تبطين الترع والري الحديث.. طفرة كبيرة تنتظر الريف المصري - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 9:15 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تبطين الترع والري الحديث.. طفرة كبيرة تنتظر الريف المصري

محمد علاء
نشر في: الأربعاء 30 ديسمبر 2020 - 7:52 م | آخر تحديث: الأربعاء 30 ديسمبر 2020 - 9:40 م

مزارع: عانينا من انسداد الترع ونقص المياه على مدى 50 عاما.. ومحصولى تلف فى 2017 نتيجة لتأخر وصول مياه
المشرف على المشروع: نستهدف تبطين 7 آلاف كيلو متر من الترع خلال عامين لحل أزمة وصول المياه للنهايات.. والانتهاء من تأهيل عدد من الترع «المتعبة» بإجمالى أطوال 600 كيلومتر
ومتحدث باسم «الرى»: التبطين يوفر فواقد التبخر والتسرب.. ونستهدف تحديث الرى فى مليون فدان منتصف 2021.. و«روابط المستخدمين» تنظم صفوف المزارعين وتعالج العديد من المشكلات
أنظمة الرى الحديث تخفض التكاليف وتزيد المحصول كما وكيفا

لسنوات طويلة من عمله فى الزراعة، عانى رشاد البنهاوى (62 عاما) الأمرين لتوفير المياه الكافية لرى أرضه، التى تقع فى نهاية ترعة أبو خليفة بمنطقة مريوط فى محافظة الإسكندرية، لكن يبدو اليوم مختلف وأعمال «التبطين» التى تابعها لأسابيع جاءت بخبر سار له.

رشاد تحدث لـ«الشروق» بعدما انتهى من رى أرضه، التى تزد مساحتها عن الفدانين، قائلا: «بقالنا 50 سنة بنعانى من الحفر والتطهير وسد الترع بسبب الطمى والحشائش لكن الدور ده المياه اللى خرجت من العمومى من فوق كانت بتجرى على الأسفلت والناس كلها روت».

وتذكر البنهاوى واقعة تلف جزء من محصول الذرة فى أرضه فى موسم 2017 نتيجة لتأخر وصول مياه الرى إليها، قائلا «المناوبة المفروض 5 أيام (تتواجد فيها المياه) و20 أو 25 يوما (تغيب) لكنها كانت تصل إلى فترة من 40 إلى 45 يوما، وأحيانا أكثر، خاصة فى الصيف».

رشاد كغيره من أهالى قريته يتشوق لاكتمال أعمال تبطين ترعة أبو خليفة بعدما لمعت أعينهم أملا حين تابعوا المياه تنساب فوق الألواح الخرسانية التى نفذتها وزارة الرى على نموذج من الترعة بطول 430 مترا.


من جانبه، أكد مدير هندسة رى مريوط، حسام عبدالواحد، لـ «الشروق»، الانتهاء من تبطين ترعة «أبو خليفة»، التى تمتد لمسافة 8.290 كيلومتر، خلال عام 2021، بتكلفة إجمالية تتجاوز 13 مليون جنيه.

                                                     ترعة أبو خليفة - قبل التبطين

                                                    ترعة أبو خليفة - بعد التبطين

وقال مستشار وزير الرى والمشرف على مشروع «تأهيل وتبطين الترع»، محمود السعدى: إن المشروع يستهدف إعادة تأهيل 20 ألف كيلو متر، منها 7 آلاف كيلومتر ضمن المرحلة العاجلة التى بدأ تنفيذها فى يوليو الماضى ومن المقرر أن تنتهى بحلول 30 يونيو 2022، بتكلفة تقديرية 18 مليار جنيه.

وأوضح السعدى لـ«الشروق» أن المرحلة العاجلة تستهدف الترع المتعبة والموجودة فى نهاية شبكة الرى، والمصابة عادة بـالاستبحار (تآكل جانبى الترعة واتساع حجمها)، وتعانى بشكل مستمر من عدم وصول أو كفاية المياه.

وبين السعدى، الموقف التنفيذى للمشروع؛ مشيرا إلى الانتهاء من طرح وتدبير الاعتمادات المالية لتنفيذ 511 عملية تبطين لترع بإجمالى أطوال 4 آلاف و400 كيلومتر، فى 20 محافظة، منها: «أسوان والمنيا فى الوجه القبلى، والجيزة والقليوبية فى القاهرة الكبرى، والبحيرة ودمياط فى الوجه البحرى»، بتكلفة تقديرية 13.6 مليار جنيه.

وأكد السعدى الانتهاء من تأهيل عدد من الترع «المتعبة» بإجمالى أطوال 600 كيلومتر، وأنه جارٍ العمل فى مسافة 3 آلاف و500 كيلو متر، بالتزامن مع السير فى إجراءات طرح وترسية أعمال التأهيل لإجمالى 840 كيلومترا أخرى.


«نموذج فعال»
وبينما يقلب رئيس مصلحة الرى سابقا عماد ميخائيل، فى أوراق تاريخ الرى المصرى لا يجد نموذجا فعالا أفضل من «تبطين الترع» لحل أزمة مياه الرى، مشيرا إلى أن سبعينيات القرن الماضى، وبعد الانتهاء من بناء السد العالى وتوقف الإطماء، ظهرت أنواع من الحشائش الضارة، التى تستهلك جزءا من المياه فى الترع وتعيق سريانها.

وأضاف لـ «الشروق»: «تزامن الأمر مع الاعتماد على المعدات الميكانيكية فى أعمال التطهير، وتلك جارت على الترع ليظهر ما يعرف بـ (الاستبحار)؛ وبالتالى انخفض فيها منسوب المياه وتباطأت حركتها، ومن ثمَ ظهرت مشكلة تأخر أو عدم وصول مياه الرى إلى نهايات الترع، وخسارة العديد من المزروعات».

ونوه إلى وجود مشروع لتغطية الترع داخل الكتل السكنية فى التسعينيات؛ متابعا: «أظهرت التجربة بعض العيوب بسبب سلوكيات بعض الناس من إلقاء القمامة والحيوانات النافقة وغيرها ومن ثمَ انسداد المجرى المائى وصعوبة عملية التطهير».

وعن الآثار البيئية للمشروع وتداعياته على الأحياء المائية، يعتقد ميخائيل أن أعمال التبطين سيكون لها دور إيجابي؛ فهي توفر بيئة أنظف للأسماك التي تعيش في هذه المياه، وهي شبيهة نوعا ما بتلك الموجودة في مشروعات الاستزراع السمكي.

ويشير أيضًا إلى وقائع سابقة لنفوق أسماك داخل بعض الترع بفعل التلوث من القمامة وقلة نسبة الأكسجين في الماء بسبب الطحالب والحشائش الضارة في قاع الترع.



«فوائد متعددة»

وعدد المتحدث باسم وزارة الرى، محمد غانم، فوائد تبطين الترع، قائلا: إنه سيسمح بإدارة وتوزيع المياه بكفاءة عالية ويحقق العدالة بين المزارعين، ويضمن توصيل المياه بالكمية المطلوبة فى الوقت المحدد إلى أن التجارب العملية أظهرت اختصار المشروع للوقت اللازم لوصول المياه من بداية إلى نهاية الترعة الفرعية إلى يومين فقط بدلا من 5 أيام.

وأشار إلى أن تبطين الترع سيقلل فواقد المياه نتيجة البخر «فوجود المياه فى المجرى المائى 5 أيام تحت أشعة الشمس يختلف عن وجودها ليومين فقط»، وأيضا فواقد الرشح أو تسرب المياه إلى التربة، بالإضافة إلى الاكتفاء بضخ كمية المياه المطلوبة فقط وعدم الاضطرار للدفع بكميات أكبر كما كان يحدث فى السابق لإيصال المياه لنهاية الشبكة.


وواصل: «تبطين الترع سيمنع ظهور الحشائش الضارة ويخفِض تكاليف أعمال التطهير السنوية، التى قال إنها تصل إلى مئات الملايين من الجنيهات، فضلا عن العائد الاقتصادى المباشر فى أثناء عمليات التأهيل؛ فالمشروع يوفر الآلاف من فرص العمل»، مردفا: «تبطين الترع ووصول المياه إلى المزارعين بعدالة هو أحد أضلاع مثلث تطوير الريف المصرى، الذى يكتمل بتحديث نظم الرى وتنظيم صفوف المزارعين عبر روابط تضمن التنسيق فيما بينهم لحل المشكلات العارضة».

ورفض غانم تقدير حجم الوفر فى استهلاك المياه نتيجة للمشروع، قائلا إن ما يتداول من أرقام ونِسب عبر عدد من وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعى غير دقيق؛ «فالأمر يحتاج إلى بعض الدراسة والحسابات فى مرحلة لاحقة، خاصة وأن توفير المياه ليس الهدف الرئيسى من المشروع».


وعن واقعة تحطم أجزاء من أعمال التبطين، يوضح المتحدث باسم الري أن المشروع قائم على تقسيم الترعة إلى باكيات/ ألواح بعرض 3 أمتار وبفاصل حوالي 2 أو 3 سنتيمتر؛ وبالتالي إذا تعرض أي منها لضرر مستقبلا، وهو شئ متوقع بمرور الزمن مع الحرارة والبرودة، يمكن فك الباكية فقط وصبها مرة أخرى بدلا من تضرر الترعة بالكامل؛ مؤكدا إجراء صيانة دورية غير مكلفة للترع.

«شحن المياه»
فوائد مشروع لم تنتهِ؛ حيث يقول عضو جمعية فلسطين الزراعية والمشرف على ترعة أبو خليفة بربرى أبو أحمد: إن المشروع سيمنع أيضا هدر كمية كبيرة من المياه كانت تذهب هباء على جانبى الترع، منوها بأن بعض المزارعين كانوا يلجأون إلى شحن المياه من الترع الرئيسية، ومنها ترعة النوبارية؛ لرى أراضيهم قبل أن تجف، عبر مواسير (غير شرعية) وماكينات ضخ، تستهلك نحو 4 صفائح من «الجاز» لنقل ما يكفى لرى فدان واحد، ما يعنى تحمل المزارع 500 جنيه على الأقل لتوفير المياه.



ويقطن الريف المصرى 57.2% من إجمالى عدد السكان، الذى جاوز 101 مليون نسمة فى عام 2020، بحسب الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، فيما تمتد الرقعة الزراعية المصرية على مساحة 9.4 مليون فدان، وفق أحدث بيانات وزارة الزراعة واستصلاح الأراضى.
وتستهلك الزراعة نحو 85% من الموارد المائية الشحيحة بالأساس؛ حيث تعانى مصر عجزا مائيا يقدر بنحو 21 مليار متر مكعب سنويا فضلا عن 34 مليار متر مكعب تستوردها فى صورة منتجات غذائية كل عام، طبقا لتقديرات وزارة الرى.

«الري الحديث»
وبين المتحدث باسم وزارة الرى أن مشروع «الرى الحديث» إحدى آليات خطة الدولة لتقليل الفاقد وترشيد الاستهلاك، موضحا أنه يعنى استخدام الوسائل الحديثة فى رى الأراضى الزراعية، ومنها: الرش أو التنقيط أو الرى تحت السطحى، وهى تصل بالمياه المطلوبة فقط إلى «جدر النبات» مباشرة بدلا من الوسائل التقليدية، مثل الرى بالغمر، التى تهدر كمية كبيرة من المياه.

وأضاف أن وزارة الرى تعمل فى هذا المشروع وفق مسارين، أولهما: حث المزارعين على تحويل أراضيهم (وبخاصة الموجودة على جانبى الترع التى تستهدفها أعمال التبطين) إلى نظم الرى الحديث مقابل حوافز عديدة منها الحصول قروض بفائدة ميسرة 5%، والثانى: يستهدف تطوير رى قطع الأراضى الزراعية الصغيرة فى المناطق الأكثر احتياجا بقرى مشروع «حياة كريمة» على نفقة الدولة.



وشدد غانم لـ«الشروق» على أن الدولة تستهدف تحويل مليون فدان من الأراضى القديمة إلى «الرى الحديث» بحلول منتصف 2021، لافتا إلى أن ما جرى حصره من أراضٍ تحولت إلى «رى الحديث» يقارب 300 ألف فدان على مستوى محافظات الجمهورية، وهناك نحو 50 ألف طلب حتى الأسبوع الماضى لدى البنك الزراعى للاقتراض لتنفيذ الشبكات.

وأشار إلى أن شبكة الرى الحديث تكلف ما بين 6 إلى 7 آلاف جنيه للفدان الواحد، ولكنها ستخفض مصاريف الإنتاج الزراعى فيما بعد من جانب وترفع إنتاجية المحصول بنسبة 30 إلى 40% من جانب آخر، ما يعنى تحقيق عائد أكبر للمزارع، لافتا إلى أن زيادة الإنتاجية الزراعية على نفس الزمام (المساحة المزروعة) له بعد استراتيجى؛ بالنظر إلى العجز الحالى فى الإنتاج الغذائى واستيراد أغذية ومنتجات كل عام مقابل مليارات الجنيهات.

وتصف وزارة الرى، المزارع أحمد جابر بأنه «أحد رواد التحول إلى الرى الحديث«؛ حيث كان نجاح تجربته فى زراعة الفراولة والبطاطس فى أرضه، الممتدة لقرابة 20 فدانا على ترعة اليوزباشى بمحافظة المنوفية، دافعا للعديد من جيرانه لتحويل أراضيهم إلى نظم الرى الحديث، بإجمالى 1500 فدان.


ويوضح جابر أن استخدام نظم الرى الحديث ساهم بشكل كبير فى زيادة إنتاجية المحصول ومضاعفة أرباحه ورفع جودة المحاصيل المنتجة، وهو ما سمح له بتصدير محصول الفراولة إلى الخارج، مبينا أن إيجار فدان الرى الحديث ارتفع من 15 ألف جنيه إلى 24 ألف جنيه، وتتعدى إنتاجيته ضعف الإيجار نتيجة الوفر فى مصاريف الإنتاج وزيادة الإنتاجية كما ونوعا.

وأوضح مزارع آخر، فى فيلم وثائقى أنتجته وزارة الرى، أنه كان يستهلك 100 شيكارة سماد لكن بعد التحول إلى «الرى الحديث» بات يحتاج إلى 15 شيكارة فقط؛ فضلا عن التوفير فى العمالة.



«الري بالمحمول»
فى خضم الحديث عن تجديد نظم الرى، أعلن وزير الرى، محمد عبدالعاطى، فى مطلع ديسمبر، أن الفلاح سيتمكن من رى أرضه الزراعية من منزله عبر الهاتف المحمول.

ولفت غانم، إلى أن مهندسى الوزارة ابتكروا جهازا شديد البساطة عبارة عن عمود معدنى مزود بمؤشر يحدد مدى احتياج النبات للمياه بمجرد وضعه فى التربة، مضيفا أن ذلك بدلا من الاعتماد على الخبرة الشخصية للمزارع التى قد تجهد النبات سواء بزيادة أو شح المياه.

وتابع بأن الوزارة نجحت أخيرا فى تجربة توصيل هذا الجهاز بالهاتف المحمول من خلال برنامج بسيط مربوط أيضا بشبكة الرى الداخلية، بما يسمح بفتح وإغلاق الشبكةــ عن بُعدــ وفق احتياج النبات.



«روابط المستخدمين»
بالتوازى مع العمل الجارى فى الترع وتحديث نظم الرى، تستهدف وزارة الرى تنظيم صفوف المزارعين عبر روابط لمستخدمى المياه، وهو الضلع الثالث فى منظومة تطوير الريف المصرى.

ويشرح غانم، الهدف من هذه الروابط، قائلا إنها تعالج مشكلة تفتت الملكيات الزراعية «فقد نجد 400 مزارع مثلا يمتلكون 500 فدان على ترعة تخدم 40 أو 50 ألف فدان، وبالتالى تنشأ مشكلات فى تنسيق عملية المناوبات (ضخ المياه فى أجزاء الترعة بالتبادل) فضلا عن مشكلة أخرى فى التواصل بين الدولة والمزارعين».

وأكمل: «إذا شكل أصحاب الحيازات الزراعية المفتتة تجمعا أو رابطة فسيسهِل التواصل فيما بينهم من حل المشكلات العارضة كالخلاف حول مناوبات الرى، كما يسهل اختيار ممثل عنهم للتواصل مع مهندس المركز أو مدير عام الرى لحل أية مشكلات تواجه أى منهم»، مؤكدا أن تحقيق المزيد من هذه الروابط مع تنظيم عملية الرى سيصل بشكاوى مياه الرى إلى الصفر.




قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك