للرجال فقط - عمرو عز الدين - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 10:42 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

للرجال فقط

نشر فى : الجمعة 4 أغسطس 2017 - 9:20 م | آخر تحديث : الجمعة 4 أغسطس 2017 - 10:52 م
بعد إصابته ببعض الآلام التى وجد حرجا فى الاستفسار عنها علانية على حسابه الشخصى بموقع «فيسبوك»، لجأ «محمد» إلى إنشاء «مجموعة/ جروب» وجمع بعض أصدقائه لسؤالهم، ثم تدحرجت كرة الثلج وتعاظمت لنعرف جميعا اسم مجموعة من أشهر مجموعات موقع التواصل الاجتماعى الأشهر: «جت فى السوستة».

الجروب، الذي تجاوز عدد أعضائه نصف مليون عضو، يضم الرجال والرجال فقط، وذلك ليضمن أعضاؤه الكلام بحرية كاملة فى موضوعات اجتماعية أو شخصية بعيدا عن جدال السياسة والدين الذى لا ينتهى. لكن أكثر ما ميّز هذا الجروب حتى الآن أنه ترجم المعنى الحقيقى لكلمة «التواصل الاجتماعى»، الهدف الأول «المعلن» من المواقع التى تحمل اسمها.

أذكر بداية انتباهى للأمر مع هاشتاج «صورتك فى الشغل» الذى حمل صورا جميلة من جميع أنواع العمل الذى يمكن تخيله، البعض كان يضع صورته فى عمل يراه «متواضعا» جوار بعض الصور الأخرى، فيجد التعليقات تنهال عليه بالتشجيع والثناء، تعليقات لا وصف لها إلا «الجدعنة».

ثم أكملت كرة الثلج تدحرجها، وبدأت عدوى «الجدعنة» تنتقل عبر أثير التعليقات و«اللايكات» والقلوب والضحكات. عضو مريض يطلب من بقية الأعضاء الدعاء له، فيتطوع كثير منهم لزيارته والتصوير معه ورفع الصور على الجروب فيتشجع آخرون للقيام بالمثل، فى صورة تحمل معنى «التضامن الاجتماعى» الذى لا هدف له سوى إسعاد الناس وودهم وإشاعة الرفق والمحبة بينهم.

لا يتردد السائل فى الحديث مستأمنا كل من سيقرأ كلماته، فمن فى الجروب هم رجال، صفة قبل أن تكون نوعا فى البطاقة، يضمن أن كلامه/ بوحه/ فضفضته/ شكواه ستظل فى مأمن من «الاسكرين شوت»، لعنة التكنولوجيا الآن، وعلى الرغم من ذلك فقد تسربت بعد التدوينات والتعليقات عليها، مما يمكن تسميته بـ«التسريبات الحميدة» حيث لم تكشف سوى مزيد من جدعنة أعضاء الجروب، وجعلت اسمه يتردد كثيرا فى الأيام القليلة السابقة.

بدأ الأعضاء فى محاولة لتكوين «لوبى» يساعد بعضه بعضا، فالمحامى يعلن عن نفسه إن احتاج له أحد، والطبيب كذلك، ثم النقاش وصاحب محل الأدوات الصحية، من يرغب فى بيع أو تبادل شىء مستخدم يملكه يعرضه، الجميع سيخدم الجميع فقط حين يسمع كلمة السر: «سوستجى»، حسبما يقول أعضاء الجروب عن أنفسهم.

يحاول البعض أن يفرض على الجروب حربا ليست حربه، حين تتناوله التقارير الإعلامية فى صورة «عدو النساء»، والحقيقة أنه غير ذلك، فقصة نشأته بعيدة كل البعد عن حرب خفية بين الرجال والسيدات، بل هو أقرب إلى «قهوة بلدى» يجلس عليها مجموعة من الرجال يتبادلون الأحاديث والخبرات.

ربما تصاب السيدات بالفضول وتفكر بعضهن بالشك والريبة عملا بالاعتقاد السائد أن الرجال حين يجتمعون فانتظر مصيبة، والحقيقة أيضا أن الرجال أبسط من ذلك، يجتمعون ليتبادلون صورهم خلال العمل أو مع أبنائهم، أو يستشيرون بعضهم حول أمور دنيوية بسيطة، أبسطها «بتدى الحلاق كام الأيام دى»! ولعل أبرز مثال عن الاستشارات الدنيوية الحيوية ذلك الرجل الذى سأل عن ذهابه لعزاء حماه وهو الذى طلّق زوجته قريبا، فانهالت التعليقات عليه تطالبه بالذهاب وبعضهم نصحه بإعادة زوجته لعصمته، فى تضامن حقيقى هز مشاعر الكثيرين ممن قرأوه.

الفكرة ليست بجديدة على كل حال، ففى تاريخ الإنترنت العربى، إن جاز التعبير، هناك العديد من التجمعات التى بدأت بمثل تلك القوة، وكان بين أعضائها كثير من التواصل، أذكر منها ــ بالأخص ــ منتدى «شبكة روايات التفاعلية» وكنت أحد أعضائه، والذى ضم عددا كبيرا من محبى القراءة والروايات فى العالم العربى، فتواصلوا والتقوا وبعضهم تزوج بعد اللقاء عبره، وكان ضمن أعضائه كتاب ومؤلفون معروفون مثل الكاتب الكبير «أحمد خالد توفيق» والسيناريست «محمد سليمان عبدالمالك» والروائى «محمد علاء الدين» وغيرهم، وخفت نجمه تدريجيا مع خفوت نجم المنتديات بشكل عام فى نهاية العقد الأول من الألفية الجديدة.

ربما ضل الجروب طريقه فى بداية الأمر، حتى اعتقد البعض أنه «إباحى» لكنه صوّب نفسه بنفسه، حتى صار ما هو عليه الآن، كطفل كان يتعلم المشى فيتعثر ثم صار الآن شابا يافعا يعدو بخطوات واسعة، أخشى عليه من لحظات الخفوت التى يمر بها أى كيان افتراضى مثيل، أخشى كذلك من تسرب السياسة إلى أحاديث أعضائه فتدب الفتنة العظمى كما تعودنا خلال السنوات الأخيرة، أو أن يتحول إلى جروب ينشر تدوينات «كم واحد هيصلى على النبى» و«انسخ الرسالة لعشرة غيرك وإلا هتتحول خرتيت».. إلخ من مثل هذه التدوينات. أما غير ذلك فسيستمر الجروب فى طريقه لإظهار «الجدعنة» المفتقدة، وتلميعها ووضعها تحت الضوء، وهو ما نحتاجه بشدة فى ظل هذه الأيام العصيبة.

 

عمرو عز الدين كاتب وصحفي مصري
التعليقات