مصطفى الفقي يكتب: الأردن الدولة الفريدة - بوابة الشروق
الإثنين 13 مايو 2024 1:51 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مصطفى الفقي يكتب: الأردن الدولة الفريدة

مصطفى الفقي
مصطفى الفقي

نشر في: الإثنين 17 يوليه 2023 - 8:09 م | آخر تحديث: الإثنين 17 يوليه 2023 - 8:09 م

الملك الراحل الحسين بن طلال كان يملك السياسات البديلة وفضيلة العفو عن خصومه فيحيلهم إلى أشد الناس أنصارا له
يتميز الأردن بخصوصية تاريخية يختلف بها عن بقية دول المنطقة، فهو دولة ملتقى بين مزاج الجزيرة العربية من ناحية وتأثيرات الشام الكبير من ناحية أخرى.
نشأ الأردن ترضية للشريف حسين الذى وعدته بريطانيا بأن يكون ملك العرب ثم أخلفت وعدها كالمعتاد على رغم مساندته للحلفاء فى الحرب العالمية الأولى ضد الأتراك فى ذلك الوقت، ووجدت بريطانيا أن ابن الشريف حسين الأمير عبدالله ليس له عرش يئويه مثل أشقائه الذين سبقوه، وبالتالى فإنه يتعين توفير دولة تعزز الترضية التى يحاول الحلفاء تقديمها للشريف حسين الذى ذهب إلى منفاه الاختيارى فى جزيرة قبرص، وقد تولى الأمير عبدالله عرش الإمارة إلى أن تحولت إلى اسم المملكة الأردنية الهاشمية وأصبحت دولة مؤثرة فى المنطقة بحكم موقعها الجغرافى، فهى محصورة بين دول عدة بحدود مشتركة بدءا من سوريا مرورا بالعراق وصولا إلى لبنان والأرض الفلسطينية المحتلة ولها ميناء على البحر الأحمر هو ميناء العقبة.
كما أنها تعتبر ذات إطلالة غير مباشرة على البحر الأبيض المتوسط وتقوم على عنصرين أساسيين من عرب المنطقة يتجه جزء منها إلى الأصول الفلسطينية الشائعة والدماء المشتركة بين العشائر الأردنية وانصهارها السكانى مع نسبة لا بأس بها من الفلسطينيين، ولقد تعرضت المملكة لضغوط شديدة وكثيرة على مدى سنوات قيامها إلى أن حصدت رصاصات قاتلة حياة الملك عبدالله فى مدخل المسجد الأقصى وكان بصحبته حفيده الأثير الحسين بن طلال الذى آل إليه العرش بعد فترة قصيرة تولى فيها عمه الأمير نايف بسبب الادعاء بأن الأمير طلال غير متوازن عقليا على رغم ميوله الوطنية وأفكاره القومية.
لقد أبلى الحسين بن طلال بلاءً حسنا وخرج بالمملكة الصغيرة من ظروف صعبة وتعقيدات متوالية وعاصر المواجهة الكبيرة مع عبدالناصر الذى كان يجسد جزءا كبيرا من الحلم العربى الذى اتصفت به سنوات الخمسينيات والستينيات كما عاصر الوحدة المصريةــ السورية واهتزت أركان حكمه مع ثورة العراق ضد ابن عمه الملك فيصل الثانى والوصى على عرشه الأمير عبدالإله كرد فعل لسياسات نورى السعيد المعادية للحركة القومية والداعية إلى التحالف مع بريطانيا والدول الأخرى التى تسير فى فلكها، لذلك فإن قيام دولة الأردن كان بمثابة تأكيد للتوازن فى منطقة المشرق العربى ولكى تكون ظهيرا لسياسات متداخلة فى المنطقة.
تميز الملك الحسين بن طلال بالقدرة الفائقة على إحداث توازنات فى سياسات مملكته استطاع بها أن يجعل للأردن مكانة متميزة فى موقعها الجغرافى المحاصر وهو الذى تمكن من اجتياز أصعب العقبات ومواجهة أخطر الظروف، وأقام الملك الذى درس فى «كلية فكتوريا» بمصر شبكة من العلاقات الدولية الناجحة وحظى الأردن باحترام فى المحافل والمؤسسات العالمية بشكل ملحوظ.
وعلى رغم أنه يقع فى قلب أزمة الشرق الأوسط وهى المشكلة الفلسطينية إلا أن الملك الذكى ــ رحمه الله ــ تمكن دائما من تجنيب بلاده الأخطاء الكبيرة، وعندما استبدت به الحماسة الوطنية وطرد الجنرال كلوب باشا من قيادة الجيش العربى فى الأردن لقى ترحيبا من عبدالناصر ومعسكره ثم تدهورت العلاقات بين القاهرة وعمان بعد ذلك لأعوام عدة إلى أن وصل الملك الحسين إلى مطار القاهرة يقود طائرته العسكرية ويأتى ليؤازر عبدالناصر ومصر قبيل حرب عام 1967 بيوم واحد، وكانت النتيجة دخول القوات الإسرائيلية إلى سيناء والضفة الغربية والجولان فى ما نطلق عليه «حرب الأيام الستة» فأطلت الهزيمة بوجهها الكئيب وأثرها الحزين على الوجه العربى كله.
ظل الملك الحسين مقبولا لدى معظم الأطراف محتفظا بعلاقات ودية مع الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا الغربية، فضلا عن قدرته على التوافق مع المتغيرات والتعامل مع كل الأوضاع الجديدة متسما بالحكمة والتسامح مع خصومه وفتح جسور للتواصل علنية وغير علنية مع كل الأطراف بما فى ذلك إسرائيل حفاظا على مملكته وفتحا لجسور التواصل مع كل الجيران، ولقد شعرت شخصيا بكثير من الرضا والارتياح وأنا أرى الملك عبدالله الثانى يحاول تكريس جهد الدبلوماسية الأردنية لحل المعضلة السورية الحالية ورفع المعاناة عن ذلك الشعب الشقيق الذى دفع فاتورة فادحة خلال الأعوام الأخيرة وظل دائما رقما صعبا فى منطقة المشرق العربى ودوله المؤثرة فى مستقبل المنطقة كلها، ويجدر أن نناقش هنا بعض النقاط ذات الصلة بالموضوع:
أولا: لقد تمكن الملك الأردنى الراحل من اجتياز الخلاف الحاد بعد غزو صدام حسين للكويت وتعرض المملكة الأردنية الهاشمية بل أيضا حركة التحرير الفلسطينية لانتقادات شديدة لتأييده للغزو فى بدايته نتيجة شعوره بأن دول الخليج ليست داعمة للأردن اقتصاديا ويبدو ما تقدمه لها دون المستوى المنتظر، ولقد حضرت شخصيا قمة بغداد قبيل الغزو بأشهر قليلة وهى التى قال فيها الملك بالنص المأثورة العربية، «أضاعونى وأى فتىً أضاعوا، احتجاجا على ما جرى معه ومع بلاده من تجاهل»، علما أن المملكة الأردنية الهاشمية محدودة الموارد ولا تصدر النفط وعليها التزامات أمنية فى منطقة حساسة فى قلب الشام الكبير بكل ما له وما عليه.
فى ذلك المؤتمر وعد الرئيس صدام حسين أمير الكويت الشيخ جابر الأحمد بأنه سيزوره من دون موعد فى المستقبل وكأنما كان يلوح بفكرة الغزو من دون أن يفصح عنها، وفى تلك المنطقة من العالم العربى تخضع العلاقات لحسابات مختلفة وعلاقات متشابكة يلعب الغرب فيها دورا كبيرا.
ثانيا: عندما تولى الملك الحالى عبدالله الثانى عرش الأردن وقدمه شيخ السياسيين فى عمان أمام الجلسة المشتركة لمجلس الأعيان والنواب السيد زيد الرفاعى رفيق الحسين بن طلال ورئيس وزرائه لأعوام عدة قائلا، «صاحب الحضرة الهاشمية جلالة الملك عبدالله بن الحسين»، كان ذلك إيذانا بمرحلة جديدة تختلف فى سياساتها وتتنوع ظروفها عن غيرها من المراحل التاريخية المختلفة.
لقد مضى الملك عبدالله الثانى على نهج أبيه مع اختلاف بالطبع نتيجة التغييرات التى جرت وجعلت الأردن فى صدارة الدول المؤثرة فى النزاع العربى ــ الإسرائيلى، ولقد تعرض حكم الملك الأردنى الحالى لبعض عمليات الصعود والهبوط ولكنه يظل امتدادا لعرش أبيه وأجداده ولا تخلو سياسته من دهاء فطرى وذكاء سياسى تجعله حريصا على العلاقات مع دول المنطقة من دون استثناء.
ثالثا: لقد حرص العرش الأردنى على قدر كبير من التسامح السياسى أمام المشكلات والمواجهات، فكان الملك الراحل الحسين بن طلال يضع بهجت التلهونى فى منصب رئيس الوزراء عندما يريد أن يفتح حوارا مع القاهرة وقد يستعين بآخرين لتدعيم العلاقات مع العراق أو مع سوريا أو مع غيرهما، كان يملك دائما السياسات البديلة والشخصيات التى تدين له بالولاء، كما كان يملك فضيلة العفو عن خصومه فيحيلهم إلى أشد الناس أنصارا له، فلقد عفا عن اثنين من كبار ضباطه فى مستهل حكمه كانوا يدبرون لانقلاب ضده فأصبحوا بعد ذلك من أشد الداعمين له والحريصين عليه. ولعلنا نتذكر أيضا أنه هو الذى ذهب إلى مكان احتجاز المثقف الأردنى الراحل ليث شبيلات واصطحبه معه بسيارته الملكية الخاصة ليلتقى الابن بأمه فى صحبة مليك البلاد، تصرف فريد من نوعه وأمر لا نكاد نجد له نظيرا فى أحداث التاريخ العربى المعاصر.
تلك رحلتنا السريعة حول المملكة الفريدة بتاريخها ومكانتها ودورها فى المنطقة كإضافة إيجابية للمكانة العربية فى العالم المعاصر.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك