إن الله سبحانه وتعالى هو مصدر العلم لدى الإنسان، لأنه خلقه ووهبه الحياة والحس والعقل، لكى يستطيع أن يدرك ويتعلم ما قدر الله تعال له أن يدرك ويتعلم: «اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِى خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِى عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ« (العلق: 5ــ1)، «خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ« (الرحمن:3ــ4).
وفى كتابه الصادر عن دار الشروق بعنوان «الحديث النبوى وعلم النفس» يتناول الدكتور والشاعر المصرى محمد عثمان نجاتى، أحد أبرز علماء النفس، عن علم اللدنى فى الحديث، وطرق اكتساب المعرفة.
وفى فصل بعنوان «العلم اللدنى فى الحديث» باب «الإلهام والرؤيا»، يقول «نجاتى»: «كان الإنسان فى حاجة إلى أن يتحقق له نوع من المعرفة اليقينية التى تعلمه ما لم يستطع أن يصل إليه بنفسه عن طريق حواسه وعقله، والتى تصحح له ما فى معرفته من أخطاء».
فعن طريق الوحى والإلهام والرؤيا الصادقة، امد الله تعالى الإنسان بأنواع من المعرفة، والتى تكشف له بعض الأسرار والحقائق عن عالم الخلق وعالم الأمر والغيب، فتخبره بأمور حدثت فى الماضى أو سوف تحدث فى المستقبل، أو حثه على فعل امور معينة. وفى القرآن الكريم آيات كثيرة تشير إلى ما أوحى به الله تعالى إلى أنبيائه ورسله وعباده الصالحين من العلم والحكمة.
ويذكر الدكتور «نجاتى» بعض الامثلة البارزة للعلم اللدنى والإلهام الإلهى، ما ورد فى القرآن الكريم فى سورة الكهف، عن قصة موسى والعبد الصالح الخضر عليهما السلام. ويقول مؤلف الكتاب: «تعطينا هذه القصة مثلًا واضحًا لنوعى العلم، أولًا العلم الظاهر المستمد من عالم المحسوسات، والذى يتمثل فى علم موسى عليه السلام، عندما كان يشاهد ما يحدث أمامه ويحكم عليه بناء على ما يراه. والثانى علم اللدنى والذى يتمثل فى علم خضر عليه السلام المستمد من الوحى والإلهام، فكان يتصرف وفقًا لما يكشف له الله تعالى من أسرار خفيه غير مشاهدة.
وينتقل بنا صاحب «الحديث النبوى وعلم النفس» إلى حدوث الوحى لغير الأنبياء، قائلًا: «يحدث الوحى والإلهام لغير الأنبياء والرسل، وقد ورد فى القرآن الكريم حدوث ذلك لـ«أم موسى، والحواريين، وعباد الله الصالحين». وأشار إلى الحديث الشريف، عن أبى سعيد أن الرسول (ص) قال: «اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله تعالى»، ثم قرأ قول الله تعالى: «إن فى ذلك لآياتٍ للمُوسِمينَ».
ويحدث الإلهام من الله تعالى بالخير وهديًا إلى الحق، وقد تحدث من الشيطان بالشر وتكذيبًا للحق. فعن عبدالله بن أبى مسعود أن الرسول (ص) قال: «إن للشيطان لمة بابن آدم، وللملك لمة، فأما لمة الشيطان فإيعاذ بالشر وتكذيب بالحق، وأما لمة الملك فإيعاذ بالخير والتصديق بالحق. فمن وجد من ذلك شيئًا فليعلم أنه الله تعالى فليحمد الله تعالى، ومن وجد الاخرى فليتعوذ بالله من الشيطان». ثم قرأ قوله تعالى: «الشيطان يعدُكم الفقر ويأمركم بالفحشاء».
ويقول «نجاتى»: «وينحو علم النفس الحديث منحى ماديًا فى تفسيره للمعرفة، إذ إنه يذهب إلى أن المعرفة الحسية هى الأساس الذى يعتمد عليه المعرفة الإنسانية، ولا يتعرض علماء النفس المحدثون فى موضوع التعلم واكتساب المعرفة إلى العلم الذى يحصل عليه الإنسان عن طريق الإلهام أو الوحى أو الرؤيا الصادقة، فقد ألزمو أنفسهم بدراسة الظواهر الحسية فقط». مضيفًا إن علم النفس الحديث حينما يتناول بالبحث موضوع التعلم وتحصيل المعرفة، فإنه لا يرى غير المعرفة الحسية، وحينما يتناول علم النفس الحديث التفكير المبدع، فإنه يتعرض لموضوع الإلهام.
وينتقل بعدها العالم المصرى «محمد نجاتى» ليتناول «الرؤيا فى الحديث»، وموضحًا أن الرسول (ص) تناول هذا الموضوع فى كثير من أحاديثه، وكان يقوم بتعبير الرؤى التى كان يراها هو وأصحابه، وذكر الرسول (ص) أن للرؤيا ثلاثة أنواع فقال: «والرؤيا ثلاثة: فرؤيا صالحه بشرى من الله، ورؤيا تحزين من الشيطان، ورؤيا مما يحدث للمرء نفسه، فإن رأى أحدكم ما يكره فليقم فليصل ولا يحدث بها الناس».
وتعبير الرؤيا فى الحديث إما أن تكون واضحة فلا تحتاج إلى تفسير، ومنها ما يكون رمزيًا غامضًا يختفى معناه فيما يتضمنه من رموز، وهو يحتاج لتفسير. وهناك عدة طرق لتفسير الرؤيا، منها التفسير بالاستعانة بالأسماء الواردة فى الرؤيا أو اشتقاقاتها، وكان الرسول (ص) يفسر بعض الرؤيا التى كان يراها بالاستعانة بالأسماء الواردة فيها، وكان يوصى أصحابه بتفسير الرؤيا بهذه الطريقة.