في مثل هذا اليوم من عام 1187، دوّت صرخات النصر فوق تلال "حطين"، حيث حقق السلطان صلاح الدين الأيوبي انتصارًا مفصليًا غيّر مجرى التاريخ. معركة لم تكن مجرد مواجهة عسكرية، بل تجسيدًا لتحول استراتيجي من التشتت إلى الوحدة، مهّد لتحرير القدس بعد قرن من الاحتلال الصليبي.
- من الانقسام إلى الاصطفاف خلف راية واحدة
قبل معركة حطين، كانت الساحة الإسلامية تعاني من تشتت سياسي وتنازع داخلي، إذ تفرقت الإمارات بين مصر والشام والعراق بلا قيادة موحدة.
لكن صعود الدولة الزنكية بقيادة عماد الدين زنكي، ثم نجله نور الدين، وضع اللبنة الأولى لمشروع مواجهة الاحتلال الصليبي. جاء صلاح الدين الأيوبي ليكمل هذه المسيرة، فوحد مصر والشام وأعاد ترتيب الصفوف استعدادًا لتحرير القدس.
- غدر الصليبيين يفجّر الغضب الإسلامي
رغم عقد الهدن مع الصليبيين، تعمّد أمير الكرك الصليبي أرناط انتهاك المعاهدة بمهاجمة قافلة حجاج. رفض التراجع أو الاعتذار، مما دفع صلاح الدين للأداء بقسمٍ شهير بأن يقتل أرناط، ويبدأ التحرك العسكري الكبير الذي أسفر عن تعبئة جيش ضخم انطلق من مصر نحو الشام، ليصل إلى قلب فلسطين استعدادًا للمعركة الكبرى.
- خطة محكمة لاستنزاف جيش الصليبيين
بدل المواجهة المباشرة، اختار صلاح الدين استدراج الصليبيين لخوض المعركة في موقع يختاره هو. استدرجهم من صفورية عبر محاصرة طبرية، ما دفعهم للخروج رغم تحذيرات بعض قادتهم. وفي الطريق، واجهوا حرب استنزاف قاسية شملت كمائن وسهام متواصلة، وعطش قاتل بسبب قطع خطوط الماء.
- ميدان حطين: السهام والدخان يربكان الجيوش الصليبية
مع وصول الجيش الصليبي المُنهك إلى حطين، كانت خطة صلاح الدين قد اكتملت: فرق متحركة، طعام وماء متوفر، وبيئة مشتعلة بدخان الأشجار المحروقة. تقهقرت صفوف الإفرنج، وتشتت جنودهم على التلال بحثًا عن الماء، ليسقط المشاة أولًا ثم يُحاصر الفرسان في هجوم خاطف أنهى المعركة بانتصار ساحق.
- نهاية أرناط وبدء عصر جديد
وفى صلاح الدين بقسمه، فقتل أرناط في خيمته بعد أن ذكّره بجرائمه ضد الحجاج والمسلمين. أما قائد الصليبيين غي ديلويزيان، فوقع أسيرًا ليعلن بذلك نهاية الحملة الصليبية الثانية، وبداية انحدار السيطرة الصليبية في الشرق.
- ما بعد حطين: الطريق إلى القدس محررة
لم ينتظر صلاح الدين كثيرًا، فاستثمر زخم الانتصار لمهاجمة المدن الساحلية واحدة تلو الأخرى.
وبعد أقل من ثلاثة أشهر من معركة حطين، دخل القدس فاتحًا. ومثلما كان صارمًا في المعركة، كان رحيمًا في النصر؛ أطلق سراح العديد من الأسرى وتكفل بالفدية عن الفقراء، لتُكتب نهاية قرن من الاحتلال، وتُفتح صفحة جديدة من الكرامة الإسلامية.
موقعة حطين لم تكن فقط نصرًا عسكريًا، بل نموذجًا فريدًا في قيادة الشعوب وتوحيد الصفوف وتحقيق الأهداف الكبرى. ذكرى تستحق أن تُروى للأجيال، لا كحكاية بطولية فحسب، بل كدرس عملي في استثمار الغضب المشروع وتحويله إلى مشروع تحريري ناجح.