«فوتوكوبي».. والانتصار للحب - عمرو عز الدين - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 11:59 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«فوتوكوبي».. والانتصار للحب

نشر فى : الأحد 31 ديسمبر 2017 - 9:10 م | آخر تحديث : الأحد 31 ديسمبر 2017 - 9:10 م

فقط أولئك الذين يؤمنون بأهمية وحتمية انتصار «الحب» في نهاية المطاف، هم من يفوزون، هم من يتذوقون حلاوته الحقيقية، عندما يتحقق لهم ذلك ولو بعد حين.

شاهدت فيلم «فوتوكوبي» بطولة المبدع محمود حميدة والجميلة شيرين رضا، تأليف هيثم دبور في أولى تجاربه في الكتابة السينمائية وإخراج تامر عشري في تجربته الأولى أيضا، ويحكي قصة عجوز يجري الزمن من حوله بسرعة لا تمكنه من مواكبة تطوراته، وهو الذي صار يعيشه على الهامش بالفعل، يخشى الانقراض كما الديناصورات وسط عالم جديد عليه يتغير باستمرار وبوتيرة متسارعة، لكنه وسط ذلك لم يفقد نقاء قلبه وصدق فطرته وإيمانه بأن الانتصار في النهاية هو للمحبين مهما طال زمن تحقق ذلك.

ينتصر فيلم «فوتوكوبي» للحب، ولا يقف عند مفهومه المحدود بل يتخطاه لمعناه الواسع الذي يشمل كل شيء.. الحب بين الرجل والمرأة.. الحب بين الجيران.. الحب بين أبناء الشارع الواحد.. بين البشر وما يحملونه من إنسانية.. الحب بين الأجيال المختلفة.

نرى ذلك في قصة الحب العذبة بين عم محمود صاحب محل التصوير «محمود فوتوكوبي»، والست صفية جارته المسنة، التي يراقبها في ذهابها وإيابها، ويقتنص أي فرصة لزيارتها حين تنقطع عن النزول من بيتها، بل ويقرر ترشيح نفسه لمجلس إدارة العمارة، فقط ليحضر الاجتماع المقرر عقده في شقتها.

نرى ذلك في العلاقة بين عم محمود وأسامة (لعب دوره الفنان علي الطيب) صاحب "السايبر" المجاور له، علاقة تعبر عن جيلين مختلفين تمام الاختلاف، وبينما يتمنى أسامة تأجير أو شراء محل عم محمود ليتوسع في نشاطه، يأبى الأخير أن يفرط في محله، ما يجعلنا نتوقع صراعا بينهما، مع ذلك كانت علاقتهما قائمة على المحبة وحسن الجيرة، حتى تحولت إلى صداقة تحمل طابعا أبويًا.

نرى ذلك عندما يتلقى عم محمود جنيها مهترئا من أحد الزبائن نظير تصوير بعض الأوراق، ليجد رسما لسهم يخترق قلبا وحرفين على طرفيه، ما يدل على تفريط أحدهما في ذلك الجنيه/ الرمز، (تفريط أحدهما في الحب)، لكن عم محمود لم يفرط فيه، لم يطلب من الزبون تغييره بجنيه آخر (عليه القيمة)، بل ينتصر للقلب الذي نبذه الجميع ودسه في جيبه وهو يعلم أنه -غالبا- لن يفارقه بعد ذلك، ولن يرضى به أي زبون نهائيا.

أغلب أحداث «فوتوكوبي» تدور في الفترة ما بين عيدي الحب المصري في 4 نوفمبر والعالمي (الفالانتاين) في 14 فبراير، في إشارة واضحة ودلالة أخرى على رغبة صناع الفيلم في تقديم الحب في هيئة (الخلاص) من كل معاناتنا.

مع دخول عيد الحب المصري، يهدي (زبون عابر) وردةً إلى عم محمود ليعطيها لمن يحب أو يحتفظ بها إن كان وحيدا، ولعب دور الزبون العابر الممثل الشاب يوسف عثمان، الذي شارك محمود حميدة من قبل بطولة فيلم «بحب السيما».

ويستمر «فوتوكوبي» متجاوزا الحدود بين البلدان ليرسم علاقة لطيفة بين عم محمود والشاب النيجيري عثمان، وهو زبون من (النيجر) وليس (نيجيريا). تتطور تلك العلاقة الإنسانية بينهما حين يحضر عم محمود محادثة بين عثمان وحبيبته التي تبعد عنه آلاف الكيلومترات، لكنها تحمل معها قلبه. وتتوج هذه العلاقة الإنسانية بأن يصبح صديقا لعم محمود وشاهدا على زواجه فيما بعد.

لا ينتصر «فوتوكوبي» للحب فقط بعرض شخوص محبة حالمة طوال الوقت، بل كانت هناك شخصيات تمثل النقيض من ذلك، وكذلك أحداث تحمل في طياتها مآسٍ خالصة، لكن الفيلم تجاوزها دون التعرض لها إلا بإشارة من بعيد، وكأن صناعه يقصدون طمس القبح الذي يفسد لوحة الحياة التي من المفترض أن تكون بديعة.

نرى ذلك في مشهد اجتماع مجلس إدارة العمارة، فبينما يصيح الجميع في غضب بوجه عم محمود، كان هو يحتمي بقلبه، واقفا في فقاعة تحتويه مع الست صفية، والأصوات من حولهما غير واضحة ولا مفهومة، فقط ينظر إليها فيتلاشى القبح من حوله ولا يعلو سوى صوت دقات قلبه الموجهة لقلب حبيبته.

انتقد كثيرون الخط الدرامي بين الست صفية وابنها، حيث إنه لم يظهر في الأحداث نهائيا، وفي هذا دلالة أخرى على انتصار الفيلم للإنسانية فقط ونبذه ما عداها، فيتخطى صناع «فوتوكوبي» تلك المأساة التي صرنا نأكلها مع طعامنا ونشربها مع شرابنا كل يوم في الأخبار والقصص المتداولة بين الناس، ولا يعرضها إلا بعد وقوعها دون الدخول في تفاصيلها.

تلك كانت الحالة التي خرجت بها من قاعة السينما بعد تصفيق طويل من الحضور، حالة من البهجة مع ابتسامة خفيفة يزداد اتساعها في أعماقي، ليزداد تأكدي أن قيمة الحب الصادق هي الباقية، وأكاد أسمع صوت عم محمود وهو يناشدنا بألا نفقدها أو نفقد لذتها، وأن نحتمي بها وسط ما يمتلئ به العالم حولنا من بؤس وسخافة.

«فوتوكوبي»، الفائز بأحسن فيلم في مهرجان الجونة، فيلم ناعم متدفق بالمشاعر الإنسانية في كل جوانبه. سحابة مرت في حياتنا الحارّة التي لا تقل حرارة شمسها أبدا، فمنحنا نسمات عليلة، محذرا إيانا من الابتعاد عن (قيمة الحب) وإلا نُصبح (على وشك الانقراض).

عمرو عز الدين كاتب وصحفي مصري
التعليقات