حارسة الحكايات.. سجون نختار أن نحيا فيها - بوابة الشروق
الأربعاء 30 أبريل 2025 7:49 م القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

حارسة الحكايات.. سجون نختار أن نحيا فيها

إيمان صبري خفاجة
نشر في: الجمعة 31 يناير 2025 - 8:00 ص | آخر تحديث: الأحد 23 فبراير 2025 - 5:29 م

علاقة غريبة تلك التي تجمعنا بالماضي، ماضي الأشياء والأحداث وحتى الماضي الخاص بالآخرين. مشغولون نحن بما حدث حتى تحول إلى سجن كبير لا نستطيع الخروج منه، والسبب لسخرية القدر أننا المسجون والسجان في آن واحد. نحن من نستدعي الماضي مهما كان للواقع من غلبة وحضور قوي، فدائمًا يطل الماضي في صور مختلفة باختلاف شخصية كل منا، بين الحنين والندم.

في قصص "حارسة الحكايات"، أحدث أعمال الكاتب إبراهيم فرغلي الصادرة عن دار الشروق خلال فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب 2025، يستحضر الكاتب طريقة تعامل كل منا مع الماضي. يستعرض السجون التي بداخلنا ونعيش فيها بمحض إرادتنا، فنتشابه بالرغم من اختلاف الزمان والمكان والشخصيات، وذلك من خلال ثماني حكايات تدور أحداثها بين عوالم متعددة، بين الحقيقة والفانتازيا التي نكتشف أنها الواقع ولكن بصورة مختلفة.

أشباح المغارة

لا أحد يعرف كيف وقعت هذه المجموعة من الرجال في الأسر، أو ما هي طبيعة المعركة وأسبابها. حتى أسباب خروجهم بعد سنوات من السجن ظلت مجهولة، لكن ما يعرفه الجميع أن حصولهم الكامل على حريتهم يشترط أن يستعد كل واحد منهم لمواجهة ماضيه. عليهم أن يخرجوا في مجموعات منتظمة وفق معلومات محددة يجب تنفيذها بدقة لتحقيق المواجهة، لكن المشكلة الأكبر أن صورة كل منهم في الماضي مجهولة الهوية، مما أدى إلى تفاقم الأمور ووقوع معارك غير محسوبة وبالتبعية المزيد من الخسائر.

في هذه الحبكة إسقاط روائي على رغبة كل منا في تصحيح أخطاء الماضي التي ندركها وفق معطيات الحاضر. وهنا السؤال: هل التغيير الذي ندرك أهميته يمكن أن يتحقق إذا حدثت المعجزة بالرجوع بالزمن أي عودة الماضي؟ وإذا رجعنا بالزمن، هل تتغير معطيات هذا الزمن وظروفه؟ فالإدراك الذي نعيشه الآن كان يقتضي مرور الأيام، أي أن يصبح ما حدث ماضيًا. وإن حدثت المواجهة وبدأنا التغيير وتصحيح ما حدث، هل يمنعنا ذلك من ارتكاب أخطاء جديدة تحول الحاضر إلى شبح جديد وقد تزيد من تشويه الماضي؟ وإن حدث التغيير بسلام دون المزيد من الخسائر، هل يمكن أن نغير مصير الضحايا أو نعوضهم عن معاناتهم؟

سينيمافيليا

يحدث كثيرًا أن يحرق أحدهم مراكب الحياة من خلفه ويذهب في رحلة جديدة، يظن بذلك أنه قد تخلص نهائيًا من ماضيه، من هزائم الوطن والهزائم الشخصية. فتأتي الغربة والوحدة لتواجهه بهذا الماضي، بل تصبح فرصة للتفكير فيما تركه خلفه. ويزداد الأمر حدة على النفس حين يلتقي أحدًا يشبهه في الفعل والرغبة، بالرغم من انتمائه إلى بلاد أخرى، لكن الهزائم الإنسانية دائمًا تتشابه.

فيتحول كل منهم إلى فرصة يغتنمها الآخر للهروب من واقع اللحظة التي تستوجب مواجهة واعترافات تبدو لحظية كطيف ينسينا مروره السريع. فإذا بالماضي ماثل أمام أعينهم وكأنه لم ينتهِ. هذا ما يعاني منه بطل الحكاية حيث ذهب إلى فرنسا للبحث عن فرصة جديدة للخلاص من أثر هزائمه، أو لعلها تصالحه على ماضيه. فهل يمكن أن تتحقق تلك الأمنية؟

قصر العزلة

في "قصر العزلة"، نجد فرصة للصحفي النابه الذي طالما وضع على كاهله العديد من المهام الصحفية والإنسانية بهدف إنقاذ الآخرين لمواجهة نفسه. في مهمته الجديدة التي تأخذه إلى واحدة من دور المسنين، حيث ينتظر لساعات، يستعيد المهام التي أفنى فيها حياته. هل كان على صواب؟ هل الجانب الذي عرفه من الحكايات يكفي لأن يكون الحقيقة التي يطلق على أساسها الأحكام؟

العديد من التساؤلات والإشكاليات يواجهها بطل الحكاية في صحبة مكتبة كبيرة ينتظر لحظة تنفيذ مهمته الجديدة التي تقتضي تسليم مظروف يجهل ما فيه لشخص لا يعرفه. في هذه الحكاية بالتحديد روابط مشتركة بين القصص التي يرويها الكاتب، فيها الواقع بحقيقته والفانتازيا، وتنوع أساليب السرد، فضلاً عن الحضور الطاغي للأدب بعناوين لأعمال روائية من الأدب العالمي، والحيرة التي يفرضها تداخل السرد والشخصيات بين المعلوم والمجهول من الشخصيات، حيرة بينك وبين الآخر الذي تشعر أنه أنت ولكن الاختلاف الوحيد في الظروف.

