جولة في كتاب سعد زغلول يفاوض الاستعمار (1) : طارق البشري يسلط الضوء على جذور الجلاء البريطاني - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 4:36 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

جولة في كتاب سعد زغلول يفاوض الاستعمار (1) : طارق البشري يسلط الضوء على جذور الجلاء البريطاني

المستشار/ طارق البشري - سعد زغلول
المستشار/ طارق البشري - سعد زغلول
أحمد عبد الحليم:
نشر في: الخميس 21 مارس 2019 - 4:12 م | آخر تحديث: الخميس 21 مارس 2019 - 4:12 م

- الوفد البوتقة التي جذبت إليها مختلف القوى الاجتماعية
- بدأت مع سعد زغلول المفاوضات المصرية البريطانية.. ولم تنته إلا بعقد اتفاقية الجلاء عام 1954
- الوفد لم تكن له صفة رسمية في المفاوضات رغم اعتراف الإنجليز به.. وتحققت الصفة مع مفاوضات عدلي كيزون في 1921
- مباحثات سعد- ماكدونالد تعتبر المفاوضات الأولى التي جرت بين البلدين بعد صدور تصريح 28 فبرير 1922
- سعد قبل السفر للمفاوضات: سأقف غدا أمام أقوى دول الأرض معتمدا على ثقة بلادي وعدل قضيتي
- وبعد عودته: أنا الآن أعود إلى مصر بغير نجاح.. وإن لم نصل للغاية من عملنا فأولادنا سيواصلون هذا العمل
تواصل «الشروق» على مدار شهر مارس عرض مجموعة من الكتب، الحديثة والقديمة، التي تروي جوانب مختلفة لتأريخ وتوثيق أحداث ثورة 1919 من الأسباب إلى المآلات.
ثالث كتاب نتجول بين صفحاته هو «سعد زغلول يفاوض الاستعمار.. دراسة في المفاوضات المصرية البريطانية 1920- 1924» للمفكر والمؤرخ الكبير المستشار طارق البشري، يصحبنا فيه ليستدعي أمامنا صورة واضحة لما كانت عليه مصر في هذه السنوات المهمة، 1920 إلى 1942، نجح في العودة إلى جذورها وتأصيلها، وحرص على أن يسلط الضوء على معالمها، واتبع منهجا يثير الانتباه؛ فهو يطرح التساؤلات ويتولى الإجابة عنها؛ لما في ذلك من تشويق وإقصاء للتقليدية.
كما يضع لنا شخصية سعد زغلول تحت المنظار، ويبين كيف أثر فيه التكوين القانوني من حيث المناورات والإصرار أمام التعنت البريطاني على أن استقلال مصر لا يتجزأ.
اعتمد البشري في استقاء معلوماته على مصادر ومراجع متنوعة: الوثائق الإنجليزية غير المنشور والمحفوظة بوزارة الخارجية البريطانية، والوثائق المصرية المنشورة، والتقارير والمذكرات والخطب والدوريات، وما كتبه المصريون والإنجليز المعاصرون للأحداث. ولمزيد من الاستفادة ألحق البشري مؤلفه بملاحق اختصت بوثائق عام 1924 بشأن مفاوضات سعد زغلول- ماكدونالد وما يتعلق بها.
الكتاب صدرت طبعته الأولى في 1977 والثانية في 1998، وصدرت طبعته الثالثة عن دار الشروق في 2012، ويقع الكتاب في 215 صفحة، من القطع المتوسط، وكتبت مقدمته الدكتورة لطيفة سالم، مقرر اللجنة العلمية لمركز الدراسات التاريخية بدار الشروق.
******************************************
أربع سنوات إلا بضعة أيام منذ 9 يونيو 1920 وحتى 3 أكتوبر 1924، من عمر الحركة الوطنية المصرية، جرت خلالها مياه كثيرة تحت الجسور، وتعد من أخصب الفترات في تاريخ مصر الحديث والمعاصر لما احتوته من أحداث سواء وقعت على أرض الوطن أو بعيدة عنه في باريس ولندن.
ومن المعروف أن ثورة 1919 تعتبر من أهم الثورات التي اشتعلت نتيجة لأسباب متعددة والتي تمخض عنها توهج القضية المصرية، رفع لواءه وطنيون قدرت لهم القيادة.
وكان الوفد البوتقة التي جذبت إليها مختلف القوى الاجتماعية، وبطبيعة الحال احتل سعد زغلول موقعه المتميز والمتفرد على خريطة الحركة الوطنية، فأصبح الزعيم صاحب الكاريزما، تلك التي تمكنت من أن تتخلل إلى قلوب المصريين، وما زال إلى اليوم رمزا للكفاح ضد الإمبرالية البريطانية ورسولا لليبرالية، ويشهد له ذلك التخليد في تماثيله المقامة بميادين مصر، واسمه الذي أطلق على شوراعها.
تحمل سعد زغلول ورفاقه النفي بقسوته، وعندما أفرج عنهم سافروا إلى باريس ليطالبوا بحق مصر في أن تعود إليهم، أوصد الباب أمامهم، فقصدوا لندن للتفاهم والاتفاق بشأن إلغاء الحماية البريطانية والحصول على الاستقلال. ومن هنا بدأت سلسلة طويلة من المفاوضات المصرية البريطانية لم تنته إلا بعقد اتفاقية الجلاء عام 1954.
وكانت الباكورة على يد سعد زغلول الذي أجرى محادثات مع هيرست، المستشار القضائي بوزارة الخارجية البريطانية، وعضو لجنة ملنر وزير المستعمرات في باريس، وذلك كمرحلة تمهيدية، أعقبها مباشرة سفره مع زملائه إلى لندن، حيث عقدت عدة لقاءات، كان أولها في 9 يونيو 1920، وآخرها في 10 من نوفمبر من العام نفسه. ولم ترق هذه المحادثات إلى درجة المفاوضات، لأن الوفد لم تكن له صفة رسمية رغم اعتراف المسئولين الإنجليز به، وقد تحققت الصفة مع المفاوضات التي تمت بين عدلي يكن رئيس الوزراء وكيرزون، وزير الخارجية البريطاني (13 يوليو- 19 نوفمبر 1921)، ثم مفاوضات سعد زغلول أثناء توليه رئاسة الوزراء مع مكادونالد، رئيس الوزراء البريطاني ( 25 سبتمبر- 3 أكتوبر 1924). ولم تسفر جميعها عن مكاسب لمصر، لكنها أثبتت صلابة مواجهة سعد زغلول لغلاة المستعمرين الإنجليز.
وقد مرت مصر إبان هذه الفترة بأحداث متلاحقة في ظل توهج الحركة الوطنية، من نفي سعد زغلول ورفاقه مرة أخرى ثم العودة للوطن، وإعلان بريطانيا تصريح 28 فبراير 1922، وتحول مصر إلى النظام الملكي، وصدور دستور 1923، وإجراء أول انتخابات برلمانية نزيهة جاءت بالوفد للحكم، وتشكيل سعد زغلول وزارة الشعب (28 يناير- 24 نوفمبر 1924) التي ما لبثت أن قدمت استقالتها عقب اغتيال السير لي ستاك سردار الجيش المصري وحاكم السودان.
وتذكر الدكتورة لطيفة سالم في مقدمتها أن هذا المناخ المفعم بالأماني الوطنية قد أغرى القانوني والمؤرخ الكبير والمفكر الواعي المستشار طارق البشري أن يعيش في كنفه ويلتقط خيوط أحداثه ووقائعه ويكتب عنها بمهارة، مضيفة أن البشري يتميز بالدقة والنقد والتحليل والرؤية الفلسفية ومراعاة الظرف التاريخي والأمانة، وليس فقط مع المادة العلمية التي اعتمد عليها في معلوماته، وإنما أيضا مع نفسه وفكره وللتطورات التي مر بها.

حينما يعرض البشري مادته فيما يتعلق بالحركة الوطنية، فهو يؤكد على قوتها، ويضع شخصية سعد زغلول تحت المنظار، ويبين كيف أثر في التكوين القانوني من حيث المناورات والإصرار على أن استقلال مصر لا يتجزأ، وذلك أمام التعنت البريطاني، كما جاء تحليله لقضية السودان منطقيا ومقبولا.
وذكر البشري ما سجلته صفحات الكتّاب الإنجليز المضادة للزعيم المصري، وكذلك رؤية المؤرخين المصريين، وعلق عن طريق رصد النقاط المتزنة التي مثلت أهمية بالغة من حيث التقييم الموضوعي الذي اعتمد على العقلانية، وبالتالي الإقناع.

نعود إلى مباحثات سعد- ماكدونالد والتي تعتبر المفاوضات الأولى التي جرت بين البلدين بعد صدور تصريح 28 فبرير 1922 الذي أنهى الحماية البريطانية على مصر واعترف بها بلدا مستقلا ذا سيادة، وبعد العمل بدستور 1923.
وهي بهذه المثابة أول تجربة لمفاوضات عن المسألة المصرية تجريها حكومة ديمقراطية لمصر المستقلة. ويجريها عن مصر أول من جمع بين الزعامة الشعبية والرئاسة الرسمية في تاريخ مصر الحديث، أو بالأقل منذ الثورة العرابية.
وهي أقصر مفاوضات عرفها تاريخ المفاوضات المصرية البريطانية؛ ثلاث جلسات على مدى عشرة أيام انتهت بالفشل، بدأت بكلمة قالها سعد زغلول لمودعيه من أفراد الجالية المصرية بفرسنا عشية سفره من باريس إلى لندن «سأقف غدا وجها لوجه أمام أقوى دول الأرض، أما معتمدي الوحيد فهو على ثقة بلادي وعدل قضيتي. وإنني أشعر بأني قوي جدا. وأنا عظيم الأمل في الوصول إلى اتفاق مُرضٍ. أما إذا لم يسعفنا النجاح. فسأثابر على النضال في سبيل الحق والعدل».
وانتهت بأحاديث منها ما قاله سعد بباريس أيضا في طريق عودته إلى مصر: «أنا الآن أعود إلى مصر بغير نجاح، ولكن الحبوط ليس عيبا فإنما العيب هو إفساد حقوق البلاد. أما أنا فأعود إلى القاهرة بعد أن صنت كرامة الوطن. وقد عزمت على إتمام الكفاح الذي ابتدأناه وإذا لم يتح لنا أن نصل إلى الغاية من عملنا، فإن أولادنا سيواصلون هذا العمل».
فيما ذهب سعد، وفيما عاد. هل كان الحبوط فشلا له كمفاوض كما شاء الوفديون أن يصوروا المسألة؟ هل بدد سعد بتشدده مع ماكدونالد فرصة لكسب كان يمكن اقتناصه، أم عصم نفسه من التفريط ووطنه من الاستسلام؟ هل الذي وقف أما أقوى دول الأرض. فلغ به التشدد أقصاه، هل كان تشدده عنتا ولددا، أم كان رفضا ثوريا لحلول صورةي؟ هل كان مفاوضا ماهرا وهل بدد أم حفظ؟

غدا حلقة جديدة....



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك