أعربت دولة ناميبيا عن رفضها لقرار ألمانيا بالتدخل كطرف ثالث للدفاع عن أعمال الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة ودعمها أمام محكمة العدل الدولية.
وقالت الرئاسة الناميبية في بيان نشرته على منصات التواصل الاجتماعي: "إن ألمانيا ارتكبت على الأراضي الناميبية أول عملية إبادة جماعية في القرن العشرين بين عامي 1904-1908، والتي راح ضحيتها عشرات الآلاف من الناميبيين الأبرياء في ظروف وحشية وغير إنسانية".
وأضاف البيان: "لم تقم الحكومة الألمانية الاتحادية، بالتكفير الكامل بعد عن الإبادة الجماعية التي ارتكبتها على الأراضي الناميبية، لذلك، وفي ضوء عدم قدرة ألمانيا على استخلاص الدروس من تاريخها المروع، يعرب الرئيس هيج جي جينجوب عن قلقه العميق إزاء القرار الصادم الذي أبلغته ألمانيا أمس الجمعة، والذي رفضت فيه إدانة إسرائيل بالإبادة الجماعية للفلسطينيين في قطاع غزة أمام محكمة العدل الدولية".
ومع عودتها للواجهة من جديد نستعرض في التقرير التالي تفاصيل جرائم الإبادة والفظائع التي ارتكبها ألمانيا:
* مجزرة الهيرو ومبشرات النازية
تواجدت ألمانيا من بين القوى الاستعمارية لبلدان القارة الإفريقية في مطلع القرن الماضي، وإن كان حضورها أقل نسبيا من فرنسا وبريطانيا.
واحتلت القوات الألمانية دولة ناميبيا التي كانت تسمى آنذاك جنوب غرب أفريقيا- والتي عمل الآلاف من المستوطنين الألمان بشكل ممنهج على الاستيلاء على أراضي وماشية ساكنيها الأصليين.
ويقول مؤرخون إن نحو 80 ألفا من قبائل الهيريرو (البالغ عددها 100 ألف شخص)، وما لا يقل عن 10 آلاف من قبائل الناما (البالغ عددها 20 ألف شخص) لقوا حتفهم خلال تلك المرحلة الدامية، وفقا للتقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية.
ووفقا للصحيفة، ويعتقد خبراء ألمان أن الإبادة الجماعية للهيريرو والناما كانت مؤشرا ينذر بتنامي الأيديولوجية النازية التي تصاعدت قبل وأثناء الحرب العالمية الثانية بزعامة هتلر.
* مقاومة نامبية واستدعاء تروثا
واجه هؤلاء المستوطنون الألمان المقاومة الأشد على الإطلاق من شعبي الهيريرو والناما؛ ما أجبر السلطات الألمانية على استدعاء القائد العسكري لوتار فون تروثا؛ حيث عرف بشراسته في مستعمرات ألمانيا في كل من آسيا وشرق أفريقيا، إلى هناك حيث قاد ما عرف بـ"قوة الحماية"، والتي كان دورها قمع المقاومة الشعبية.
* جزيرة القرش
وفي عام 1904، أصدر فون تروثا تحذيرا لأبناء شعب الهيريرو، جاء فيه أن "كل هيريرو، ببندقية أو بلا بندقية، بماشية أو بدونها، سيتم إطلاق النار عليه.
واستخدمت القوات الاستعمارية الألمانية لإخماد هذا التمرّد تقنيات إبادة جماعية شملت ارتكاب مذابح جماعية والنفي في الصحراء حيث قضى آلاف الرجال والنساء والأطفال عطشاً وإقامة معسكرات اعتقال أشهرها معسكر "جزيرة القرش"، وفقا لتقرير لوكالة الصحافة الفرنسية.
كما حذر تروثا من أنه لن يأوي بعد الآن نساء أو أطفالا؛ بل سيعيدهم إلى قبيلتهم أو يقتلهم رميا بالرصاص. وفي العام الذي يليه أصدر تحذيرا مماثلا لأبناء الناما، المجموعة العرقية الثانية ضحية الإبادة.
* البحث عن الحق
وبدأ زعيم قبائل هيريرو آنذاك كويما ريرواكو في تحرك فردي، وطالب عام 1991 باستعادة الأراضي المملوكة للقبيلة أو الحصول على تعويض مالي عنها من ألمانيا، بالتزامن مع زيارة الرئيس الألماني آنذاك للبلاد. وتقدم ريرواكو بوثائق عن المذابح للسفارة الألمانية في البلاد، وللأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية وعدد من الصحف الألمانية.
حاول أفراد قبيلته إقامة دعوى قضائية ضد ألمانيا في محكمة العدل الدولية عام 1999 بتهمة ارتكاب مذابح. وقال إنه تعذر المطالبة بتعويضات في وقت المذابح لعدم وجود قانون دولي آنذاك. وردت المحكمة بأنها تفصل في النزاعات بين الدول فقط، لكن المحاولة نجحت في إعادة التذكير بالمذبحة وجذب بعض الانتباه الإعلامي، بحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية.
وفي عام 2018، أعادت ألمانيا إلى ناميبيا بعض الرفات البشرية التي كانت قد استخدمها الألمان في "أبحاث علمية" سعت لإثبات التفوّق العرقي للأوروبيين البيض، وهي أبحاث ينظر إليها الآن على أنها سيئة السمعة، وفقا لبي بي سي.
* بعد أكثر من قرن..ألمانيا تعترف
وفي مايو 2021، اعترفت ألمانيا بأنّها ارتكبت "إبادة جماعية" بحق شعبي الهيريرو والناما خلال استعمارها ناميبيا وستدفع مليار يورو كمساعدات تنموية لهذا البلد، في خطوة أولى نحو المصالحة.
وفي بيانه قال وزير الخارجية الألماني إنّه "في ضوء المسؤولية التاريخية والأخلاقية لألمانيا، سنطلب الصفح من ناميبيا ومن أحفاد الضحايا على الفظائع التي ارتكبت في حقهم.