حارسة الحكايات

في هذه الحكاية، يدق الكاتب بابًا من أبواب التاريخ، يروي حادثة من أحداث الأندلس حيث تقوده الصدفة إلى أحد القصور التاريخية التي كان يظن أنه يعرف حكايته الحقيقية ويحفظها عن ظهر قلب. فإذا به أمام حقيقة الحكاية التي لم يهتم بشواهدها أحد، ترويها سيدة لم تفارق القصر منذ بنائه لتظل حارسة للحكاية حتى وإن لم يبحث عنها أحد.

وتظل الأحداث تنتقل بك بين التاريخ والحاضر، وبين الحقيقة والخيال، فيرصد الكاتب شغفنا بالتاريخ الذي تحددت على أثره مصائرنا. ولم يفكر أحد أنها في أول الأمر وآخره كانت أحداثًا لبشر، أخطاء إنسانية حتمًا تحتمل الصدق أو الكذب. ولكن هل معرفة حقيقة ما كان يمكن أن تغير في الواقع من شيء؟

كضربتين في معركة

يعاني بطل الحكاية من إصابة في قدمه جراء معركة حامية على أثر أحداث ثورة أو تمرد ما. تجتمع العديد من التوجهات والشخصيات بين حقيقة ما حدث في الأمر الواقع وبين خيالات البطل التي سيطرت عليه جراء الإصابة، وبين استعادته لماضي اللحظة الذي تجلى في التحذيرات من الخروج على النظام أو القيام بأي محاولة بهدف التغيير الذي قد لا يعني ولا يهم أحدًا سواه.

لكن يظل أهم ما يميز هذه الحكاية بأحداثها المتداخلة أنها تصبح أكثر وضوحًا من خلال الحكاية التي تليها وكأنها جزء منها يمهد لها، حكاية "الأسود الجميل".

الأسود الجميل

في هذه الحكاية، يتأمل البطل كيف سقطت الأم فجأة طريحة الفراش تعاني مجموعة من الأمراض تكالبت عليها في هجمة واحدة، فتحول البيت العامر بالأمل إلى خراب. وفي جولته بين المستشفى وشوارع المدينة، يستطيع أن يتأمل منزله عن بعد، نظرة متأملة للعمارة التي تكالبت عليها عوامل الزمن فسيطر عليها اللون الأسود، ويتساءل كيف أصبحت على هذا الحال خلال 30 عامًا، وكيف استطاع سكانها غض بصرهم وصمتهم على هذا الحال؟

ثم تأتي اللحظة الفارقة حين يسمع صرخات استغاثة لفتاة شابة تذكره بصوت أمه، ليعبر الكاتب عن لحظات الأمل الذي ينبثق من ظلمة اليأس. فبرغم رحيل الأم الذي لم يعد يحتمل الشك، يظهر الأمل في ظهور الفتاة التي يشترط وجودها معها أن يتمكن من حمايتها بالتمرد، حتى ولو أدى به الأمر أن يشعل فتيل ثورة.

مقابر الذاكرة

تنطلق الأحداث من لحظة فارقة في تاريخنا الحديث حين قُصفت العراق الحبيب. كانت فرصة البطل لاستدعاء الماضي في صورة صديق قديم ودعه في ظروف غامضة. يتذكر حكايته في زيارته للمقبرة، هذه اللحظة تعبر من خلالها الكاتب أن هذه اللحظات التي نوشك فيها أن نفقد ضحايا جدد نستعيد سيرة الضحايا السابقين، وكأن العالم لا يكتفي من هذا الخطأ الذي لا يغتفر ولا يمكن تصحيحه.

ثم ندرك مع خط سير الحكاية أن ذاكرتنا مقبرة كبيرة، لكنها مقبرة يمكن أن يعود سكانها للحياة في أية لحظة، شرط أن تستدعيهم أو تأتي لحظة مشابهة تحيي الذكرى القديمة، وتلك صورة أخرى من عذابات استعادة الماضي.

امرأة من أقصى المدينة

يظن الكثيرون أن الهروب هو الملاذ الأكيد والوحيد للتخلص من أعباء الماضي، لتطهير أنفسنا مما اقترفناه أو مما حملناه من أخطاء الآخرين التي نتوارثها في صورة حكايات. وهذا ما فعله أبطال الحكاية، رجل وامرأة، كل منهما جاء من مجتمع آخر مختلف تمام الاختلاف عن المدينة حيث لقائهم. نسي كل منهما أن السجن الحقيقي بداخلهم، أنهم غيروا المكان لكن طرق التفكير والأثر الذي يصر كل منهما أن يحمله ليذكره بماضيه ما زال كما هو. فكيف يمكن أن يتحقق الخلاص؟ بل في هذا الوضع يتجدد العبء، ففي لقائهم كشفت الأوراق وتحول كل منهما إلى كرسي اعتراف للآخر، يرى من خلاله حقيقة نفسه التي طالما هرب منها، وهي ملاذه الوحيد للخلاص.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك