أول عربي يفوز بالمنصب.. احتفاء شعبي وعالمي بالفوز المرتقب لعالم المصريات الدكتور خالد العناني مديرًا عامًا لمنظمة اليونسكو
بداية فصل جديد في تاريخ اليونسكو .. وتحديات في المرحلة المقبلة بسبب انسحاب الولايات المتحدة دعمًا لإسرائيل
عمت أجواء الفخر والفرح في الأوساط المصرية عقب الإعلان عن الفوز المرتقب لعالم المصريات الأستاذ الدكتور ، خالد العناني ، بمنصب مدير عام منظمة اليونسكو، الذي حصل على 55 من أصل 57 صوت خلال ترشحه من قِبَل المجلس التنفيذي لليونسكو لتولي منصب المدير العام للمنظمة المرموقة.
ون المقرر أن تقوم جميع الدول الأعضاء في اليونسكو بالتصويت على القرار في السادس من شهر نوفمبر المقبل خلال المؤتمر العام للمنظمة المزمع عقده في مدينة سمرقند بأوزبكستان.
ويعد الدكتور "العناني" من أبرز علماء الآثار المصريين، وهو يشغل منصب أستاذ علم المصريات في جامعة حلوان، حيث يقوم بالتدريس هناك منذ أكثر من 30 عامًا، وقد شغل منصب نائب عميد كلية السياحة والفنادق، ومدير مركز التعلم المفتوح، ورئيس قسم المرشدين السياحيين، كما يحمل درجة الدكتوراه في علم المصريات من جامعة بول فاليري مونبلييه الفرنسية، حيث عمل هناك أستاذًا زائرًا في عدة مناسبات.
وقد شغل "العناني" - على مدار تاريخه المهني الطويل الحافل بالإنجازات - عدة مناصب مرموقة؛ ومن بينها مدير المتحف القومي للحضارة المصرية في الفترة ما بين عاميّ 2014 و2016، ومدير المتحف المصري بالقاهرة ما بين عاميّ 2015 و2016، كما شغل منصب وزير الآثار، ثم وزير السياحة والآثار في جمهورية مصر العربية ما بين عاميّ 2016 و 2022، وفقًا للموقع الرسمي لمنظمة اليونسكو.
كما يعد "العناني" عضوًا عاملًا في عدة جمعيات علمية دولية، وتم تعيينه سفيرًا خاصًا للسياحة الثقافية من قِبَل منظمة السياحة العالمية في نوفمبر من العام 2024، ومؤخرًا راعيًا لصندوق التراث العالمي الأفريقي، وهو حاصل على عدة أوسمة دولية.
ومن المتوقع أن يتسلم "العناني" رسميًا المنصب خلفًا للمديرة الحالية للمنظمة، وهي السياسية الفرنسية من أصول مغربية، أودري أزولاي، والتي أنهت فترة ولايتها بعد إكمال الحد الأقصى لفترتين مدة كل منهما أربع سنوات، وذلك بمجرد انتخابه من قِبَل المؤتمر العام في منتصف نوفمبر المقبل، ليصبح بذلك أول مدير عام لليونسكو من دولة عربية، وثاني مدير عام من دولة أفريقية بعد السنغالي، أمادو مختار مبو، الذي شغل المنصب في الفترة ما بين 1974 و1987، نقلًا عن شبكة "فرانس 24" الإخبارية.
وأفادت رئيسة المجلس، فيرا لاكويله، بأن الولايات المتحدة لم تشارك في التصويت، بعد أن أعلنت انسحابها من المنظمة، وقد برز "العناني" كمرشح قوي لتولي منصب مدير عام المنظمة خلال المنافسة الشرسة مع الدبلوماسي المتخصص في الشؤون الإفريقية والعلاقات الدولية، فيرمين إدوارد ماتوكو، من جمهورية الكونغو، والذي يشغل حاليًا منصب مساعد المديرة العامة لمنظة اليونسكو لشؤون إفريقيا والعلاقات الخارجية، والذي أفاد بأنه زار 65 دولة والتقى بـ400 شخص على مدار 30 شهرًا ضمن حملته الانتخابية منذ إعلان ترشحه قبل أكثر من عامين.
وقد تمكن "العناني"- البالغ من العمر 54 عامًا - من التفوق على منافسه، إدوارد فيرمين ماتوكو؛ حيث صوّت مجلس اليونسكو- الذي يمثل 58 من أصل 194 دولة من الأعضاء- بالإجماع لصالح "العناني" الذي حصل على 55 صوتًا، بينما حصل "ماتوكو" على صوتين فقط.
وكشفت وكالة الثقافة التابعة للأمم المتحدة أنه قد وقع الاختيار على وزير السياحة والآثار المصري السابق، خالد العناني، من أجل أن يتولى مسؤولية إعادة تعزيز مكانة اليونسكو عالميًا، وقد سبق وأن قال وزير الخارجية المصري ، بدر عبد العاطي، في باريس الأسبوع الماضي: "كيف لدولة مثل مصر، بتاريخها الطويل وطبقات حضارتها الفرعونية واليونانية والرومانية والقبطية والعربية والإسلامية، ألا تتولى قيادة هذه المنظمة المهمة؟ هذا أمر غير مقبول على الإطلاق."
وسيتسلم "العناني" مقاليد الإدارة في فترة صعبة للمنظمة، وذلك بعد إعلان الولايات المتحدة في يونيو الماضي انسحابها من اليونسكو، مبررة ذلك بالتحيّز ضد إسرائيل وترويج المنظمة لقضايا "مثيرة للشقاق"، وسيؤثر هذا الانسحاب، المقرر أن يسري في نهاية 2026، بشكل كبير على ميزانية الوكالة، حيث تسهم واشنطن بنسبة 8% من إجمالي التمويل، وأشار "العناني" إلى أنه سيسعى لإعادة الولايات المتحدة للانضمام إلى المنظمة.
ووصف البيت الأبيض اليونسكو بأنها تدعم "قضايا ثقافية واجتماعية مثيرة للجدل ومحرضة على الانقسامات" عندما قرر "ترامب" سحب الولايات المتحدة من المنظمة، مكررًا خطوة كان قد اتخذها في فترته الأولى، والتي عكسها لاحقًا الرئيس الأسبق، جو بايدن ، نقلًا عن وكالة "رويترز" الإخبارية.
وقد أعلنت جمهورية نيكاراجوا شهر مايو الماضي انسحابها أيضًا من منظمة اليونسكو، اعتراضًا على منح المنظمة جائزتها السنوية للصحافة لصحيفة نيكاراجوية عريقة، كان موظفوها قد اضطروا في السابق إلى مغادرة البلاد والنفي بسبب تعرضهم لبعض الضغوط والتهديدات.
يذكر أن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (والتي تُعرف باليونسكو) تأسست بعد الحرب العالمية الثانية لتعزيز نشر السلام والأمن العالمي من خلال التعاون متعدد الأطراف في مجالات التعليم والعلوم والثقافة والاتصال والمعلومات، ويقع مقرها في باريس، ولها مكاتب في 54 دولة، ويعمل بها أكثر من 2300 شخص.
كما تشرف اليونسكو على تصنيف وحماية أكثر من 2000 موقع تراث عالمي، ومحميات المحيط الحيوي، والجيوبارك العالمية - وهي بعض المناطق الجغرافية التي تتميز بأهمية جيولوجية كبيرة، مثل الصخور النادرة، والأحافير، والبراكين، أو التشكيلات الأرضية المميزة - وشبكات المدن المبدعة والتعلمية والشاملة والمستدامة، بالإضافة إلى أكثر من 13 ألف مدرسة وجامعة ومؤسسة تدريب وبحثية مرتبطة بها.
وتمحور الهدف الأولي لإنشاء منظمة اليونسكو حول إعادة بناء المدارس والمكتبات والمتاحف التي دُمّرت في أوروبا خلال الحرب العالمية الثانية، ومنذ ذلك الحين، كانت أنشطة الوكالة في الغالب تسهيلية، تهدف إلى مساعدة ودعم واستكمال جهود الدول الأعضاء للقضاء على الأمية وتوسيع نطاق التعليم المجاني، كما تسعى اليونسكو إلى تشجيع التبادل الحر للأفكار والمعرفة من خلال تنظيم المؤتمرات وتوفير خدمات مركزية للتبادل والمعلومات.
ومع انضمام العديد من الدول الأقل تطورًا إلى الأمم المتحدة بدءًا من خمسينيات القرن الماضي، بدأت اليونسكو تخصيص المزيد من الموارد لمشاكل هذه الدول، والتي شملت الفقر، وارتفاع معدلات الأمية، والتخلف التنموي، وقد تعرضت اليونسكو في ثمانينيات القرن الماضي لانتقادات حادة من الولايات المتحدة ودول أخرى بسبب ما اعتُبر نهجًا معاديًا للغرب في القضايا الثقافية، وبسبب التوسع المستمر في ميزانيتها.
وقد دفعت هذه القضايا الولايات المتحدة إلى الانسحاب من المنظمة في عام 1984، تلاها انسحاب المملكة المتحدة وسنغافورة بعد ذلك بعام، وبعد فوز حزب العمال البريطاني بالانتخابات في 1997، عادت المملكة المتحدة إلى اليونسكو، وتبعتها الولايات المتحدة وسنغافورة في 2003 و2007 على التوالي، وفي 2011، وافقت اليونسكو على منحو العضوية الكاملة لدولة فلسطين.
وقد أعلنت الولايات المتحدة في أعقاب ذلك التصويت أنها لن تدفع رسومها للمنظمة بسبب تشريع من الكونغرس يمنع تمويل أي وكالة تابعة للأمم المتحدة تقبل فلسطين كعضو كامل، وبسبب عدم دفع رسومها، فقدت الولايات المتحدة حق التصويت في اليونسكو عام 2013، ثم أعلن المسؤولون الأمريكيون عام 2017 أن الولايات المتحدة ستغادر اليونسكو مرة أخرى في نهاية 2018، بينما انسحبت إسرائيل من المنظمة في الوقت نفسه، مستندين إلى إدعاءات "التحيز ضد إسرائيل" و"حجم المتأخرات الأمريكية الغير عادل" كما وصفوه، نقلًا عن الموقع الرسمي للموسوعة البريطانية (بريتانيكا).
وتشارك اليونسكو أيضًا - إلى جانب دعمها للبرامج التعليمية والعلمية- في جهود حماية البيئة الطبيعية والتراث الثقافي المشترك للبشرية؛ على سبيل المثال، قد ساعدت اليونسكو في الستينيات من القرن الماضي في رعاية الجهود لحماية الآثار المصرية القديمة من مياه سد أسوان العالي، كما قامت برعاية اتفاقية دولية لإنشاء قائمة التراث العالمي للمواقع الثقافية والمناطق الطبيعية التي تحظى بحماية حكومية عام 1972، وفي الثمانينيات من القرن الماضي، اقترحت دراسة مثيرة للجدل أعدتها لجنة اليونسكو الدولية لدراسة مشاكل الاتصال، برئاسة السياسي الإيرلندي والحائز على جائزة نوبل للسلام، شون ماكبرايد، لإنشاء نظام معلومات واتصال عالمي جديد يعامل الاتصال وحرية المعلومات كحقوق أساسية للإنسان، ويسعى للقضاء على الفجوة في قدرات الاتصال بين الدول النامية والمتقدمة.