حكايات القصور.. الحلقة 14: عروض «كيسنجر» لحماية «السادات» وسياساته - بوابة الشروق
السبت 4 مايو 2024 2:24 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حكايات القصور.. الحلقة 14: عروض «كيسنجر» لحماية «السادات» وسياساته

السادات وكيسنجر
السادات وكيسنجر
كتب- حسام شورى
نشر في: الأربعاء 30 مايو 2018 - 2:08 م | آخر تحديث: الأربعاء 30 مايو 2018 - 2:08 م

تواصل «بوابة الشروق» نشر حلقات مسلسلة تروي طرائف ولطائف من حياة حكام مصر في العصر الحديث، من واقع حكايات موثقة كتبها أشخاص معاصرون لهم في مذكراتهم أو كتبهم السياسية، أو رواها الحكام عن أنفسهم.

ولا ترتبط «حكايات القصور» بأحداث خاصة بشهر رمضان، وإن كان بعضها كذلك، كما لا تقتصر «الحكايات» على القصص ذات الطابع الفكاهي، أو المفارقات التي تعكس جوانب خفية في كل شخص، بل يرتبط بعضها بأحداث سياسية واجتماعية مهمة في تاريخ مصر.

فإلى الحلقة الرابعة عشرة:
-------------
بعد حرب أكتوبر وتحديدا يوم 12 يناير 1974 طرح وزير الخارجية الأمريكي «هنرى كيسنجر» موضوع الأمن والتأمين للمرة الأولى خلال اجتماعه مع الرئيس «أنور السادات» فى استراحة أسوان، وكان تقدير الرجلين معا أن التحولات الكبرى فى مصر والسياسات المستجدة على استراتيجيتها بعد حرب أكتوبر تقتضى إجراءات حماية واسعة للرئيس وللنظام، حتى تتمكن تلك التحولات وتترسخ.

وكان مدخل «كيسنجر» إلى طرح موضوع الأمن والتأمين أن الرئيس «السادات» توصل إلى قناعات نهائية فى قراءته لشكل المستقبل فى مصر، وهو مقتنع كل الاقتناع بها، وترتكز سياسته الجديدة على: إن المستقبل لأمريكا، وهو يريد أن تكون مصر فى هذا المستقبل مع أمريكا وليس مع غيرها، وبناءً على ذلك فإنه سوف يتخذ فى سياساته الدولية والعربية منهجا يختلف عما جرت عليه السياسة المصرية من قبل.

وإنه ووفقا لاختياراته بعد حرب أكتوبر على استعداد للتحرك نحو سياساته الجديدة وحده، دون انتظار بقية العالم العربى، ثم إنه سوف يصطف مع الولايات المتحدة فى مواجهة السوفييت، واعتبار حرب أكتوبر 1973 هى آخر حروب مصر ضد إسرائيل، وبالإضافة إلى ذلك، فإن تصوُّره للتطور الاجتماعى المصرى سوف يختلف عن تصورات سلفه، عن يقين لديه بأن متغيرات العالم تثبت أن المستقبل للرأسمالية.

وتبدى لـ«كيسنجر» أن تلك سياسات تتجاوز الحقائق الراهنة فى مصر، وربما تتصادم معها، وساوره الشك فى قدرة «السادات» عليها، وبعدما بحث في واشنطن خطط السادات، وعاد مرة أخرى إلى مصر، وكان جاهزا بخطة أمن رآها ضرورية للرجل المقبل على مخاطر تحول أساسى فى اتجاه مصر، وللاستراتيجية الجديدة التى يتحمل مسئولية سياساتها، وعرض «كيسنجر» فى هذا الاجتماع على الرئيس «السادات» خطة أمن وتأمين يتم تنفيذها على ثلاثة محاور:

1ــ الأمن الشخصى للرئيس، وهو يقتضى إعادة تنظيم حراسة أماكن إقامته فى أى مكان وأى وقت.
2ــ والأمن الإقليمى للدولة فى حركتها على الخطوط الاستراتيجية الجديدة، وهى تشمل عنصرين: أن يكون البلد تحت مظلة منظومة الدفاع الإقليمى الذى تشرف عليه القيادة المركزية الأمريكية المكلفة بالدفاع عن الشرق الأوسط، وأن تتواكب مع هذه المظلة العسكرية، مظلة أمنية تعد شبكة المخابرات الكبرى فى المنطقة، التى تتلاقى فى إطارها جهود الوكالتين الرئيسيتين وهما: وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، ووكالة الأمن الوطنى الأمريكية، وكذلك يكون الغطاء شاملا ــ مدنيا وعسكريا ــ عابرا للحدود بين الدول.
3ــ وبعد الأمن الشخصى للرئيس ــ والأمن الإقليمى للدولة ــ يجىء الدور ثالثا فى خطة «كيسنجر» على الأمن الاجتماعى للنظام، وهو الآن يقتضى إعادة الهندسة الاجتماعية وخلق طبقات جديدة تسند التوجهات الجديدة بأسرع ما يمكن.

