الاقتصاد السياسـى للفسـاد - محمود عبد الفضيل - بوابة الشروق
السبت 4 مايو 2024 9:14 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الاقتصاد السياسـى للفسـاد

نشر فى : الجمعة 1 أبريل 2011 - 10:44 ص | آخر تحديث : الجمعة 1 أبريل 2011 - 10:44 ص

 قديما تحدث «ابن خلدون» فى مقدمته الشهيرة عن «الجاه المفيد للمال» وكأنه يقرأ واقعنا المعاصر. إذ يرى ابن خلدون أن المال تابع للجاه والسلطة، وليس العكس، كما يحدث فى بلدان أخرى.

وإذا كان البعض يكونون الثروات ويحققون التراكم المالى من خلال «التجارة»، فقد أشار ابن خلدون إلى الأحوال الكثيرة التى تختلط فيها «التجارة» «بالإمارة». إذ يكتسب البعض من خلال المنصب والنفوذ الإدارى فى جهاز الدولة أوضاعا تسمح لهم بالحصول على المغانم المالية وتكوين الثروات السريعة، وهى تسمى عادة بمثابة «ريع المنصب».

ولعل تلك الخصائص لعمليات التراكم المالى (وليس الإنتاجى) هى التى ميزت العديد من بلدان العالم الثالث، وهى التى دفعت عالم الاجتماع الفرنسى المرموق «بيير بورديو» إلى صك مفهوم «رأس المال الرمزى» ليقابل به «رأس المال المادى» الملموس والمتعارف عليه.
فهؤلاء الذين يقبضون على مقاليد ومكونات «رأس المال الرمزى»، فى ثنايا هيكل السلطة، لهم دور مهم فى إعادة «إنتاج الفساد». وسد الطريق أمام «التراكم الإنتاجى».

وفى ظل غياب الديمقراطية، يصعب وضع الحدود الفاصلة بين «التجارة» و«الإمارة». ولعلنا شهدنا منذ تشكيل «وزارة نظيف الثانية» استعداد نفر من كبار رجال الأعمال للانتقال من مواقع «التجارة» وإدارة الأعمال الخاصة إلى مواقع السلطة والجاه الإدارى، لأنهم دون أن يقرءوا «ابن خلدون» عرفوا من خبرتهم أن «الجاه مفيد للمال».

ولعل ما تكشف عنه الصحافة المصرية هذه الأيام من وقائع خطيرة للفساد، وما يتداوله الجميع فى مجالسهم يدل على مدى تغلل قيم الفساد وممارساته فى جميع مناحى حياتنا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

ويمكن حصر أهم مكونات «اقتصاد الفساد» فى عصر مبارك، على النحو التالى:

ــ تخصيص الأراضى: من خلال قرارات إدارية علوية، تأخذ شكل «العطايا» بأسعار رمزية بخسة، لتستخدم فيما بعد فى المضاربات العقارية.

ــ عمليات الإثراء من خلال المضاربات فى بورصة الأوراق المالية.

ــ عمليات خصخصة شركات قطاع الأعمال العام.

ــ عمولات عقود البنية التحتية وصفقات السلاح.

ــ العمولات والإتاوات التى يتم الحصول عليها بحكم المنصب أو الاتجار بالوظيفة العامة (ريع المنصب).

ــ رشوة رجال الصحافة وجهات الأمن (عن طريق الرشوة النقدية والعينية وغيرها من المدفوعات الخفية) لتسهيل مصالح غير مشروعة والحصول على «امتيازات خاصة».

وجدير بالإشارة هنا، أن ممارسات الفساد ليست مجرد ممارسات فردية خاصة، وإنما هى تتحرك من خلال «أطر شبكية» و«مافيات» منظمة.

وهكذا تكتسب ممارسات الفساد نوعا من «المؤسسية» فى إطار «تلك المنظومات الشبكية».

ولذا فهناك أهمية كبرى لعملية التحول الديمقراطى الجارية بعد ثورة 25 يناير، لأنها سوف تساعد على توسيع رقعة الديمقراطية والمساءلة من جانب المجالس التشريعية، والأجهزة الرقابية، ومنظمات المجتمع المدنى.

وليس هناك من شك فى أن الضمان الحقيقى لحل «مشكلة الفساد» بشكل أساسى يكمن فى تداولية السلطة، حتى لا يعشش الفساد لمدد طويلة ويتم توارثه والتستر عليه.

التعليقات