تاريخ الطعام (28): البقلاوة.. حلوى نشأت في ساحات القصور وتصارع العالم على أصلها - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 9:22 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تاريخ الطعام (28): البقلاوة.. حلوى نشأت في ساحات القصور وتصارع العالم على أصلها

حسام شورى
نشر في: الأحد 2 يونيو 2019 - 1:45 م | آخر تحديث: الأحد 2 يونيو 2019 - 1:54 م

عندما يوضع أمامك طبق من الطعام الشهي الذي تفضله وتبدأ في التهامه.. هل فكرت أن وراء هذا الطبق حكاية طويلة تضرب بجذورها أحياناً عبر آلاف السنين؟! فوراء كل نوع طعام يتناوله الإنسان الآن في مصر والعالم قصة لا تقتصر على تطور أدوات وأساليب الصيد والقنص والطهي، بل يتأثر في محطات عديدة بالتاريخ السياسي والاجتماعي والديني للشعوب.

وفي هذه السلسلة «تاريخ الطعام» الممتدة طوال شهر رمضان المبارك.

وتستعرض «الشروق» معكم حكايات أنواع مختلفة من الأطعمة المحلية والإقليمية والعالمية.. وتنشر الحلقة يومياً الساعة 12 ظهراً بتوقيت القاهرة.

تختلف أشكالها وتتعدد طرق إعدادها والنكهات المضافة لها، فـ"البقلاوة" واحدة من أهم الحلويات الشرقية التي يعرفها ويعشقها العالم أجمع، فقضمة صغيرة منها كفيلة أن تسحرك وتنقلك إلى عالم آخر تذوب فيه بجمال طعمها، وهي حلوى حجزت لنفسها مكانًا رفيعًا بين باقي الحلويات لترتبط بالمناسبات والأعياد، ولكن لأصلها تاريخ طويل ومهم لا يقل عن أهمية البقلاوة نفسها لدى محبيها.

أصل البقلاوة:
هي نوع من المعجنات المحلاة تتكون من طبقات رقيقة من العجين الخاص، يسمى في مصر "جلاش"، وفي بعض الدول المتوسطية كاليونان وصقلية "فيلو"، وتُحشى بالمكسرات كالجوز والفستق الحلبي وتحلى بسكب القطر أو العسل عليها ويجعلها ذلك أكثر تماسكاً.

وتشتهر البقلاوة في المطابخ العربية والآسيوية ومطابخ الشرق الأوسط، إضافة إلى المطابخ الشامية والمغاربية والتركية وجنوب الآسيوية والقوقازية والبلقانية، وتعتبر من ضمن الستة عشر نوعاً من الأطعمة والمشروبات غير الأوروبية التي حصلت على الصفة الشرفية، وضمت إلى قائمة العشر أنواع من الأطعمة الأكثر شهرة في العالم.

بعض المصادر تؤكد أن أصل البقلاوة يعود للقرن الثاني قبل الميلاد في بلاد الرافدين والآشوريين الذين صنعوها من رقائق العجين وحشوها بالفواكه المجففة والمكسرات، ثم أخذها عنهم الأتراك، وأضافوا لها إضافات من شعوب مختلفة فأخذوا القرفة من الأرمن، وماء الورد من العرب، والعسل من اليونانيين.

ويعود أقدم ذكر عن البقلاوة في تركيا إلى دفاتر مطبخ قصر توب قابي العائد لعهد السلطان محمد الفاتح وحسب هذه التسجيلات فأنه قد تم تحميص البقلاوة في القصر، بينما كتب أوليا تشلبي، في مذكراته أنه قد أكل البقلاوة عندما كان ضيفاً في قصر أمير بتلس، وذكرت البقلاوة في كتاب الطبيخ لمحمد بن حسن البغدادي وهي أقدم موسوعة عربية في الطبخ تعود للقرن الثاني عشر الميلادي.

ومن خلال هذه التسجيلات، يتبين أن البقلاوة كانت منتشرة في كافة أنحاء الإمبراطورية العثمانية، وكانت تؤكل غالباً في السراياً والقصور، وكان طباخو القصر يهتمون بأن تكون عجينة البقلاوة رقيقة جدًا، وهذا يوحي بأنه من الممكن أن العجينة المستعملة في صنع البقلاوة كانت سابقاً غليظة.

ولكن لم يتم التوثيق بدقة لزمن ظهور البقلاوة في تركيا، إلا أن أغلب الترجيحات تؤكد أنها ظهرت في أواخر القرن السابع عشر الميلادي، في شهر رمضان الكريم حيث إنها كانت تصنع في مطابخ الإمبراطورية العثمانية بقصر توبكابي بإسطنبول، كما قدمها السلطان في صينية بشكلها المعتاد حالياً إلى الإنكشاريين في كل منتصف شهر رمضان بمراسم احتفالية تسمى "موكب البقلاوة".

موكب البقلاوة:
كانت هذه العادة متبعة في إسطنبول، إذ توزع صواني البقلاوة على وحدات الانكشارية وسائر الوحدات العسكرية، على أن تكون لكل عشر أشخاص صينية من البقلاوة، وكان استلام الجنود للبقلاوة ونقلها إلى الثكنات العسكرية يتم بحفل فاخر، فكانت صواني البقلاوة الجاهزة تصر في فوطة وهي نوع من البشاكير، وتصف أمام مطبخ قصر السلطان، ويصطف الجنود الذين سوف يستلمون الصواني مقابلها.

ويبدأ سيلاحدار آغا، أولاً فيأخذ الصينيتين الأوليتين باسم السلطان لأن السلطان يعتبر الإنكشاري رقم واحد، ويأخذ الجنود الصواني الباقية ولكل صينية نفران، يمررون خشبة مدهونة بلون أخضر من عروات الفوطة، ويحملون الصينية على أكتافهم، يسير رؤساء كل فوج في الأمام، وحاملي الصواني يمشون خلفهم، ويخرجون من الأبواب المفتوحة ويسيرون نحو الثكنات على شكل موكب.

وهذا العرض كان يسمى موكب البقلاوة، ويخرج سكان إسطنبول إلى الأسواق لمشاهدة موكب البقلاوة، ويظهرون حبهم للسلطان والجنود.

تسمية البقلاوة:
قيل إن زوجة سلطان عثماني تدعى بقلاوة وكانت طابخة ماهرة تجيد أصول الطهي، وحينما طلب منها زوجها السلطان أن تصنع له صنفًا جديدًا من الحلوى لم يعد قبل ذلك، فذهبت وأتت بالجلاش ووضعت بين طبقاته الحشو بأنواعه وأضافت السمن وأدخلته في الفرن ثم وضعت عليه العسل وعندما قدمته له أقر بأنه لم يتذوق مثله، وإكراما لزوجته الماهرة أطلق على هذا النوع من الحلوى اسمها، وانتشرت بعد ذلك هذه الحلوى في العديد من البلدان العربية باسم "بقلاوة".

وهناك رواية أخرى تشير إلى أن البقلاوة تعود لطباخة اسمها " لاوة" وكانت طابخة السلطان العثماني عبد الحميد، وهي من ابتدعت هذه الحلوى فأعجبت السلطان وقال لضيوفه "باق لاوة نه بايدي" بمعنى انظر ماذا صنعت لاوة.

إلا أن هناك رواية أخرى تقول إن سبب تسمية البقلاوة بهذا الاسم هي تسمية لغوية مشتقة من كلمة "بقوليات"، بسبب دخول الفول السوداني في إعدادها، وهناك من يقول إنها مشتقة من كلمة "بايلاو" من اللغة المنغولية والتي تعني الربط واللف.

البقلاوة يوناني؟
هناك رأي آخر يقول إن أول من صنع البقلاوة هم اليونانيين وقدموها كقرابين لآلهتهم في المعابد، وظهر في القرن الثالث الميلادي كتاب مأدبة الحكماء باليونانية، والذي يشر إلى وصفة كعكة "النهم"، وهي الحلوى التي مهدت الطرق للبقلاوة كما نعرفها الأن.

وقد أحدث أصل البقلاوة نزاع بين العديد من الدول، فكل بلد تنسبها لنفسها؛ ولا زال هناك خلاف بين اليونانيون والأتراك على أصل البقلاوة، ويزعم الإغريق أن الأتراك حصلوا على البقلاوة من بيزنطة التي لازالت تصنع حلوى الـ"koptoplakous" والتي هي أقرب ما يكون إلى البقلاوة في شكلها وطعمها.

وفي كثير من أنحاء اليونان يتم منح اسماء محليه لأنواع مختلفة من البقلاوة، كالماسوركى من جزيرة خيوس، و زورنداكى من جزيرة كريت، وسموساديس من مقاطعه لاكونيا، وبوركيا من جزيرة رودس أو بكلافو في جزيرة لسبوس، وأغلب هذه الأنواع تصنع من عجين الفيلو.

وغدًا حكاية طبق جديد....



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك