تحل اليوم 3 مايو ذكرى ميلاد المفكر والسياسي نيكولو مكيافيلي، والذي ولد في 3 مايو عام 1469 بفلورنسا، ورحل في 21 يونيو عام 1527 بفلورنسا أيضا.
ويعد مكيافيلي، أحد أهم المنظرين السياسيين في عصر النهضة بأوروبا، ويظل دائما مثيرا للجدل بنظرياته، ولكونه صاخب عبارة "الغاية تبرر الوسيلة"، وتعد أهم كتابات مكيافيلي هو كتابه الأشهر، وأحد أهم الكتب السياسية، وهو كتاب "الأمير".
كتاب الأمير هو رسالة بحثية في الفقه السياسي أعدها مكيافيلي عام 1513، أثناء تواجده في قرية سانتاندريا بركوسينا مبعدا إثر عودة عائلة ميديشي لاتهامه بالمشاركة في مؤامرة بيير باولو بوسكولي ضد الميديشيين.
أهدى مكيافيلي هذا العمل إلى لورينزو الثاني دي ميديشي بن بييرو الثاني دي ميديشي على أمل استعادة منصب أمين الجمهورية، وتم نشره سنة 1532 بعد وفاته بخمس سنوات، وهو بلا شك أكثر أعماله شهرة، واستحدث منه اسم «المكيافيلية» وصفة «المكيافيلي».
جاء أول ذكر لهذا العمل في الرسالة إلى فرانشيسكو فيتوري المؤرخة في 10 ديسمبر 1513، بعث بتلك الرسالة إلى صديقه فرانشيسكو فيتوري رداً على رسالةٍ من هذا الأخير روى فيها حياته في روما وطلب أنباءً عن الحياة التي أدت بمكيافيلي إلى سانتاندريا، رد الأخير راويا له الجوانب الخشنة في حياة الريف وتحدث أيضا عن دراساته، موضحا بأنه ألف كتيبا بعنوان "الأمير".
وهو عمل لا ينسب إلى نوع معين لأنه لا يملك خصائص البحث العلمي الفعلي والحقيقي، فافترضت طبيعة كتيب يأخذ الطابع الإعلامي التوعوي، ألف العمل ككل في النصف الثاني من سنة 1513 في ألبرغاتشو باستثناء الإهداء للورينزو دي ميديشي والفصل الأخير اللذان ألفا بعد سنوات قليلة، صدرت الطبعة الأولى سنة 1532، وكتاب "الأمير" يتكون من إهداء وستة والعشرين فصلا مختلفة الأحجام، ويحوي الفصل الأخير التماسا لآل ميديشي لقبول الموقف الذي أعرب عنه في النص.
وقد أصبح هذا الكتاب الصغير منذ ظهروه في القرن السادس عشر مثار جدال كبير، كما أصبح مادة ضرورية لدراسة علم السياسة في عصر النهضة وعلى الرغم من كل ذلك استمر الجدال الحاد، والخلاف الكبير حول الكتاب، وهو على الرغم من اشتماله على عدد كبير من المبادئ والمفاهيم السياسية الناضجة التي اعتنقها مكيافيللي، إلا أنه لا يشمل كل آرائه السياسية.
ومنذ ظهور الكتاب في طبعاته الأولى والخلاف يدور حول ما فيه من مضامين أخلاقية، وقد تطور هذا الخلاف إلى ما هو أبعد من مجرد تناول أغراضه العلمية وعلاقته بالمستقبل السياسي لعائلة مديشي، وقد اعتبره علماء الأخلاق وخاصة في بريطانيا وفرنسا كتابا مناسبا فقط للطغاة الأشرار.
العلاقة بين الفضيلة والقدر ومفهومهما الجديد
يتغير معنى كلمة الفضيلة لدى مكيافيلي، الفضيلة هي مجموعة الخبرات التي يحتاجها الأمير للتعامل مع القدر، أي الأحداث الخارجية، وبالتالي الفضيلة هي خليط من الطاقة والذكاء، فعلى الأمير أن يكون ذكيا وكذلك كفؤا وحيويا.
فضيلة الفرد والفرصة أي القدر يشتركان بالتبادل: "تبقى مهارات السياسي معطلة إن لم يجد فرصة الملائمة للإفصاح عنها، وبالعكس تبقى الفرصة معطلة لو أن السياسي الخلوق لم يجد استغلالها. غالبا ما تتمثل الفرصة بوضع سلبي بحاجة إلى محفز لفضيلة استثنائية".
كتب مكيافيلي في الفصلين السادس والسادس والعشرين أنه كان من الضروري استعباد اليهود في مصر القديمة، واكتساح الأثينيين لأتيكا، وإخضاع الفرس للميديين لانهم كانوا يستطيعون اللجوء إلى فضيلة زعماء عظام كموسى، أو ثيسيوس أو قوروش. يكمن أن تتكيف الفضيلة البشرية مع القدر من خلال القدرة على التنبؤ، والحسابات الدقيقة، وفي لحظات الهدوء لا بد أن يتوقع السياسي الماهر المستقبل معكوساً، ويتخذ ما يلزم تماماً كما يتم في بناء هوامش الأنهار لاحتواءها بالكامل.
مفهوم الدين في خدمة السياسة والعلاقة مع الكنيسة
صوّر مكيافيلي الدين بأنه «أداة ملكية»، أي وسيلة يمكن بها السيطرة على الشعب وتوحيده باسم العقيدة الوحيدة، فالدين في نظر مكيافيلي هو دين للدولة التي يجب أن تستغله لأغراض سياسية بحتة واعتبارية، وأداة يفرضها الأمير للحصول على موافقة الشعب العامة التي يؤمن الأمين الفلورنسي بأنها أساسية من أجل الوحدة ولبعد رؤية الإمارة نفسها.
كان الدين في روما القديمة الذي وحـّدت جميع آلهة البانثيون الرومي مصدر قوة ووحدة للجمهورية وللإمبراطورية في وقت لاحق، وعلى هذا المثال يركز مكيافيللي حديثه عن الدين، منتقدا بشدة الدين المسيحي والكنيسة التي على حد قوله كانت لعدة قرون سبب عدم قيام الوحدة الوطنية الإيطالية.
يفتح مكيافيلي الباب إلى اللا اكليروسية والنفور من الكنيسة، الأمر الواضح دون التباس في عدة نقاط من الكتاب، كما في انتقاده لجيرولامو سافونارولا. وو جاى في العراق
ردود الفعل
«حظر بلاط روما كتابه بصارمة :معه حق! فهو أكثر من رسمه بكفاءة» – جان جاك روسو العقد الاجتماعي
لطالما استشنعت أفكار مكيافيلي ومصطلح «المكيافيلية»، يرجع ذلك أساسا لعدم فهم طريقته، بيد أن النقاد لا يختلفون حول دقة أفكاره ووضوح أسلوبه، ويذكر مكيافيلي بكل تأكيد لتأسيسه أفكار السياسة الحديثة في أوروربا، حاصدا لشهرة قد تحاكيها في آسيا تلك لأولئك القدماء سون وو وكونفوشيوس.
ظل كتاب الأمير دائما ضمن قائمة الكتب المحرمة من قبل الكنيسة الكاثوليكية، يعود ذلك جزئيا لأنه فـَنـّد النظريات السياسية المسيحية كتلك للقديس أوغسطين وتوما الأكويني، ولكنه يرجع أساساً لإلغاء مكيافيلي لأي صلة بين الأخلاق والسياسة فبالنسبة له يجب على الأمير أن يحاول الظهور بمظهر الحليم والمتدين والنزيه والأخلاقي، ولكن في الواقع، إن واجبات الأمير لا تسمح له بامتلاك أي من هذه الفضائل.
تحدى كتاب الأمير الفلسفة المدرسية التابعة للكنيسة الكاثوليكية وأسهمت قراءته في تأسيس الفكر المتنور وبالتالي العالم الحديث، محتلاً بذلك مكانة فريدة بالثورة الفكرية في أوروبا. تـُذكر أشهر مقولاته على نطاق واسع حتى اليوم، وعادة في انتقاد الزعماء السياسيين:
"أن تكون مخشي الجانب أكثر أمنا بكثير من تكون محبوباً، ولكن ليس من المستحسن أن تكون مكروهاً ولا أن تتجاهل الفضيلة والعدل ما لم يهددا ملكك".
كانت أفكار مكيافيلي حول فضائل الأمير المثالية مصدر إلهام للفلسفة السياسية الحديثة، ووجدت أكثر التطبيقات المتباينة والمنحازة لا سيما في القرن العشرين.