وبعد سفر «هنرى كيسنجر» من أسوان بعشرة أيام بعث إلى وزير الخارجية المصري«إسماعيل فهمى» برقية شفرية لإبلاغه أن بعثة على مستوى فنى متقدم سوف تجىء إلى القاهرة لوضع خطة كاملة لتأمين الرئيس، عرض فيها استعداد أمريكا إلى إرسال خبير فى شئون الحماية الشخصية، وخبير فى شئون مقاومة التنصت، ومتخصص فى تدريب المسئولين عن الحماية الشخصية.

وأنه سوف يلحق هذا الفريق بعدة أيام قليلة خبيرا فى الأمن المباشر وفى كشف المتفجرات، واقترح «كيسنجر» في رسالته إرسال فريقا آخر برئاسة المستر «آلان د. وولف» وهو متخصص فى شئون المخابرات، على أن يتم إرسال الفريق بسرعة إلى القاهرة وفى موعد لا يتجاوز 2 فبراير.

وتقاطرت على مصر وفود من خبراء الأمن، وظل بعضها فى مصر لمدة سنتين، تم أثناءها وضع الخطط اللازمة للجزء المتعلق بالحماية الشخصية للرئيس، والإشراف على تطبيقها عمليا، ثم وضع ترتيبات دائمة لأمن الرئيس.

وكانت خطة الأمن الخاص أوسع من مجرد تشديد الحراسة حول الرئيس حيث يكون أو حين يتحرك، فقد كان بين بنودها إجراءات تواجه احتمالات مفاجآت غير متوقعة، ثم قائمة إجراءات تحقق مطالب الأمن المحتملة فى حياة كل يوم.

وبدت بعض الإجراءات مشددة، وأوسع مجالا من المتعارف عليه؛ منها مثلا حرس خاص، وسلاح مختلف، وتدريب أعلى، وقيود وحدود تطبق فى أى مكان يتواجد فيه الرئيس، مع ضرورة تأمين أى موقع يحل فيه قبل دخوله إليه بست وثلاثين ساعة على الأقل، وأن يتنقل الرئيس كلما استطاع بعيدا عن شوارع القاهرة، مع تفضيل المروحيات كوسيلة للانتقال، وأن تتعدد أماكن إقامة الرئيس فى أكثر من مكان، وبحيث لا يستطيع أحد أن يخطط لشىء في أثناء وجوده لمدة معلومة فى مكان معين، وأن يكون معظم تواجده فى مناطق تسهل السيطرة عليها، كما يسهل عزلها عما حولها، كما تتنوع إمكانيات الخروج السريع منها فى حالات الطوارئ، وأن تكون بها مساحات صالحة لاستعمال الهليوكوبتر أو مجارى مياه لاستعمال القوارب، إلى جانب الطرق المفتوحة للسيارات.

ومنها أيضا أن تكون هناك مواقع تمركز جاهزة لتسكين مجموعات من سرايا القوات الخاصة من الحرس الجمهورى تتحرك مع الرئيس حيثما ذهب، أن ترصد حوافز ومكافآت خاصة لقوات البوليس التى تصطف على طرق المواكب، إذا ما اضطر الرئيس ــ لسبب من الأسباب ــ أن يتحرك وسط «مدن»، وأن تتميز هذه المكافآت عن غيرها بأن توضع فى أظرف خاصة عليها شعار رئاسة الجمهورية.

ومرت قرابة عشر سنوات، وتوالت أحداث، وطرأت متغيرات ووقع اغتيال الرئيس «السادات» على منصة العرض العسكرى، يوم 6 أكتوبر 1981، وبواسطة ضابط فى القوات المسلحة، بيده مدفع رشاش من صنع روسى، وفى جيبه مسدس من صنع أمريكى!

- المصدر: محمد حسنين هيكل، مبارك وزمانه من المنصة إلي الميدان ، دار الشروق



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك