- الأحزاب الليبرالية تزاحم اليسارية فى الدفاع عن العدالة الاجتماعية.. والتحالف الشعبى والمصرى الديمقراطى «بتوع الديمقراطية»
- عبدالمجيد: أحزاب ديكورية لن تتحدث عن الحريات.. نافعة: موت السياسة يفرز برامج متشابهة
على الرغم من اختلاف توجهات الأحزاب السياسية المتنافسة فى الانتخابات البرلمانية، إلا أن البرامج الانتخابية لكل منهم بدت متشابهة إلى حد كبير، وهو ما كشفته قراءة «الشروق» فى البرامج الانتخابية التى أعلنتها الأحزاب، مع بدء السباق الانتخابى.
باستعراض نماذج العديد من البرامج المطروحة، نجد أن ملف العدالة الاجتماعية من أكثر الملفات التى شغلت حيزا كبيرا فى مساحة العرض والدعاية، إذ اعتمدت الأحزاب بشكل كبير على تصدير هذا الملف فى الواجهة، وهو ما ترجمته الشعارات نفسها مثل «هنهزم الفقر»، «الإنسان قبل الأرباح»، «عيش حرية عدالة اجتماعية».
على سبيل المثال، حزب المصريين الأحرار، الذى أسسه رجل الأعمال نجيب ساويرس بعد ثورة 25 يناير، يخوض الانتخابات البرلمانية تحت شعار «الفقر هنهزمه» حيث خصص برنامجه الانتخابى لمكافحة الفقر فى مصر على غرار النموذج البرازيلى، من خلال سلسة تشريعات تهدف لوصول الدعم الحكومى إلى مستحقيه عن طريق اعتماد سياسات ضربية جديدة.
أما حزب المحافظين، الذى يرأسه المهندس أكمل قرطام، كان من الأحزاب التى بلورت برنامجها الانتخابى حول مطلب العدالة الاجتماعية، إذ تبنى الحزب فى حملته الانتخابية شعارات التكافل الاجتماعى، ومواجهة البطالة والقضاء على الفقر والعشوائيات.
وقدم البرنامج حلولا فى هذا الملف، كان منها إنشاء الصندوق الاجتماعى، وعودة البنوك التخصصية إلى سابق عهدها.
كما أعلن حزب الوفد، أقدم الاحزاب الليبرالية فى مصر، أن برنامجه الانتخابى يركز على رفع مستوى المعيشة ومواجهة مشكلة الفقر والأمية، وأخرى لتطوير الصناعات الصغيرة والأنشطة الخدمية الخاصة بكل قرية.
وإذا كانت قضية العدالة الاجتماعية هى القضية المحورية فى برامج الاحزاب الليبرالية مقابل التراجع عن قضايا الحريات العامة والخاصة، فلم يكن غريبا أن تسيطر الشعارات ذاتها على محتوى البرامج الانتخابية لأحزاب اليسار، ومنها على سبيل المثال حزب التحالف الشعبى الاشتراكى، الذى تأسس بعد ثورة 25 يناير، فكان أحد شعاراته الانتخابية «الإنسان قبل الأرباح»، انطلاقا من إيمان الحزب بالمبادئ الاشتراكية التى يسعى لتطبيقها.
وخصص الحزب جزءا للتعريف بشكل الديمقراطية المنشودة، شملت أيضا التعريف بدور المجالس المنتخبة، رافعا شعار: «الحرية والديمقراطية بتاعتنا غير الديمقراطية بتاعتهم».
البرنامج الانتخابى الحالى لا يختلف كثيرا عن برنامج الحزب فى 2011، حينما خاض أولى معاركه الانتخابية ضمن قائمة «الثورة مستمرة»، كونها مبادئ تم ترجمتها فى مواد بالدستور الحالى، كما يقول مدحت الزاهد، نائب رئيس الحزب.
يقول مدحت الزاهد نائب رئيس حزب التحالف الشعبى موضحا الفارق بين المرحلتين: «أن الانتخابات الحالية تجرى فى مناخ أقل فى الحرية مع زيادة معدلات الأعمال الإرهابية وهى التغييرات التى طرأت على شكل البرنامج من خلال شعارات مكافحة الإرهاب وتعديل التشريعات التى تقيد الحريات».
العدالة الاجتماعية كانت حاضرة أيضا فى برنامج الحزب المصرى الاجتماعى، الذى يخوض الانتخابات الثانية له بعد انتخابات 2011، حيث خصص أجزاء كبيرة من برنامجه حول حصص التعليم والصحة فى الموازنة العامة.
لكن يتميز «المصرى الديمقراطى» عن الأحزاب الأخرى فى عرضه للرؤية السياسية التى غابت فى بعض المرامج، التى جاءت تحت عنوان «الإصلاح السياسى ومجابهة الإرهاب» الذى ربط فيه استمرار الدولة فى حربها على الإرهاب بالحفاظ على حقوق المواطنين وتأهيل جهاز الشرطة المدنية.
الدكتور وحيد عبدالمجيد المجيد نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، يؤكد أن تركيز الأحزاب والقوى السياسية الحالية على نقاط متشابهة، وغياب ملفات الحريات مقابل تحسين المعيشة تعود إلى عدة أمور: أولها غياب المناخ الديمقراطى الذى يفرز أجندات مدافعة عن القواعد الديمقراطية وملف الحريات، وبالتالى فإن السياق العام لا يشجع مطلقا على الحديث عن فصل السلطات والمراقبة والمحاسبة ودولة القانون والمؤسسات، مضيفا أن الامر الثانى يتعلق بأن الاحزاب نفسها «ديكورية»، وأن ما تصدح به من شعارات ونبرات كلها «شكلية» تهتم بالأهداف على المدى القريب، كمحاربة الفقر والعشوائيات وتحسن معيشة الناس وهى غايات حميدة، لكنها لا تتحقق دون الاهتمام بأهداف المدى البعيد التى تشكل مظلة تتيح الارتقاء بمستوى الناس عبر خلق مناخ ديمقراطى سليم وشفاف.
ويتابع عبدالمجيد: طالما بقيت الاحزاب المتصدرة للمشهد منفصلة عن واقع المواطن، فستظل تردد خطوط عريضة متشابهة مهما تباينت الايدلوجيات بينها، وتتطابق برامجها الانتخابية وإعلاناتها الدعائية، التى ربما تبتعد عما يريده المواطن، لمداهنه ما تراه السلطة.
فيما يقول الدكتور حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن طبيعة الاحزاب الحالية هى التى تفرض عليها الطابع الغالب على برامجها، فمجموعة من رجال الاعمال شكلوا تكتلات سياسية، لن يجيدوا لغة السياسة والدفاع عن الديمقراطية والحرية، قدر حديثهم عن توفير الارباح وتحسن المعيشة وخفض الأسعار.
ويضيف نافعة أن ما تحتويه البرامج الحالية حتى وإن تشابهت، هى ملفات سعينا وراءها جميعا، لكننا لا ننكر خطر التركيز عليها وحدها، دون الحديث عن تنافس سياسى حقيقى وبناء أحزاب جادة، وقوى شبابية فاعلة وتحسين أداء السلطة، خشية أن يتم الاستبداد بالناس مقابل توفير «الحد الأدنى» لهم من حيث الغذاء والدواء والمسكن.