«عائد إلى حيفا» لغسان كنفانى.. حق العودة الذى لا يموت - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 4:52 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«عائد إلى حيفا» لغسان كنفانى.. حق العودة الذى لا يموت

كتبت ــ إيمان صبرى خفاجة:
نشر في: السبت 27 أبريل 2019 - 3:24 ص | آخر تحديث: السبت 27 أبريل 2019 - 3:24 ص

فى إبريل عام 1936 ولد الكاتب الفلسطينى «غسان كنفانى» بمدينة عكا شمال فلسطين، عاش السنوات العشر الأولى من حياته فى مدينة يافا حتى نكبة احتلال فلسطين عام 1948؛ فأجبر على مغادرتها واللجوء إلى لبنان ثم سوريا حيث عمل فى دمشق ثم الكويت وعاد مرة أخرى إلى بيروت عام 1960 التى لم يفارقها حتى استشهاده فى الثامن من يوليو عام 1972.
من يافا إلى بيروت رحلة قصيرة استطاع كنفانى أن يخلق منها رمزا لقضية شعب بأكمله؛ حين سخر حياته للتعبير عنها من خلال مئات المقالات، بالإضافة إلى ثمانية عشر كتابا ترجمت إلى العديد من اللغات.
كانت رواية «عائد إلى حيفا» من أهم هذه الأعمال الأدبية، أصابت القراء والواقع الثقافى بحالة من الارتباك عقب صدورها عام 1969؛ فقد تناولت الرواية الواقع الفلسطينى وحلم العودة بشكل مختلف وصادم أدى إلى ترجمتها لأربع لغات وتحويلها عام 1981 إلى فيلم سينمائى، كما استمد الفيلم الإيرانى «المتبقى» أحداثه من الرواية، بالإضافة إلى مسلسل للتليفزيون السورى وعرض متميز للمسرح الأردنى.
وضع كنفانى من خلال أحداث الرواية جميع أطراف القضية الفلسطينية وجها إلى وجه ليناقش الواقع الفلسطينى ويطرح وجهة نظر كل منهم فنلتقى بأبطال الرواية بترتيب الأحداث والقضية أيضا.
قرر «سعيد وصفية» زيارة مدينة حيفا وفقا للقرار الذى أصدرته قوات الاحتلال الإسرائيلى فى الثانى من يوليو 1967؛ بالسماح للاجئين الفلسطينيين بزيارة المدن والقرى التى هجروا منها منذ السنوات الأولى للنكبة.
لم يكن هذا القرار سوى نكبة ثانية أدركها سعيد وهو يتجول فى حيفا المدينة التى يحفظ شوارعها عن ظهر قلب وقد تغيرت أسماء الشوارع والسكان؛ أحكم الاحتلال قبضته على الأرض، فماذا عن «خلدون»، الطفل الذى تركوه رغما عنهم فى المنزل حين داهمتهم قوات الاحتلال وطردتهم من المدينة عام 1948؟ يتمكن سعيد وصفية من زيارة المنزل، وفى مفاجأة لم يتخيلها أى منهم تستقبلهم السيدة التى سكنت المنزل عقب تهجيرهم وتبنت الطفل، جاء الكاتب بهذه السيدة لتعبر عن هؤلاء الذين حولهم الأمر الواقع وضعفنا إلى جلاد بالرغم من اعترافها بحقهم العربى فى الأرض والمنزل، أما عن الطفل فقد كان مفاجأة ثانية.
أصبح الطفل شابا مجندا فى القوات الإسرائيلية، رمزا للإنسان الذى تتحكم فى تكوين شخصيته ومعتقداته التربية لا الأصول التى ينتمى إليها؛ فالانتماء لا يورث كما تورث الملامح، الانتماء إلى الأرض والوطن من المستحيل أن يأتى أبدا بالتبعية،» دوف أو خلدون» ما هو إلا وجهان لعملة واحدة هى الإنسان الذى من الممكن أن تحوله النشأة إلى صاحب حق أو معتدٍ.
لم يمر لقاء «سعيد وصفية» بطفلهما الذى كان مرور الكرام بل تحول إلى مواجهة وضعنا الكاتب من خلالها أمام العديد من الحقائق الصادمة ولكنها الواقع والحقيقة الوحيدة؛ فقد رصد الكاتب الذاكرة الفلسطينية التى كانت وما زالت تحفظ ملامح الشوارع وتفاصيل البيوت عن ظهر قلب، بالاضافة إلى أحداث الماضى ولكن هل يكفى ذلك للدفاع عن القضية وإثبات الحقوق والمطالبة باسترداده؟
لم ينكر الكاتب أهمية تلك الذاكرة ولكنها لا تكفى؛ فالماضى كى يثبت صحته يحتاج إلى حاضر ومستقبل قوى يؤمن به ويدافع عن حقيقة وجوده، هذا المستقبل قد يكون أجيالا لم تولد على أرض فلسطين ولم تعايش سنوات التهجير ولكنهم يحملون القضية فى ضمائرهم كجزء لا يتجزأ من أحلامهم وحقيقة وجودهم وانتمائهم.
كما أكد الكاتب أن الوطن لا يمكن اختصاره فى حكايات الماضى، ولا يكفى البكاء على الأطلال للدفاع عنه ولم ينكر أن أحد أسباب النكبة هو ضعف وتخاذل فينا، هذا الضعف لا يتعارض ولا يقلل أبدا من حقيقة وجود بطولات ومحاولات الشهداء الذين سقطوا دفاعا عن الأرض ومنهم «بدر اللبدة» شهيد الدفاع عن مدينة يافا، أحد أهم حكايات الرواية.
بالرغم من أن عدد صفحات الرواية لا يزيد عن 80 صفحة من القطع المتوسط؛ تحمل بين طياتها العديد من الأفكار والحقائق التى يمكن طرحها ومناقشتها فى مجلدات وتلك النقطة كانت أهم ما يميز الرواية، بالإضافة إلى أن الكاتب لم يقف بالوصف الدقيق أمام ملامح الأبطال فهى متكررة طالما بقيت المعاناة التى تجمع الشعب الفلسطينى بأكمله.
لم يضع الكاتب نهاية محددة للأحداث بل ترك النهاية مفتوحة يحددها المستقبل، لكنه أكد على حقيقة واحدة؛ أن الحق الفلسطينى لا يمكن استرداده سوى بحرب متكافئة هذا التكافؤ لا يمكن أن يحدث إلا إذا وقفنا أمام حقيقتنا واعترفنا أننا كنا شركاء فى ضياع هذا الحق شئنا أم أبينا وأن كل بيت فلسطينى قد دفع الثمن بطرق مختلفة، وأن الرغبة فى المقاومة لا بد أن تظل حية حتى لا تبعد المسافات بيننا وبين الطريق إلى حيفا أكثر من ذلك، حتى لو سقط منا فى كل دقيقة واحد.. وتلك هى الحقيقة التى ظل «غسان كنفانى» يرددها قائلا: «تسقط الأجساد لا الفكرة».



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك