مدونة الذكاء الاصطناعي الأوروبية الجديدة بين الانتقادات ودورها المرتقب في الحوكمة العالمية - بوابة الشروق
الخميس 7 أغسطس 2025 2:00 م القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تتوقع النجاح لنظام الدوري المصري الجديد في ظل مشاركة 21 فريقًا؟

مدونة الذكاء الاصطناعي الأوروبية الجديدة بين الانتقادات ودورها المرتقب في الحوكمة العالمية

لندن - د ب أ
نشر في: الخميس 7 أغسطس 2025 - 9:34 ص | آخر تحديث: الخميس 7 أغسطس 2025 - 9:34 ص

في ظل التسارع الكبير لتطور تقنيات الذكاء الاصطناعي وتأثيرها المتزايد على المجتمعات والاقتصادات، تسعى الحكومات والهيئات التنظيمية حول العالم إلى وضع أطر قانونية وأخلاقية تضمن الاستخدام المسؤول والآمن لهذه التقنيات.

وتقول الباحثة إيزابيلا ويلكنسون في تقرير نشره المعهد الملكي للشؤون الدولية البريطاني (تشاتام هاوس) إن قانون الذكاء الاصطناعي الأوروبي يعد الإطار القانوني الأكثر شمولا في العالم لتنظيم الذكاء الاصطناعي. وبدأت قواعده المتعلقة بنماذج الذكاء الاصطناعي ذات الأغراض العامة تدخل حيز التنفيذ هذا الشهر.

وتضيف أن هذا القانون يعد معقدا، ويتضمن التزامات صارمة على الشركات التي تقدم أنظمة ذكاء اصطناعي تُستخدم داخل الاتحاد الأوروبي، مثل شركتي "أوبن إيه آي" "وديب مايند" ولمساعدة هذه الشركات على الامتثال للمتطلبات القانونية، ألزم القانون بوضع مدونة ممارسات خاصة بنماذج "جي بي إيه آي".

وتعد هذه المدونة وثيقة توجيهية، فهي عبارة عن مجموعة من الإرشادات غير الملزمة قانونيا، تهدف إلى مساعدة الشركات في إثبات التزامها في مجالات مثل الشفافية وحقوق النشر والسلامة. ومن الجدير بالذكر أن مقدمي نماذج "جي بي إيه آي" الذين يختارون عدم التوقيع على المدونة يظلون ملزمين بالامتثال لمتطلبات قانون الذكاء الاصطناعي، لكن يُسمح لهم بالإبلاغ عن كيفية التزامهم بالقانون بطرق أخرى مختلفة.

وبعد عملية استغرقت قرابة عام وشهدت مشاركة العديد من أصحاب المصلحة تحت تنسيق علماء وباحثين عالميين بارزين في مجال الذكاء الاصطناعي، نُشرت المدونة أخيرا في أوائل يوليو. وقد أثارت عملية إعدادها الكثير من الجدل والانتقادات.

ورغم ذلك، يُمكن أن يكون المدونة دور محوري في تشكيل وتوجيه منظومة الحوكمة العالمية الفعالة للذكاء الاصطناعي، لا سيما تلك المتعلقة بنماذج "جي بي إيه آي" التي تنطوي على مخاطر نظامية.

وشابت عملية إعداد قانون الذكاء الاصطناعي الأوروبي خلافات ونزاعات مستمرة. كما أثارت عملية صياغة المدونة المصاحبة للقانون جدلا واسعا، إذ أعادت إلى الواجهة نقاشات قديمة داخل الاتحاد الأوروبي حول الشفافية وحقوق النشر، وعمّقت في الوقت ذاته قضايا حديثة تتعلق بتأثير شركات التكنولوجيا الكبرى.

وتتعلق بعض الخلافات بطريقة إعداد المدونة. فقد اتهمت جهات من المجتمع المدني القائمين على صياغة المدونة ومكتب الذكاء الاصطناعي في الاتحاد الأوروبي بمنح شركات التكنولوجيا الأمريكية امتيازات خاصة في الوصول والتأثير. وفي المقابل، رحب البعض الآخر بشمولية العملية، لكنه اعتبر أن سرعة الصياغة والمعرفة التقنية المطلوبة لمتابعتها شكلتا حاجزين يحولان دون مشاركة أوسع.

أما محتوى المدونة نفسها، فقد أثار أيضا انقسامات. على سبيل المثال، كانت مسألة الشفافية محورا رئيسيا للخلاف. إذ طالبت مجموعات من المجتمع المدني وأكاديميون بأن تدفع المدونة نحو قدر أكبر من الشفافية في كيفية عمل نماذج الذكاء الاصطناعي تقنيا، وكذلك في كيفية توصيل هذه المعلومات إلى الجمهور. بينما رأى آخرون أن مسودة المدونة تُضعف الحماية الممنوحة للحقوق الأساسية لمستخدمي هذه الأنظمة.

وعلى الرغم من وجود بعض الانقسامات داخل القطاع الصناعي الأوروبي، فإن الرسالة العامة كانت واضحة وهي أن قانون الذكاء الاصطناعي ومدونته يتجاوزان الحدود. ففي أوائل يوليو، دعا رؤساء كبرى الشركات الأوروبية إلى وقف تنفيذ القانون والمدونة لمدة عامين، مشيرين إلى مخاوف بشأن تعقيد القانون وتأثيره السلبي على القدرة التنافسية للاقتصاد الأوروبي.

وعبّرت شركات من خارج الاتحاد الأوروبي أيضا عن مجموعة من المخاوف بشأن قواعد الاتحاد الخاصة بالذكاء الاصطناعي. فقد تعهّد رئيس الشؤون القانونية في شركة جوجل، كينت ووكر، بالتوقيع على المدونة، لكنه أشار إلى أنها قد تؤدي إلى "إبطاء تطوير ونشر الذكاء الاصطناعي في أوروبا".

أما شركات كبرى أخرى مثل "أنثروبيك" و"أوبن إيه آي" فقد وقعت على المدونة. في المقابل، لم تكن شركة "ميتا" قد وقعت عليها حتى لحظة إعداد هذا التقرير. وقد صرح مدير الشؤون العالمية في "ميتا"، جويل كابلان، مؤخرا بأن "المبالغة في نصوص المدونة سيخنق تطوير ونشر نماذج الذكاء الاصطناعي المتقدمة في أوروبا".

وقد تبنى بعض صناع السياسات المؤثرين هذه الانتقادات. ففي تقرير بارز صدر العام الماضي عن الاتحاد الأوروبي أعده ماريو دراجي، ورد أن العقبات التنظيمية "المرهقة" التي تعوق الابتكار في قطاع التكنولوجيا، ومن بينها قانون الذكاء الاصطناعي، تضعف القدرة التنافسية للاتحاد الأوروبي. ويطالب دراجي وعدد من صناع السياسات الآخرين بتبسيط الأطر التنظيمية، ليس فقط في مجال الذكاء الاصطناعي، باعتباره وسيلة لتعزيز التنافسية الأوروبية.

وترتبط النقاشات حول تعزيز التنافسية ارتباطا وثيقا بالحديث عن تعزيز السيادة الأوروبية على البنية التحتية التكنولوجية، وخلق بدائل حقيقية للذكاء الاصطناعي القادم من الولايات المتحدة والصين. وأصبح هذا الموضوع أكثر بروزا في الأشهر الأخيرة، مع اتخاذ دول مثل المملكة المتحدة موقفا رافضا للتسرع في تنظيم الذكاء الاصطناعي، ومع التزام إدارة ترمب الجديدة في الولايات المتحدة بخطة عمل تهدف إلى إزالة الحواجز التنظيمية.

وفي الواقع، فإن الإدارة الأمريكية الحالية تعارض بشدة النهج الذي تتبعه بروكسل. فقد وجه نائب الرئيس الأمريكي، جيه دي فانس، انتقادات حادة للتنظيمات الأوروبية خلال قمة للذكاء الاصطناعي في باريس في فبراير الماضي، قائلا: "نحن بحاجة إلى نظام تنظيمي دولي يدعم تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي بدلا من خنقها."

وتقول ويلكنسون إن اتفاق التجارة الأخير بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة يبدو أنه زاد من حالة الغموض، بعدما لم يستبعد وزير التجارة الأمريكي إجراء مزيد من المحادثات بشأن ما وصفته بـ "هجوم الاتحاد الأوروبي على شركاتنا التكنولوجية".

وأثارت "مدونة الممارسات" جدلا واسعا، وتأتي في وقت تتجه فيه الحكومات عالميا بعيدا عن التنظيمات الصارمة نحو أطر أكثر مرونة.

ورغم الجدل المثار حولها، من المرجح أن يكون للمدونة تأثير عالمي. فكثيرا ما يُحتذى بعناصر من تشريعات وتوجيهات الاتحاد الأوروبي في بلدان أخرى، رغم أن مدى حدوث ذلك في مجال الذكاء الاصطناعي لا يزال موضع نقاش حاد.

وقد يكون للمدونة دور حيوي في تشكيل وتوجيه الحوكمة العالمية الفعالة للذكاء الاصطناعي.

وحققت المدونة هدفين رئيسيين: أولا، أوضحت الالتزامات الواردة في أكثر تشريعات الذكاء الاصطناعي شمولا في العالم.

وثانيا، من خلال ذلك، زود واضعو المدونة لصانعي القرار في المستقبل دليلا عمليا لصنع قرارات ديمقراطية بشأن الذكاء الاصطناعي. فالعملية الشفافة والشاملة التي أنتجت المدونة توفر للعالم دروسا مستفادة، سواء في شكل تحذيرات من المزالق أو كنماذج للممارسات المثلى.

وتخضع حوكمة التكنولوجيا لتطور دائم، وستشهد المدونة بدورها نسخا مستقبلية جديدة. ويفتح هذا فرصة لبروكسل لتعزيز مصداقيتها وشرعيتها، والاستفادة من الروابط الاستراتيجية مع الأبحاث المتقدمة، وربط جهود الحوكمة الأخرى حول العالم.

وتقول ويلكنسون إنه ينبغي على بروكسل، وتحديدا مكتب الذكاء الاصطناعي التابع لها، وكذلك الهيئات التنظيمية الوطنية العاملة في مجال الذكاء الاصطناعي، أن تتخذ خطوات ملموسة لترسيخ نفسها كمركز تميز لصناعة حوكمة ذكاء اصطناعي ديمقراطية، قابلة للتطور، وخاضعة للمساءلة.

وترى أن توثيق النجاحات والإخفاقات في تصميم المدونة من شأنه أن يضمن كونها وثيقة حية قابلة للتعديل، مما يعزز بدوره قدرات الهيئات التنظيمية في أماكن أخرى من العالم. ولتحقيق ذلك، لابد أن يضمن مكتب الذكاء الاصطناعي في الاتحاد الأوروبي إمكانية استفادة المنظمين في دول أخرى من الدروس المستخلصة من تصميم المدونة، وبناء التماسك عند الحاجة، سواء اختاروا تنظيما صارما وشاملا أو نهجا أكثر مرونة.

وتضيف أنه يمكن الاستفادة من نماذج قائمة حاليا، مثل المنتديات المستقلة والدولية القائمة على التنسيق بين الهيئات التنظيمية وتعزيز القدرات في مجال السلامة الرقمية. إذ يمكن أن تقدم هذه النماذج إطارا يحتذى به، إلى جانب تطوير أدوات استشرافية للقضايا القانونية الجديدة والمعقدة التي قد تظهر مستقبلا.

كما ينبغي على مكتب الاتحاد الأوروبي للذكاء الاصطناعي أن ينشر نتائج تطوير المدونة بشكل نشط ضمن شبكة المعاهد الدولية المعنية بسلامة الذكاء الاصطناعي، وغيرها من الهيئات الدولية، مثل منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، التي تتولى حاليا الإشراف على إطار التقارير الطوعية لمزودي نماذج الذكاء الاصطناعي ضمن عملية هيروشيما جي 7. وقد يُسهم هذا في تعزيز الاتساق حول المبادئ الأساسية الخاصة بالحوكمة الشفافة المبنية على مشاركة أصحاب المصلحة.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك