تظل سيرة رضوى عاشور حية بيننا جميعا، حية بأعمالها وإبداعها المؤثر فى الأدب العربى، وتبقى حية ومؤثرة فى أجيال من الكتّاب بعدها تأثروا برضوى عاشور، وتبقى حية بسيرتها الإنسانية، وكيف تذكر السيرة الإنسانية لرضوى عاشور دون أن تذكر السيرة الأسرية لها.
عائلة أدبية شديدة التميز كونتها الكاتبة والأديبة الراحلة رضوى عاشور، عائلة مكونة من ثلاثة أضلاع: الزوجة رضوى عاشور، الزوج الشاعر الفلسطينى الكبير الراحل مريد البرغوثى، الابن الشاعر الفلسطينى تميم البرغوثى، عائلة مميزة قلما تجتمع، نشأت من لقاء على سلالم جامعة القاهرة بين رضوى ومريد لتكون تلك اللحظة هى لحظة الولادة الأولى لتلك العائلة الأدبية المميزة، والفريدة من نوعها.
رضوى عاشور زهرة العائلة
بالطبع رضوى عاشور فى هذه العائلة هى ضلع محورى من أضلاع المثلث الثلاثة، هى الزوجة والحبيبة والأم، رضوى عاشور هى الأديبة المختلفة والمؤثرة بأعمالها الأدبية الخالدة، وبالطبع حين نتحدث عن إرث رضوى الأدبى، تأتى ثلاثية غرناطة فى المقدمة.
عبر صفحات هذه الرواية، أبحرت رضوى فى عمق التاريخ الأندلسى لتعيد إحياء مأساة سقوط غرناطة فى عام 1491. الثلاثية، التى تضم «غرناطة»، «مريمة»، و«الرحيل»، لم تكن مجرد رواية تاريخية، بل شهادة أدبية على معاناة الشعوب وذكريات الأوطان التى تسلب قسرا.
وفى «الطنطورية»، نقلتنا رضوى إلى فلسطين عبر صوت رُقيّة، الطفلة الناجية من مذبحة الطنطورية. بروايتها، أعادت تصوير النكبة الفلسطينية وما تلاها من تهجير قسرى، بأسلوب يغلب عليه الطابع الفلسطينى بمصطلحاته ونبرته الحزينة.
ولم تكن رضوى مجرد أديبة تسرد القصص، بل كانت شاهدة على معاناة شعوبها، ومرآة لأوجاع الأمة العربية. فى كتابها «أثقل من رضوى»، الذى حمل طابع السيرة الذاتية، فتحت نافذة على حياتها الخاصة وصراعها مع مرض السرطان. بين الأمل واليأس، وبين حزنها على أوضاع بلادها وصمودها الشخصى، شكل هذا الكتاب وثيقة إنسانية تمزج بين السياسة والاجتماع.
مريد البرغوثى متيم رام الله
والضلع الثانى فهو مريد البرغوثى الزوج والحبيب والأب المناضل، الشاعر الفلسطينى المبدع، المهجر الباحث عن الوطن، الذى وجد بعضا منه فى حبيبته رضوى، صاحب الأشعار شديدة التميز وشديدة الثورية، من تغزل فى حبيبته رضوى فى قصيدته المميزة «رضوى»، ومن خاطبها بمشاعر جياشة فى قصيدة «أنت وأنا» التى حملت تمثيلا حيا لعلاقة الثنائى معا.
واحد من أهم أعمال مريد البرغوثى بالطبع هو الكتاب النثرى البديع «رأيت رام الله»، ويقول الكاتب والناقد إدوارد سعيد عن الكتاب: «يحتوى النص على كثير من الأسئلة حول حياة الفلسطينى الغريب، أين يمكنه أو لا يمكنه الإقامة؟ وكم يمكنه البقاء؟ ومتى عليه أن يرحل؟ كما تحوم فى أدواء الكتاب طول الوقت شخصيات ثقافية مرموقة كالروائى غسان كنفانى ورسام الكاريكاتير ناجى العلى، وكأن البرغوثى يذكرنا أن الفلسطينى مهما كان موهوبا أو مرموقا يظل عرضة للموت المفاجئ والإختفاء الذى لا يمكن تفسيره، من هنا تظهر نغمة موجعة حزينة فى السطور.