فى مصر عشرات المتاحف التى لا تُزار ولا نعرف قيمتها، وفى ذات الوقت تفتقد مصر نوعية محددة من المتاحف لها أهميتها الثقافية والعلمية والتعليمية، ولأننا ليس لدينا خطة أو قل استراتيجية وطنية للمتاحف، وليس لدينا من يملك الخيال لكتابة سيناريو لمتحف، صارت معظم متاحفنا هى تكرار لبعضها مع اختلاف المعروضات، أو قل بمعنى أدق هى مخازن لحفظ الآثار، هذا ما يقودنى إلى موضوع هذا المقال، منذ سنوات نحن نعلم أن المتحف المصرى فى التحرير سيفقد بريقه بافتتاح المتحف المصرى الكبير، ولأننا غيبنا العصف الذهنى والتفكير فلم نرَ دراسة جادة تقول لنا كيف سنوظف هذا المتحف الذى كان أول بناء فى العالم شُيد لكى يكون متحفا، وفى حقيقة الأمر كل الأفكار المطروحة نمطية، وكأنه ليس لدينا فرصة ذهبية لكى ندفع بهذه البناية لتكون متحفًا للتاريخ الطبيعى، يعكس ثراء البيئة المصرية جيولوجيا وكذلك نباتيا ويقدم تنوع الكائنات الحية على أرض مصر، على غرار متحف التاريخ الطبيعى فى لندن ومتحف التاريخ الطبيعى فى نييورك، بل إن العديد من الدول ترى هذه النوعية من المتاحف أساسية لأن لها دورا تعليميا وعلميا مهما.
إن متاحف التاريخ الطبيعى على عكس ما يظنه البعض هى أكثر المتاحف التى تزار على الصعيد الدولى، ولأن وزارة الآثار لا تملك خريطة لمتاحف مصر، فإنها لا ترى لمثل هذه المتاحف أهمية، علما بأن مصر بسبب مترو الأنفاق اضطرت لنقل المتحف الجيولوجى المصرى إلى هنجر معدنى فى كورنيش المعادى، كما أن متحف الحشرات المصرى مغلق بسبب فشل جمعية الحشرات المصرية فى ترميم مبانيها، وهكذا أصبح لدينا تراث وطنى لا مثيل له مهمل، ومن الأفضل أن يجمع فى متحف للتاريخ الطبيعى فى مصر منذ عصور ما قبل التاريخ إلى عصرنا، أضف إلى هذا أن قدماء المصريين حفظوا لنا قططا محنطة وتماسيح محنطة وغيرها، بل ضمت مقابر قدماء المصريين تراثا يجعل من متحف التاريخ الطبيعى المصرى متحفا مختلفا عن أقرانه فى العالم، ومعظم هذا التراث حبيس المخازن.
إن الحقيقة التى يجب أن نعمل عليها هى تنوع المتاحف فى مصر من حيث النوعية والمعروضات، فليس لدينا متحف للسيارات، وأغلق متحف النسيج دون سبب وجيه، وعلى الرغم من أن مصر لديها خبراء فى مجال المتاحف إلا أن النقاش العام فى هذا التخصص محدود بل يكاد يكون معدومًا، ولذا فمن الأساسيات التى يجب طرحها، كيفية إجراء دراسة جدوى لمتحف، فالكثيرون سيذهبون فورا إلى إيرادات المتحف، وهم لا يعرفون أن المتاحف فى كل أنحاء العالم هى للتعليم وحفظ التراث الوطنى بل تفتح مجانا خاصة حين تؤدى دورا فى بناء الهوية الوطنية ومعالجة بعض المشكلات الوطنية.
هذا أيضا يقودنا إلى أن اقتصاديات المتاحف وإدارتها فن قد لا يتوافر لدينا، فاتخاذ القرار حول كيف سندير متحفًا وكيف سنعظم موارده قرار ليس سهلا بل يتطلب مختصين فى إدارة المتاحف واقتصاديات هذه المتاحف، ولدينا العديد من النماذج الناجحة أبرزها المتحف البريطانى فى لندن الذى ألغى تذاكر الدخول ليعظم موارده من مشتريات الزوار من مركز الهدايا والكتب ومن المطاعم الملحقه به، وتجربة المتحف البريطانى تستحق الدراسة، وهى من التجارب التى جرى دراستها عند افتتاح مكتبة الإسكندرية، كما أن تقييم تجربة المؤسسات المشابه يقودنا إلى أن المتاحف الصغيرة يمكن أن تلعب دورا فى تعظيم دور المتاحف فى الاقتصاد الوطنى، لكن ما ينقص هو إنشاء شبكة وطنية تضم كل متاحف مصر، التى تتبع جهات مختلفة لكى تتبادل الخبرات ويجرى التعاون فى حملات دعائية وترويجية لها، فمن قال إن متحف معهد الموسيقى العربية متحف مجهول، لا يعرف أنه بقليل من الجهد سيتحول إلى متحف بطلب من محبى الموسيقى والغناء فى العالم، بل إن محبى الشعر العربى فى المنطقة العربية جلهم لا يعرف أن منزل أمير الشعراء أحمد شوقى تحول إلى متحف.
إن من أكبر الأخطاء التى ارتكبت فى الماضى التخطيط بأن يكون فى كل عاصمة محافظة متحف، فى الوقت الذى تكون فيه عاصمة المحافظة تفتقد الجاذبية، فمثلا متحف كفر الشيخ شُيد فى كفر الشيخ فى مدينة إدارية يذهب لها سكان المحافظة فى مشكلاتهم مع البيروقراطية المصرية، لذا تجد فى داخل كل واحد منهم موقفًا تجاهها، فى حين أنه كان من الأجدى بناء المتحف فى بوتو عاصمة مصر فى عصر ما قبل الأسرات والتى بها أكبر تل أثرى فى الدلتا، أو فى فوه أشهر مدن محافظة كفر الشيخ الأثرية أو فى بلطيم مصيف المحافظة الذى يزوره فى السنة الآلاف.
صفوة القول وزبدته: تحتاج مصر إلى مراجعة أليات إدارة المتاحف، وإلى الاعتراف بأن المتاحف مراكز علمية، وأن اقتصاديات المتاحف باتت فى حاجة إلى أن نتعلمها، وأن لدينا قصورا فى فن إدارة المتاحف، وأنه لا يوجد قانون للمتاحف فى مصر وهذه هى الثغرة الكبيرة التى يجب علاجها، وفى هذه الحالة ستكون لنا فلسفة ورؤية للمتاحف فى مصر.