المجلة الثقافية الأبرز عربيًا تستعيد كتابات المفكر الكبير الراحل على صفحاتها
«تربى على مائدة العلم فى بيت أبيه القاضى وبيت خاله أعظم مُفتٍ فى تاريخ مصر»
«ينسى أكثر الدعاة أنهم مبلغون وليسوا أوصياء على أحد من الناس»
«المتشددون فى كل زمان يصدرون فى تشددهم عن تصوّر خاطئ لمهمتهم وحدودها»
«الوصول فى التشدد إلى الاقتراب من تحريم الحلال لا يقل إثمًا عن تحليل الحرام»
فى مقال مطوّل، استعادت مجلة «العربى» الكويتية، أبرز المجلات الثقافية فى العالم العربى، نماذج من كتابات المفكر الكبير الراحل أحمد كمال أبوالمجد، الذى ودع الحياة فى أبريل الماضى، بعد رحلة عطاء حافلة، عن عمر ناهز 89 عامًا.
المقال الذى كتبه كمال ربيع على ثمانى صفحات فى عدد المجلة الصادر فى يونيه الماضى، استعرض ملامح من حياة «أبوالمجد باعتباره رمزا للوسطية إلى جانب كونه مفكرًا قانونيًا وإسلاميا تولى عددًا من المناصب، أبرزها عمله وزيرًا للإعلام والشباب، ونائبًا لرئيس المجلس القومى لحقوق الإنسان سابقًا، وعضوًا بالجمعية المصرية للاقتصاد والتشريع، وعضوًا فى مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، إلى جانب كونه أحد أشهر المحامين والقانونيين فى مصر والوطن العربى، وأستاذًا متفرغًا بكلية الحقوق فى جامعة القاهرة.
كما تطرق المقال إلى نشأة المفكر الكبير الراحل، قائلًا: «تربى، رحمه الله، على مائدة العلم الشرعى والقانونى فى بيت أبيه القاضى وبيت خاله، أعظم مُفتٍ فى تاريخ مصر، العلامة حسنين مخلوف. وبالرغم من أن أبوالمجد برز فى علوم كثيرة، فإن أبرز إسهاماته كانت فى نشر الوسطية ومحاربة التطرف، وما زالت كلماته وأطروحاته الرائعة تنبض بالحياة وتشع بالنور فى ظلمات تكاد تكتنف أغلب العالم العربى».
ويواصل ربيع: كان يدرك أن «هناك مظاهر سبعة لانحراف الخطاب الدينى السائد الآن عن الإطار المرجعى الثابت للدين الإسلامى»، فها هو يهتف «المتشددون فى كل زمان يصدرون فى تشددهم عن تصوّر خاطئ لمهمتهم وحدودها، فهم يتصورون أنفسهم وصاةً على الدين وعلى الناس، وهم لذلك فى خوف دائم مقيم من أن التيسير على عباد الله قد يؤدى بهم إلى الخروج على حدود الله وتكاليف الشريعة».
وينقل الكاتب عن «أبوالمجد» تحذيره من الوصاية على الناس: «ينسى أكثر الدعاة أنهم مبلغون وليسوا أوصياء على أحد من الناس، إذ تظل الطاعة والمعصية أمورًا منوطة باختيار الأفراد والمكلفين».
كما بين أبوالمجد، والكلام لا يزال لربيع، أن التشدد لا يغلق أبواب الشر، لكنه يفتحها: «يتصور المتشددون أن تشددهم من شأنه أن يقفل أبواب الشر والعوج، وأن يسد الذرائع فى وجه الانفلات من تكاليف الشريعة، وينسون أن سد الذرائع طريق احتياطى من طرق التشريع والإفتاء، وأنه كما يسد مداخل الشر، فإنه يفتح أبواب الخير، كما ينسون أن المرجع فى حل الأفعال والتصرفات وتحريمها إنما هو الخالق سبحانه، وأن الوصول فى التشديد إلى الاقتراب من تحريم الحلال لا يقل إثمًا عن الوصول إلى تحليل الحرام، يشهد له ويقرره قوله سبحانه: ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام».
ويتابع المقال: كان، رحمه الله، يرى أن الخطر على أمتنا كبير، وأن الأمل مع ذلك فى النهضة الكبرى، وهو أمل قائم ومشروع، لكنه أمل تحيط به الشروط، والثمن الذى يدفعه كل منا وفاءً لهذه الشروط، ثمن بخس وضئيل إذا قورن بالهوة الهائلة التى تفصل بين خيارين: الأول خيار النهضة والصحوة، والثانى خيار الانتكاسة والسقوط، مؤكدًا أن مشكلة شباب الحركات الإسلامية الأساسية تكمن فى: «أن بينهم وبين أكثر الناس فجوة، وبينهم وبين كل الحكومات جفوة، يبدأون، كما يبدأ الدعاة فى كل عصر ومصر، يعظون ويجادلون ثم لا تلبث صدور بعضهم أن تضيق بما حولهم ومن حولهم، فلا تلبث وجوههم أن تعبس وتكفهر، فإذا تمسكهم بما يؤمنون به يتحول بهم إلى عزلة، وإذا حوارهم مع غيرهم يستحيل إلى مشاحنة ومخاشنة ونفره، وإذا إنكارهم على مخالفيهم يجاوز القلب واللسان، ليصير حربًا ساخنةً وصدامًا طابعه العنف والشدة، واتهامًا لا مواربة فيه بالكفر والجاهلية والردة، ثم تأتى ــ ولا بد ــ لحظة صدام ومواجهة مع الحكومات القائمة، وتراق دماء، ويسقط صرعى فى لحظات غاضبة محمومة، ولا يرتفع مع ذلك للإسلام لواء».