سحر الموجى: الكتابة والأساطير ملاذى.. وأفضٍّل النهايات المفتوحة - بوابة الشروق
الأحد 5 مايو 2024 4:34 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سحر الموجى: الكتابة والأساطير ملاذى.. وأفضٍّل النهايات المفتوحة

محررة الشروق تحاور الأديبة سحر الموجي
محررة الشروق تحاور الأديبة سحر الموجي
حوار ــ شيماء شناوى:
نشر في: الجمعة 29 مارس 2019 - 9:07 م | آخر تحديث: الجمعة 29 مارس 2019 - 10:08 م

ــ «السياسة فى الأدب مثل الشوائب فى الذهب».. ولهذا أحاول تحاشيها

تخبرنا «ألف ليلة وليلة» أن «شهرزاد» كانت تجيد فن الحكايا، ولهذا نجت من الموت المحتم على يد «مسرور» صاحب السيف الحاد واللامع الذى لم يخطئ طريقه ولو لمرة واحدة إلى أعناق الفتيات، وحدها «شهرزاد» استطاعت أن تعيش معه وتعيش بعده، حكايتها كانت السر وطوق النجاة.

وما تؤمن به الكاتبة سحر الموجى، صاحبة هذا الحوار، لم يبتعد كثيرًا عن ذلك، حيث تؤمن بأن «الحكاية هى الملاذ، وبأن الكتابة قارب نجاة»، فتجد فيها الإجابة عن الأسئلة الحقيقية التى تشغلها، وإن كانت حكايات «ألف ليلة ولية» تبدأ بعبارة شهرزاد الشهيرة «بلغنى أيها الملك السعيد.. ذو الرأى الرشيد» لتصطحب بعدها الملك «شهريار» إلى عوالمها الأسطورية، فإن سحر الموجى تبدأ حكاياتها قائلة: «أختار أن أبدأ الحكاية من نقطة مضيئة، هكذا يجب أن تبدأ الحكايات، وهكذا أمارس أول ألعابى حين أستدرج قارئا محتملا إلى رمال الحكايا المتحركة فيصعب عليه الخروج منها إلا بأذن منى».

لتبدأ فى جذب قارئها إلى عوالمها الأسطورية الخاصة بها، فيجدها فى رواية «ن» تخبره عن «حتحور» إله الجنس والخصوبة، وكما تخبره عن أبطال الحكايا الآخرين «سارة، حسام، دنيا، نورا»، لتمنحه فرصة التلصص على عوالمهم، وفى روايتها «مسك التل» الصادرة أخيرا عن دار الشروق، والفائزة بجائزة ساويرس فرع كبار الكتّاب، تذهب به حيث «بيت السيرينات» القائم على تل فى مكان ناء فى وسط الطبيعة، ويجمع بداخله أبطال أشهر الروايات العالمية، لتروى له كيف تلتقى الست أمينة بطلة ثلاثية نجيب محفوظ، مع كاثرين إرنشو بطلة مرتفعات وذرينج لإيميلى برونتى، فى هذا البيت، قبل أن ينتقلا إلى رحاب السيد الحسين بالقاهرة ليكونا على موعد مع مريم ابنة القرن الـ21، ولكن كيف تجتمع ثلاثة نساء من ثلاثة عصور مختلفة فى حياة واحدة، هذه حكاية أخرى من الحكايات التى تنسجها سحر الموجى، فى رواياتها، لتؤكد أن الأساطير لم تعُد حكرًا على «شهرزاد» أم الحكايا، بل هى أيضًا «شهرزاد» عصرية، ترتدى الجينز، وتذهب إلى الجامعة لتدرس لطلابها الشعر والأدب الإنجليزى والأمريكى، وتقدم برامج إذاعية، وتهتم بقضايا الجندر «النوع» وتغيير صورة المرأة السائدة فى الحكاية والإعلام، وتؤسس ورشا للكتابة، وتكتب مقالات فى الصحف والمواقع الإليكترونية.

وفى حوارها مع «الشروق» تروى سحر الموجى حكايتها مع الكتابة والأساطير التى تميز أعمالها، ومؤسسة «دوم حكي»، وسر إيمانها بالنهايات المفتوحة.. وغيرها من الأسئلة التى يتضمنها هذا الحوار:

• دائمًا ما تربطين فى أعمالك بين الماضى والحاضر.. فأى زمن يغريك بالكتابة أولًا؟

ــ الكتابة عن الماضى طريقة لرؤية الحاضر، وما أكتبه ليس عن الماضى بقدر ما هو عن عالم الأساطير، ففى رواية «نون» لم أكن أكتب عن حضارة مصر القديمة بقدر ما كنت أكتب عن أسطورة «حتحور» إله الخصوبة والجنس، وحتى فى رواية «مسك التل» أغرانى الماضى الخاص بكل شخصية، لكننى خلقتهم من جديد من خلال أسطورة بيت «السيرينات»، ولذا فالتعبير الأكثر دقة هو أن الأسطورة هى أكثر ما يغرينى للكتابة.

• يشاع وليس مؤكدا أن الأديب نجيب محفوظ كان يفكر فى كتابة جزء آخر من ثلاثيته ينتصر فيه لـ «الست أمينة».. فهل رغبت فى تحقيق ذلك له؟ أم أن الموضوع محض مصادفة جمعت بين رغبتكما؟

ــ لم أعلم بهذا الأمر سوى الآن، وإن صح ذلك فأنا سعيدة لأننى حققت له رغبته، لكن فى الحقيقة ما دفعنى لإعادة كتابة شخصية الست أمينة، سببان: الأول يعود للاحتفاء الكبير الذى صنعه الوعى المصرى بها وبشخصيتها، فأصبح غالبية الرجال يتمنون أن يكون لديهم أمينة، وكذلك كثيرات من النساء فى لحظة من حياته وقعن بشكل غير مباشر فى «فخ الست أمينة»، ومنهن من أكملت فيه، أما السبب الآخر فهو فكرة كانت تؤرقنى منذ سنوات، وهى أن «أكيد لأمينة عالم داخلي»، غير الصورة المحدودة التى ظهرت بها فى ثلاثية «محفوظ»، وظلت الصورة الناقصة لشخصية أمينة وعالمها الداخلى يطاردنى لاستكماله، وفى النهاية أنا لم أمس عالم أمينة المحفوظى، بل كشفت فقط عن العالم الداخلى لها ومنحتها الفرصة لتكبر وتجرب الحياة وتبقى بلغة عصرنا «سترونج اندبندنت وومن».

• فى «مسك التل» لم تغيرى شخصية أمينة فقط بل غيرت مصائر حياة اثنتين من الشخصيات الروائية.. ألم تخش من ردة فعل القارئ لتعمدك هدم مسلماته بشخصياته الروائية؟

ــ لا تزال «مسك التل» التجربة الروائية الأصعب بالنسبة لى، وكان بها أكثر من مخاطرة، أهمها: إعادة الكتابة عن شخصيات خيالية راسخة بقوة فى ذهن القارئ، وربما يرفضها من البداية بدافع عدم المساس بخياله، كما أننى لم أكن أملك لها خطة كاملة ولا حبكة لكتابة العمل، فكنت أكتب فصلا ثم أنتظر الشخصية تخبرنى عن محطاتها التالية، فضلًا عن الصعوبة فى التركيبات الزمنية للأحداث، لكننى تغلبت على كل تلك الصعوبات بإيمانى بما أكتبه، وفى «مسك التل» تعاملت على شقين الأول ألا يكون قارئ قرأ «مرتفعات وذرينج» لإيميلى برونتى أو «بين القصرين» لنجيب محفوظ، وبالكتابة عنها يتعرف على عالم هذه الرويات، أو أن من قرأهما من قبل فيستمتع بأن يتعرف على شخصيتى كاثرين والست أمينة من جديد.

• من أين انطلقت بداخلك شرارة خلق عوالم جديدة لبطلات قديمة؟

ــ يمكنا القول إنها بدأت مع لحظة «حلم يقظة»، حيث وجدتنى أتخيل الست أمينة وهى تسكن فى منزل كاثرين، وتعتنى بها وتحتضنها وتتحدث لغتها وتنصحها بالمقاومة وعدم الاستسلام للموت، ومن هنا بدأ الأمر يشغلنى وبدأت فى كتابته بعدها بشهور، ولهذا كانت شخصياتهما الرئيسيتان ثم جاءت شخصية «مريم» الطبيبة النفسية، وبدأت الشخصيات تحدد مسارها ومصيرها بعد ذلك.

• لخطابات الست أمينة دور محورى فى الرواية.. تعليقك؟

ــ خطابات أمينة كانت من أسهل مناطق كتابة الرواية، وكتبت يومياتها بعامية لغتها، وذاكرتها جيدًا لكى أكتبها، ولكنى أعتقد أن سهولة كتابتها قد تعود للغة جدتى.

• كتبت القصة القصيرة والرواية.. متى تقررين أن الفكرة تصلح لهذا النوع الأدبى أو ذاك.. وما الشكل الأصعب فى الكتابة؟

ــ الفكرة وحدها من تختار مصيرها، رغم اعترافى بأن الرواية فى الفترة الأخيرة تخطفنى، لكن الفكرة هى من تأتى فى شكل ومضة لتصلح كقصة قصيرة، أو تأتى فى شكل حدوتة لا يليق معها سوى ثوب الرواية.

• لكن لماذا دومًا النهايات المفتوحة؟

ــ لأننى لا أؤمن بالنهايات المغلقة، وأراها نهايات مريحة، وأنا أفضل صُنع حالة من القلق لدى القارئ، وإخراجه من حالة الأمان التى يعيشها، وفى «مسك التل» تحديدًا لم يكن يليق بها النهاية المغلقة، بعد كل العوالم التى فتحتها وتركيباتها والأسئلة التى طرحتها، وأعتقد أن القارئ ذاته لم يكن يقتنع بغير ذلك، فضلًا عن إيمانى بأن النهايات المفتوحة هى أقرب إلى حياتنا؛ لأنها بالأساس نهايات مفتوحة، فنحن كأشخاص ليس لنا نهايات.

• هل تتابعين ردود فعل القراء حول كتاباتك.. وما معايير حكمك على العمل الناجح؟

ــ لدى فضول دائم لمعرفة آراء القراء، وأتابع ما يكتب عن مؤلفاتى فى الصحف والمواقع الإلكترونية المختلفة، وتسعدنى ردود الفعل ودائمًا ما أتلمس أثناء حفلات التوقيع تعاطى الناس مع العمل الأدبى، ومعايير العمل الناجح لدى لا تكمن فى مسألة الأكثر مبيعًا وغيرها، بل بقدرة النص على أن يجعل القارئ فى حالة تساؤل دائم، وكذلك قدرته على البقاء صالحًا للقراءة مع مرور السنوات، ولهذا فأنا أكتب الأدب الذى أحب قراءته.

• هناك مسافات زمنية بين أعمالك، قد تصل إلى 10 سنوات فى بعض الأحيان فما السبب؟

ــ ببساطة لأن «أكل العيش مر»، ومتطلبات الحياة تسرق أغلب الوقت؛ ولأن الكتابة تحتاج منى إلى تفرغ لا أملكه، فأنا لست «محفوظية» فى طريقة كتابتى، رغم محاولاتى العديدة فى تتبع خطاه فى ذلك، لكن جزء الكاتبة بداخلى يرفض، ولا يخرج إلا بوجود مساحة كبيرة من الحرية، أكون فيها بمفردى وأقطع خيوط اتصالى بالعالم، فيصبح لا شاغل لى سوى الكتابة. وهو ما لا يتاح إلا على فترات متباعدة وبأجازات صغيرة أعمل خلالها بشكل مكثف، ومع ذلك أعترف بأن العمل على فترات متباعدة يفيدنى أكثر فى الكتابة، ويعطى الفرصة للشخصيات بداخلى بأن تكبر وأن أصدقهم.

• «نون» نص مفعم بالسياسة بينما ابتعدت فى «مسك التل» عن السياسة وانهيت الرواية على بعد خطوات من ثورة يناير.. فهل خشية التورط فيها السبب؟

ــ «السياسة فى الأدب مثل الشوائب فى الذهب»، ولهذا أحاول تحاشيها، لكن فى النهاية النص هو ما يفرض مساحة السياسة بداخله، ففى «نون» استحضرتها لأن شخصية البطل كانت غارقة فى السياسية، أما فى «مسك التل» فتعمدت الابتعاد عنها، واختتمت الرواية قبل اندلاع ثورة يناير، والتى أعتبرها حتى الآن لحظة صعبة وأكبر من وعيى ومن رغبتى فى أن أجعلها تحت أمرى، واستطيع كتابتها، فالحدث لا يزال أكبر من الكتابة.

• الحلم شريك أصيل فى كتاباتك.. فلماذا تلك الحيلة؟

ــ الحلم موجود فى جميع أعمالى، بدءًا من مجموعتى القصصية الأولى، وبشكل شخصى الحلم يمثل جزءا من فهمى لنفسى وتطورها، وأؤمن تمامًا بأن أحلامى وهذا العالم الموازى بكل ما فيه هو فهم لواقعى، فأنا من أتباع مدرسة التحليل النفسى لـ كارل يونج، مؤسس علم النفس التحليلى، والقائمة على فكرة أن الخلل والاضطراب الذى يصيبنا ناتج عن عدم إشباعنا الروحى وليس الجنسى بعكس أستاذه «فرويد»، وبالرغم من ذلك حاولت فى «مسك التل» الابتعاد عن الأحلام، لكن ذلك كان صعب خاصة أنه كان الجسر الذى ساعدنى فى عبور الأزمنة والتدخل بسلاسة بين الماضى والحاضر.

• للروائح أيضًا جزء أصيل فى كتاباتك فماذا عنها؟

ــ لأن الروائح بالنسبة لى وسيلة أخرى لفهم العالم والتواصل معه، ولهذا فمن الطبيعى أن تظهر فى كتاباتى، فضلًا عن أن الروائح تساهم فى إشراك القارئ وجذبه أكثر إلى عوالم الحكاية، ولهذا أطلب من المشتركين فى ورش الكتابة التى أقوم بالتدريب فيها أيقاظ حواسهم كاملة.

• يتم تصنيفك ككاتبة نسوية.. وهذا التصنيف يحمل بداخله اتهاما بالكتابة من زاوية ضيقة، فهل يضايقك ذلك؟

ــ لدى وعى نسوى بالعالم، وعندى اهتمامات نسوية، ولكن هذا لا يعنى أننى أكتب من أجل الدفاع عن قضايا تحرير المرأة وغيرها، فهذا ليس من أولوياتي؛ بل كتاباتى تنبع من انشغالى بالعالم الداخلى للنساء وأسئلتهن الداخلية وصراعاتهن النفسية، ولهذا لا أنظر لهذا التصنيف كاتهام أو تقليل من شأنى، فأنا أكتب عن عوالمنا بدلًا من أن أمنح الرجل توكيلا ليكتب عنى.

• وماذا عن عملك الإبداعى القادم؟
ــ إلى الآن لا شيء.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك