عملية «مركبات جدعون».. هل يتم تجاوز الخطوط الحمراء؟ - من الصحافة الإسرائيلية - بوابة الشروق
الثلاثاء 3 يونيو 2025 9:18 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

عملية «مركبات جدعون».. هل يتم تجاوز الخطوط الحمراء؟

نشر فى : الأحد 1 يونيو 2025 - 7:55 م | آخر تحديث : الأحد 1 يونيو 2025 - 7:55 م

خلال شهر مايو، أطلق الجيش الإسرائيلى عملية «مركبات جدعون»، والتى تهدف إلى تحقيق أهداف الحرب فى قطاع غزة، وهى إعادة المخطوفين وتفكيك حركة «حماس» عسكريا وسلطويا.
ومع ذلك، فإنه ليس واضحا تماما ما الذى تتضمنه خطة القتال، وتوجد تناقضات بين ما يُعرض من جانب جهات فى الجيش الإسرائيلى وبين تصريحات لجهات سياسية فى هذا السياق. كما أنه من غير الواضح إلى أى مدى توجد نية لتنفيذ جميع مراحل العملية، ومن الممكن أن يكون بعض ما نُشر هدفه ممارسة ضغط على «حماس»، من دون نية لتنفيذه. ومع ذلك، فإن التفاصيل التى تم نشرها، وخصوصا التصريحات الصادرة عن المستويات السياسية بشأن الخطة، تثير مخاوف تتعلق بسؤالين مركزيين: الأول؛ هل تهدف العملية إلى تحقيق هدف غير قانونى بالإضافة إلى الأهداف الرسمية؟ والثانى؛ هل تفى الخطة الإنسانية بمتطلبات القانون الدولى؟
بصورة عامة، إجلاء السكان من مناطق القتال هو أمر قانونى طالما الهدف منه حماية السكان المدنيين فى أثناء تنفيذ عملية عسكرية ضرورية، شرط أن يكون مؤقتا، ويتم، قدر الإمكان، عبر معابر ميسّرة إلى مناطق أكثر أمانا، كما يُمنع إجبار السكان على الإخلاء رغما عن إرادتهم. ووفقا لما نُشر، فإنه فى إطار عملية «مركبات جدعون»، يُخطط لخطوة واسعة النطاق، تشمل بصورة خاصة إجلاء أجزاء كبيرة من السكان فى قطاع غزة، الذى يبلغ تعداده نحو مليونى نسمة، من نحو 70% من أراضى القطاع إلى مناطق محددة.
غير أن الخطوة المقترحة لا تستند إلى إعلان واضح لِمَا إذا كان هذا الإجلاء مؤقتا أو أى إشارة إلى ذلك؛ أى إلى أن الذين سيجرى إجلاؤهم سيُسمح لهم بالعودة إلى منازلهم مع انتهاء العملية. إنما بالعكس، فقد أشار مسئولون سياسيون فى تصريحاتهم بشأن العملية إلى هدف الترويج لخطة «هجرة طوعية» للسكان. وهكذا، فمن أمور أخرى، يُستشف من أقوال رئيس الوزراء إشارته إلى تدمير واسع النطاق للمنازل، بحيث لا يُسمح بعودة السكان، ويُجبَرون على الهجرة.
وتعزز هذه الجوانب من الإجلاء الواسع النطاق، مع دفْع السكان إلى مناطق ضيقة نسبيا فضلا عن غياب إعلان واضح بشأن الطابع المؤقت للإجلاء، وكذلك التصريحات الصادرة عن جهات سياسية بشأن علاقة الإجلاء بـ«الهجرة الطوعية» لسكان القطاع، يعزّز هذا كله الشبهات بأن الإجلاء وتركيز السكان يشكّلان بالنسبة إلى الحكومة هدفا بحد ذاته، وليس فقط وسيلة لتمكين المناورة العسكرية مع حماية السكان.
إن حدوث عملية اقتلاع قسرى واسعة النطاق ومخطط لها لكامل السكان يمكن أن تندرج ضمن تعريف «التطهير العرقى»، الذى يُعد جريمة ضد الإنسانية، وربما تُفسَر أيضا بأنها «إخضاع متعمَد لأوضاع حياة تهدف إلى التدمير الجسدى للمجموعة»، وهو ما يندرج ضمن تعريف الإبادة الجماعية (جينوسايد).
• • •
تشمل الخطة الإنسانية المصاحبة للمناورة العسكرية آلية جديدة لاستقبال المساعدات وتوزيعها، يُفترض بها أن تمنع وصولها إلى «حماس». وستُقام آلية المساعدات الجديدة وتُشغَّل عن طريق «الصندوق الإنسانى لغزة» (GHF)، وشركات أمريكية خاصة، بدعم من دول وهيئات خيرية.
ووفقا للخطة التى نُشرت، فستُقام أربعة مراكز توزيع مساعدات مؤمّنة، معظمها فى جنوب القطاع، وستصل إليها المساعدات، ومنها ستُوزَّع على السكان من جانب شركات أمريكية. وستكون السيطرة الأمنية فى يد الجيش الإسرائيلى، الذى سيوفر الحماية فى المنطقة المحيطة بالمجمعات الإنسانية، من دون أن يشارك فى توزيع المساعدات أو أن يكون له أى وجود مادى داخل المجمعات.
أولا: وفقا للخطة، فإنه ستُقدَّم حزمة غذائية أسبوعية أساسية ومحدودة لكل «أسرة»، ولا يتضح منها كيف ستتم تلبية الحاجات الإنسانية الأُخرى للسكان، والتى لا تُغطى فى هذه الحزم. فعلى سبيل المثال؛ ليس واضحا كيف يمكن الحصول على مستلزمات ضرورية غير مشمولة فى الحزمة، كأدوية معيّنة. وما الحل للفئات الضعيفة التى ستجد صعوبة فى الوصول إلى أحد مراكز التوزيع؟ وكذلك الأمر بالنسبة إلى الحاجات الخاصة بالمواطنين الذين سيبقون فى مناطق القتال، والذين يمكن أن يرفضوا أو لن يستطيعوا الإجلاء؟ كما أن الخطة المنشورة لا توضّح كيف سيتم التعامل مع الجوانب الإنسانية الأُخرى، كضمان تزويد المستشفيات والعيادات بالإمدادات الضرورية لاستمرار عملها.
ثانيا: إن تركيز عدد كبير من السكان فى مناطق محدودة نسبيا سيخدم مئات الآلاف من سكان القطاع، وهذا يفرض ضرورة تلبية حاجات هذه الفئة السكانية، بما يشمل خدمات طبية وصحية. ومن دون وجود بنية تحتية كافية، ولا سيما فى ظل الواقع القائم بعد عام وثمانية أشهر من الحرب، فستكون النتيجة العيش فى أوضاع من النقص الحاد، والازدحام والاكتظاظ، تؤدى إلى النهب والعنف، والتلوث، والأمراض، وارتفاع معدلات الوفيات.
• • •
يتمثل جانب آخر من العملية فى التداعيات المرافقة لـ «السيطرة العملياتية» للجيش الإسرائيلى على الأرض.
وفقا لما نُشر، فإن المناورة العسكرية تشمل القتال فى مناطق واسعة من قطاع غزة حتى الوصول إلى الحسم، وفى هذا السياق، من المخطط أن تقوم قوات الجيش الإسرائيلى بإجلاء كامل للسكان من مناطق واسعة، وتطهير المناطق من المسلحين، والبقاء فيها والسيطرة عليها لمنع «حماس» من العودة إليها وحرمانها من إمكان التعافى.
وبينما يتحدث المستوى العسكرى عن «سيطرة عملياتية» على الأرض، فإن التصريحات الصادرة عن جهات فى الحكومة تدل على نية السيطرة على كل القطاع لفترة طويلة. ولا يُعتبر احتلال أراضٍ خلال الحرب غير قانونى بحد ذاته، إنما هو إجراء معترَف به فى قوانين الحرب. ومع ذلك، فإنه يرتب التزامات متزايدة تجاه السكان المدنيين فى الأراضى المحتلة.
وبناء على ذلك، ستُفرض على إسرائيل التزامات واسعة ومهمة كـ «قوة احتلال» تجاه قطاع غزة وسكانه المدنيين ضمن المناطق الخاضعة لسيطرتها، وستكون مطالبة بضمان تلبية جميع حاجات السكان فى كل مجالات الحياة، بما فى ذلك الأمن، والنظام العام، والصحة، والتعليم، والرعاية الاجتماعية، وفرص العمل، فضلا عن التزويد النشيط بالغذاء والمياه والأدوية، وحتى الكهرباء. وكلما كانت السيطرة أوسع نطاقا، وفى حال غياب جهة أُخرى تمارس صلاحيات سلطوية، فإن هذه الالتزامات ستتسع لتصل إلى حد المسئولية الكاملة عن مجمل سكان القطاع.
وتنطبق هذه الالتزامات على إسرائيل بمجرد كونها جهة تملك سيطرة فعلية على قطاع غزة، تُمكّنها من ممارسة صلاحيات سلطوية فيه.
• • •
إن الاقتلاع القسرى للسكان المدنيين، عبر إجلائهم بصورة واسعة النطاق إلى مناطق محددة، بهدف دفعهم إلى مغادرة القطاع، هو تجاوُز للخط الأحمر، وحرمان السكان المدنيين من الحاجات الضرورية لبقائهم، ودفعهم إلى مناطق تفتقر إلى الحد الأدنى من أوضاع المعيشة، هو تجاوُز أيضا للخط الأحمر.
وعندما يوجّه المستوى السياسى الجيش إلى تنفيذ جرائم جسيمة، فإنه يصدر أوامر غير قانونية بصورة واضحة، ومن واجب قادة الجيش رفْض تنفيذ أوامر كهذه.
ويَجْدُرُ بنا التذكير أيضا بأنه بالإضافة إلى الاعتبارات القانونية والأخلاقية الداخلية، فإن تنفيذ خطوات غير قانونية كهذه، له تبعات جسيمة على مكانة إسرائيل فى الساحة الدولية.
أولا: تواجه إسرائيل تحقيقا جنائيا مفتوحا فى المحكمة الجنائية الدولية، بالإضافة إلى تهديدات باتخاذ إجراءات جنائية ضد مسئوليها فى أنحاء العالم. وإذا تم تنفيذ أوامر غير قانونية تستوجب ارتكاب أفعال ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، حتى لو صدرت من المستوى السياسى، فإن المسئولية ستقع على عاتق جميع قادة الجيش الإسرائيلى وجنوده، وهو ما سيعرّضهم لإجراءات قانونية ضدهم.
ثانيا: هناك خطوات تُتخذ منذ الآن، تهدف إلى عزل إسرائيل دوليا، إذ بدأت الدول والجهات التى دعمت إسرائيل طوال فترة الحرب، والتى لا تتبنى موقفا معاديا لها، تدير لها ظهرها. ويمكن أن يتفاقم هذا الوضع أكثر فأكثر، فإسرائيل المعزولة ستكون أضعف، وبالتالى ستجد صعوبة أكبر فى مواجهة تهديدات «حماس» وسائر أعدائها. وهكذا، فإن الخطوات التى تروّج لها الحكومة، على الأقل فى تصريحاتها، يمكن أن تصب عمليا فى مصلحة «حماس» وعلى حساب إسرائيل.
وإذا كانت هذه التصريحات جوفاء، ولا توجد نية حقيقية لتنفيذها، فإنه من الواجب التفكير فى الضرر السياسى الكبير الذى تسببه فى مقابل الفائدة المحدودة فى مواجهة «حماس»، على الأقل وفقا لما يبدو حتى الآن، وإذا كانت نابعة من اعتبارات سياسية داخلية، فمِن الواجب تفضيل مصلحة الدولة، ووضعها ومكانتها الاستراتيجية على تلك الاعتبارات.

 


بنينا شرفيت باروخ - تامى كينر
معهد دراسات الأمن القومى
مؤسسة الدراسات الفلسطينية

التعليقات