإجابة عليه.

طارق عزت مهندس وخبير اقتصادى
التعليقات