على الرغم من افتقارهم إلى البنية التحتية العلمية اللازمة لتطوير برنامج أسلحة كيميائية متكامل، لا يزال بإمكان الحوثيين تجديد تهديدهم لحركة الملاحة في البحر الأحمر، وذلك حسبما ترى إميلي ميليكين المحللة المتخصصة في شؤون اليمن والخليج.
وقالت ميليكين في تحليل نشرته مجلة ناشونال إنتريست الأمريكية إن الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن تصدروا عناوين الأخبار منذ نوفمبر 2023، عندما شنوا هجوما كبيرا على حركة الملاحة البحرية الدولية في البحر الأحمر وعلى إسرائيل. ومع ذلك، ربما تشهد الجماعة تطورا آخر مثيرا للقلق.
وفي سبتمبر الماضي، اتهم وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني الحوثيين بتصنيع أسلحة كيميائية من مكونات مهربة من إيران. وزعم أن المتمردين لديهم "مختبرات سرية" حيث يقومون بإنتاج واختبار مواد سامة وكيميائية وبيولوجية كانوا يعتزمون تثبيتها في صواريخ باليستية وطائرات مسيرة.
وأشارت ميليكين إلى أن هذا الاتهام جاء في أعقاب تقارير صدرت قبل أسابيع أفادت بأن قوات الحكومة اليمنية ضبطت شحنة أسلحة وزنها 750 طنا من إيران، شملت أسلحة كيميائية وتقليدية حاولوا إظهار أنها مولدات ومحولات كهربائية ومضخات هواء وأعمدة هيدروليكية. وحتى الآن، لم تؤكد جهات دولية أو مصادر محايدة محتوى عملية الضبط والاستخدام المقصود للأسلحة الكيميائية.
وترى ميليكين أنه في حين أن الحوثيين أنفسهم لم يسبق لهم استخدام الأسلحة الكيميائية، فإن استخدامها في هجمات إرهابية قد حدث من قبل، خاصة في الشرق الأوسط. وبينما تم التركيز بشكل كبير على استخدام الحكومتين السورية والعراقية للأسلحة الكيميائية، فقد تمكنت حتى الجماعات الفاعلة غير الحكومية في المنطقة من تطوير ونشر هذا النوع من الحرب في الماضي. وقد استخدم تنظيم (داعش) هذا النوع من الأسلحة، حيث حقق التنظيم قفزة كبيرة في عام 2015 عندما قام بتسليح نظام إطلاق مقذوفات بمواد كيميائية حربية.
وقالت ميليكين إن جماعة الحوثيين ستحتاج إلى بناء برنامجها للأسلحة الكيميائية حول عاملين في غاية الأهمية وهما الخبرة الفنية وتوافر المكونات. ونظرا لسهولة اختراق حدود اليمن وشبكات التهريب الواسعة واستعداد إيران الواضح لتوفير قدرات غير تقليدية، فإن الطريق الأكثر ترجيحا للحوثيين للحصول على المكونات هو الحصول على كميات كبيرة من المواد الكيميائية الأولية مزدوجة الاستخدام (وهي عبارة عن مواد كيميائية صناعية أو زراعية شائعة يمكن إعادة استخدامها لإنتاج مواد سامة) أو ذخائر سامة جاهزة من موردين خارجيين.
وتوقعت ميليكين ان تقوم الجماعة على الأرجح بتوفيق تقنياتها الحالية، مثل الطائرات المسيرة والصواريخ، لحمل المكونات الكيميائية السامة. وبينما يتطلب ذلك التغلب على عقبات فنية ولوجستية وأخرى تتعلق بالسلامة، يمكن تذليل هذه العقبات بشكل كبير من خلال موردين خارجيين، والمساعدة الفنية والبنية التحتية الحالية لدى الجماعية لتوصيل تلك المواد.
وأشارت إلى أن تنفيذ استراتيجية واسعة النطاق للأسلحة الكيميائية، تشمل استراتيجية قد تستمر في تعطيل حركة الملاحة البحرية، هو أمر لا يمكن للحوثيين تحقيقه بين عشية وضحاها؛ إذ أن إنتاج المواد السامة وتثبيتها وتوزيعها بفعالية هو عمل يتطلب جهدا فنيا كبيرا وينطوي على مخاطر بالنسبة للمستخدم. وبالنظر إلى الأمثلة السابقة، لم يتمكن تنظيم داعش من تطوير قدرات الأسلحة الكيميائية إلا بعد أن أنشأ خلافته في عام 2014، وهو ما سمح له بالوصول إلى معدات المختبرات والمختبرات الآمنة والمواد الكيميائية الأولية.
وفي حين يمتلك الحوثيون قاعدة إقليمية مؤكدة تمكنهم من إنشاء هذه المختبرات، لم تمتلك الحكومة اليمنية على الإطلاق القاعدة الصناعية أو البنية التحتية العلمية التي تمكن الجماعة من الاستفادة منها. ومع ذلك، فإن إيران، التي لديها تاريخ من إرسال مدربين فنيين إلى الحوثيين، بدأت في تطوير برنامج أسلحة كيميائية منذ عقود خلال الحرب الإيرانية العراقية.
وترى ميليكين أنه في ظل إدراك هذه التحديات، من المرجح أن تتسم أولى غزوات الحوثيين باستخدام الحرب الكيميائية بهجمات محدودة النطاق تستخدم آليات توصيل بدائية مثل عبوات مواد كيميائية أو عبوات ناسفة مزروعة على جانب الطريق أو منقولة بحرا أو باستخدام مركبات. لكن هذه الهجمات المحدودة لا تزال تحدث تأثيرا هائلا، حتى أن إطلاقا محدودا للمواد الكيميائية الصناعية السامة أو المواد يدوية الصنع - وهي مواد غالبا ما يتم الاتجار فيها بشكل مشروع للاستخدامات الزراعية أو الصناعية أو الطبية - قد يسبب ذعرا وإصابات بين المدنيين. بالإضافة إلى ذلك، فإن استعداد الجماعة لضرب حركة الشحن التجاري والبنية التحتية للموانئ قد يضيف بعدا خطيرا.
وأشارت ميليكين إلى أن استخدام حتى سلاح كيميائي بدائي على متن سفينة تجارية أو ميناء- وهي مواقع مزدحمة ويصعب تأمينها وتعمل غالبا بموجب قواعد الاشتباك التجارية - قد يشكل مخاطر على الطاقم وعمال الموانئ، كما سيتسبب في إغلاقات مطولة وعمليات إجلاء جماعية وعمليات إنقاذ وتطهير متعددة الأطراف. وقد يؤدي كل هذا إلى ارتفاع تكاليف التأمين وإعادة توجيه ممرات الشحن وتعطيل تدفقات المساعدات وإغلاق مؤقت لنقاط الاختناق، الأمر الذي يسبب اضطرابات دائمة في سلاسل التوريد العالمية. كما أن تحديد المسؤولية في البحر هو أمر أكثر صعوبة، مما يعقد الردع والاستجابة الدبلوماسية السريعة.
وفي إطار الرد على ما يشاع عن تطوير الحوثيين للأسلحة الكيميائية، ينبغي على المجتمع الدولي الضغط على الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية للتحقيق في مثل هذه المزاعم، واستخدام الضغط الدبلوماسي للضغط من أجل زيادة مساءلة الحوثيين.
وبشكل متزامن، تحتاج الولايات المتحدة والقوات البحرية المتحالفة معها التي تنشط في المنطقة إلى تعزيز حظر شحنات الأسلحة المشتبه بها من خلال دوريات بحرية منسقة وعمليات تفتيش للموانئ، وتوسيع نطاق تبادل المعلومات الاستخبارية بين الدول ومشغلي الشركات التجارية، وزيادة الحراسة البحرية ومراقبة القوافل المعرضة للخطر. كما ينبغي عليهم إعطاء الأولوية لتوسيع نطاق الاستعداد الطبي في اليمن والدول المجاورة وتخزين معدات الوقاية المناسبة والتدابير المضادة وتدريب المستجيبين الأوائل والأطقم البحرية على إدارة الحوادث الكيميائية.
واختتمت ميليكين تحليلها بالقول إن إمكانية تحرك الحوثيين نحو امتلاك قدرات كيميائية - والخطر الإضافي الذي تشكله هذه القدرات على التجارة البحرية وسكان المناطق الساحلية - تمثل إشارة تحذيرية تستحق اهتماما عاجلا ومركزا. سيكون الطريق من امتلاك مكونات ثنائية الاستخدام مهربة إلى شن حرب كيميائية فعالة طريقا صعبا، ولكن حتى الحوادث المحدودة قد تكون لها آثار مدمرة على سكان اليمن الضعفاء وحلفاء الولايات المتحدة الإقليميين والشحن الدولي.