نقلا عن إندبندنت عربية
مع اقتراب القمة العربية المحدد لها ١ و٢ نوفمبر الجارى ازداد الاهتمام والحديث بين الأشقاء العرب عن وضع عالمنا ومستقبله،وسنتناول اليوم وفى أسابيع قادمة الوضع العربى من زوايا مختلفة، خاصة واشتركت أخيرا فى عدد من المنتديات العربية، بعضها جمع خبراء،والبعض الآخر شمل المجتمع المدنى والرؤى الشعبوية، ومع اختلاف الحضور والدول والمؤسسات المضيفة كانت القضية الرئيسية محل هى الوضع العربى فى الحاضر والمستقبل،وأنصب غالب الحديث على مبررات الأوضاع غير المردية وضعف فرص تجاوزها مستقبلا.
أجمع الحضور فى جميع هذه المناسبات أن الأوضاع العربية على غير ما يرام، واستخدمت فى هذا الصدد تعبيرات حادة وقاطعة، خاصة من المجتمع المدنى وكلما غلب على المحفل الطابع غير الرسمى.
وفى هذه النقاشات برزت بشكل خاص الملاحظات حول قضيتين رئيسيتين، ألا وهما مسئوليات وصفات القيادات العربية، وكيفية الحفاظ على وتدعيم الانتماء الوطنى والعربى، واتعرض لهما بإيجاز شديد، بغية وضع النقاط على الحروف، وترك المجال للتفكير والتأمل شخصيا ووطنيا وإقليميا.
وضع اغلب المتحدثون مسئولية ما وصلنا إليه بدرجة كبيرة على عاتق القيادات العربية الحالية، كما اعتبروا ان غياب الانتماء العربى أو انخفاضه تطور جديد فى مجتمعاتنا، واستخلص انه اوسع انتشارا بين الأجيال الجديدة، فى حين أرى أن أوضاعنا بسلبياتها وإيجابياتها حيثما وجدت هى محصلة تراكمات عقود من الزمن، ومن ثم المسئولية ليست على قادة اليوم حصريا، فضلا عن أن التعامل معها بإيجابية ونجاح يتطلب تغييرا سيستغرق فترة زمنية غير قصيرة، وتحولات منهجية ومؤسسية، كان ذلك فى أداء القيادات، أو من أجل زيادة الانتماء العربى.
فيجب أن تكون للقائد الناجح ثلاث صفات حميدة وضرورية، الرؤية، والشجاعة والحكمة، الثلاثة فى آن واحد. وبصرف النظر عن مجال وطبيعة عمله.
رؤية للهدف الوطنى أو العام أو المؤسسى المرجو تحقيقه، بما يتجاوز الظروف الآنية الحاضرة، حتى إذا كانت الأوضاع مريحة وناجحة، لأن التغيير أحد الثوابت فى عجلة الحياة، وعليه قيادة السفينة نحو أهداف أو إزاء تحديات أو مخاطر قد لا تكون ظاهرة للآخرين، وهذا الفارق الأساسى بين القيادة والإدارة السليمة.
ويجب أن يكون لدى القائد شجاعة اتخاذ القرار الصائب، مهما بلغت صعوبته، والكلفة التى يتحملها، كان هذا فى مجال الأمن القومى وسيادة البلاد، أو إزاء أوضاعها الاقتصادية أو الاجتماعية، وعليه اتخاذ قرارات شجاعة للاستفادة من فرص غير واضحة للغير أو غير تقليدية، وللتصدى لمواقف وتحديات على المدى الطويل قد تحمل فى طياتها ثمنا ثقيلا فى المستقبل المنظور.
وحكمة القائد واجبة فى الاستفادة من تجارب الماضى لوضع بوصلة واضحة لمسيرة قراراته، مقدرا فرص وثمن نجاحها وتكلفة فشلها، والحكمة فى عدم التسرع فى رفض كل انتهاز وكل فرصة أو رفض كل تحدٍ، قبل تقدير عائداته وتداعياته، والحكمة فى استكمال المعلومات والحسابات قبل اتخاذ القرارات، وفى التريث دون التأخر فى اتخاذ القرارات، لإيجاد المعادلة الملائمة بين مصالح وامكانيات رعاياه ومنافسيه.
وأشارك الكثير ممن التقيت معهم فى قلقهم من تآكل ما يسمى بالانتماء الوطنى والعربى فى الشرق الاوسط، دون التشكيك فى وطنية أحد أو جيل أكثر حداثة مما مضى، وأضم صوتى لكل من يؤكد أو يطالب بضرورة بذل جهود مضنية من أجل تدعيم الانتماء لمؤسساتنا وأوطاننا وللعالم العربى أجمع، وأقر أيضا أن هناك آليات مختلفة لتحقيق ذلك، منها الاهتمام بتدريس اللغة العربية، التاريخ الحديث، ونشر الثقافة والتوعية.
كل هذا صحيح وسليم، فالانتماء يرجع كثيرا إلى التاريخ والثقافة والتقاليد داخل أوطاننا وفيما بين الدول والشعوب العربية، وإنما هذه المعادلة وهذه الاقتراحات غير كافية، فالعنصر الأهم من وجهة نظرى فى إرساء وترسيخ الانتماء هى التجربة والممارسة والارتباط فى الماضى والحاضر والمستقبل، فيحافظ الكثير من المهاجرين العرب على لغتهم وثقافتهم وذكرياتهم، وهناك انتماء عاطفى مع بلدهم الأم، غير أن دوافع وتجارب ومصالح الزمن وارتباطاتهم اليومية حتما تجعل هذا الانتماء مقسما بين الماضى والحاضر ومواقعهم الجديدة.
هذا وفى عصر العولمة والاتصالات الإلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعى، اتسعت ساحة التواصل والاندماج لكل منا حتى مع استمرار تواجدنا فى وطن واحد، فأصبح انتماؤنا مفعلا إلكترونيا، والعكس ايضا صحيح لان هذه الآليات لها نكهة انعزالية وفردية على حساب التفاعلات العائلية أو المجتمعية أو الوطنية أو الإقليمية.
لكل هذه الاعتبارات أرى أن أفضل وأوقع سبل لتقوية الانتماءات الوطنية أو العربية فى وبين شعوبنا هى جعل شعوبنا تشعر أن عالمهم وأوطانهم ومجتمعاتهم هى التى توفر لهم سبل المضى قدما نحو مستقبل أفضل، أى أن الانتماء يرتبط بالمصلحة الذاتية والاستجابة للتطلعات وتدعيم الانتماء النابع عن الجنسية أو المواطنة، وهذا يتطلب نجاح دولنا فرادة ومجتمعين فى توفير سبل الحياة والازدهار لتحقيق الطموحات المستقبلية داخل أوطانهم، بدلا من أن يسعى المواطن لتحقيق ذلك بالهجرة أو إعادة الاستيطان أو من خلال العزلة الالكترونية، أى أرى ان سبل زيادة الانتماء تتحقق مع تنامى التنمية الاقتصادية، والاتفاق المجتمعى على معادلة اجتماعية عادلة من حيث الفرص والحقوق، وترضى الغالبية العظمى من شعوبنا.
هذا من ضمن شجوى وتطلعات مجتمعاتنا والقادة العرب على مشارف اجتماع قمة تأخر كثيرا، آملين ان تشكل القمة بداية مرحلة يرتفع فيها العالم العربى إلى حجم التحديات بإيجابياتها ومخاطرها.