الحضور المسيحى فى الشرق الأوسط - إكرام لمعي - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 10:14 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الحضور المسيحى فى الشرق الأوسط

نشر فى : السبت 1 يونيو 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : السبت 1 يونيو 2013 - 9:59 ص

عقد مجلس كنائس الشرق الأوسط مع مجلس الكنائس العالمى مؤتمرا فى بيروت من 22 إلى 25 مايو تحت عنوان « المسيحيون فى الشرق الأوسط.. حضور وشهادة» ولقد شارك فى هذا المؤتمر جميع الطوائف المسيحية الرئيسية ( الأرثوذكسية ــ الكاثوليكية ــ الإنجيلية) وقد حضره بطاركة وأساقفة ورؤساء طوائف وسياسيون ومثقفون، وسوف ألخص ما خرج به هذا المؤتمر:

 

أولا: المسيحيون وتحدى التحولات فى الشرق الأوسط: لقد طرأ على المجتمعات العربية تحولات جذرية مثلت تحديا للحضور المسيحى العربى تدعوه لأن يقدم طرحا جديدا للتعبير عن أهمية وجوده تتجاوز ما ألفتها الأذهان من قبل. لقد انتفض الشباب لكرامتهم وكرامة أمتهم مطالبين بالحرية وقيم المساواة والعدالة.

 

ولقد صاحب ذلك ظاهرة تهدد ميزة التعددية وهى نوعية من الأصولية الإسلامية التى تتبنى رؤية منغلقة للوجود الإنسانى ترفض حقائق التنوع الكونى الذى شرعه الله للإنسان وفيه تبرير للعنف المقدس، وهذا الطرح يثير من الناحية الأخرى أصوليات مضادة من أهمها الأصولية اليهودية والأصولية المسيحية الغربية.

 

هذا بالإضافه إلى استمرار الفساد السياسى والخلل الاقتصادى والظلم الاجتماعى. من هنا فقد جاء الوقت الذى فيه يقوم المسيحيون بالإسهام فى تنوير الفقه السياسى، لكى يصبح قابلا للإتيان بمواطنة يشعر بها كل إنسان بأن له كرامة لا تمتهن وقيم أصيلة لا تستباح، وهذه المواطنة هى الضمان الوحيد لجميع أبناء الشرق فى العيش الكريم الحر، وأما الاصطفاف فى معسكرات التحالف المريب بين الأقليات واستنجاد بالغرب فأمور لا تليق.

 

على الكنائس المسيحية ألا تتواطأ مع السلطان السياسى فالكنائس الشرقية تعلمت أن وجودها لا يضمنه السلطان بل تكتسبه من الإقدام الجرىء على افتضاح الهيكليات والسياسات الظالمة، والمثابرة على تغيير الذهنيات وليس الانكفاء إلى صوامع العزلة والتقوقع الطائفى، وتعريف المسيحية للدولة أنها جهاز إدارى محايد لا يجوز أن يصطبغ بصبغة الانتماء الدينى.

 

ولذلك لابد للمسيحيين من المواظبة على الإعداد لنهضة ثقافية تضع الإيمان فى موقع الإلهام لضمير الإنسان ووجوده، وتحرير الدولة من قيود الاصطفاف الطائفى والتنازع المذهبى، فلا يجوز للمجتمعات المنتفضة على الظلم والثائرة على الاستبداد أن تعود فتبنى دساتيرها على أساس يهمل التنوع الإنسانى الذى يغنى مجتمعاتنا العربية ومن ثم يجب على المسيحيين أن يدركوا أن التحولات الحالية سوف تنفرج عن صحوة فكرية تليق بهم وشعوبهم.

 

وفى هذه المعاناة الوجودية للمسيحيين الذين كابدوا أعظم منها فى الغابر من الأيام وهم بالتأكيد يمتلكون القدرة على تجاوز المحن وابتداع المخارج الذكية التى تصون لهم ولمجتمعاتهم مقومات العيش الإنسانى الكريم، لذلك هم مستنهضون وخصوصا الشباب والشابات فيهم للإسهام الفاعل فى ترميم صورة الإنسان والمجتمع، وإذا ما أدرك هؤلاء الشباب والشابات حقيقة دعوة الله لهم لاصلاح مجتمعاتهم وإعانتها على النهوض نبذوا عنهم تجارب الإنكفاء والهجرة وانخرطوا انخراطا واعدا فى مسيرة نهضة الإنسان.

 

  ثانيا: ثلاث رسائل:

 

أ ــ رسالة إلى أنفسنا: إن أوطاننا ليست دار استثمار وعبور، لقد خلقنا الله فيها لكى نكون شهودا للرفق الإلهى والأخوة الكونية ومن أهم ما تستوجبه شهادتنا أن تظهر بالقول والفعل. إن مجتمعاتنا لابد لها من أن تغتنى بشرعة حقوق الإنسان الكونية وبروحانية التطويبات فى الإنجيل (طوبى للودعاء لأنهم يرثون الأرض، طوبى للرحماء لأنهم يرحمون، طوبى لصانعى السلام لأنهم أبناء الله يدعون... إلخ.

 

 ب ــ رسالة إلى إخوتنا المسلمين: لدينا رغبة شديدة فى الكشف عن حقيقة وجودنا المسيحى الشرقى كجزء أصيل من حقيقة العالم العربى، وإننا نكبر فيهم هذا الإصرار الصادق على صون الحضور المسيحى الحر الفاعل المستمر فى حياة المجتمعات العربية وعلى اشتراكنا فى تصميم هيئة الوجود العربى المقبل فى جميع أبعاده السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية وإننا نسألهم أن ينظروا إلينا وإلى أنفسهم نظرة رحبة حتى نتشارك فى صياغة ميثاق جديد للمعايشة الإنسانية ترعى التنوع فى داخل مجتمعاتنا وتصون الاختلاف وتهيئ لأبناء الشرق أسباب العيش الكريم.

 

أما الإسلاميون الذين يرفضون الآخر فنقول لهم إن الشرق العربى لا يطيق التطرف لأنه مهبط للوحى وإذا كان المسيحيون الشرقيون يدركون الأسباب الخطيرة التى أفضت إلى تبدل بعض ملامح الإسلام العربى الكريم ومنها الاستعمار الغربى والعدوان الصهيونى وفساد الأنظمة السياسية العربية فإنهم يحثون الحركات الإسلامية السياسية على نبذ العنف واعتماد سبل التفكر العقلى المستنير بأنوار الإيمان.

 

وليس ينفع هؤلاء الإسلاميين أن يبطلوا كل تجليات التنوع الثقافى والدينى المصاحب للإرث الإنسانى وحجتهم فى ذلك أنهم عازمون على إزهاق الباطل وإحقاق الحق فلابد لنا من التروى ومجالستنا فى منتديات التباحث الرصين فى مشاكل الوجود العربى ومن منتديات الحوار الرصين تنبثق مواثيق المعايشة العربية الواعدة.

 

 ج ــ رسالة إلى أهل الإيمان اليهودى: وأما أهل الإيمان اليهودى الذين ينتمون بتراثهم الدينى إلى التربة الثقافية عينها التى ينتمى إليها أهل الإيمان المسيحى وأهل الإيمان الإسلامى، فنقول لهم إن فى كتبهم النبوية ما يحثهم على نبذ التفرقة والشقاق ومحبة القريب والبعيد ولا شك فى أن من ألزم واجبات المؤمنين اليهود إعمال البصيرة الناقدة فى التواءات الحكومات الإسرائيلية التى تنتهك قيم هذا التراث الإيمانى العريق فالمسيحيون والمسلمون يتكلون على هذه النخبة من المؤمنين اليهود حتى ينضموا إلى ركب العاملين على احترام شرعة حقوق الإنسان فى الأرض الفلسطينية وتعزيز قيم التسالم والتلاقى بين الشعبين الفلسطينى والإسرائيلى.

 

أتمنى أن يقرأ هذه الرسائل من وجهت إليهم سواء من مسئولى الدولة أو الأحزاب أو النشطاء السياسيين والهيئات الثقافية والاجتماعية وأن يكون هناك رد فعل إيجابى لأجل مستقبل مصر وأمانها ومكانتها بين الدول.

 

 

 

أستاذ مقارنة الأديان

إكرام لمعي  أستاذ مقارنة الأديان
التعليقات