أموال وآمال 1- الشح - جمال قطب - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 12:27 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أموال وآمال 1- الشح

نشر فى : الجمعة 1 أغسطس 2014 - 8:15 ص | آخر تحديث : الجمعة 1 أغسطس 2014 - 8:15 ص

الشح مرض قلبى خطير يدمر معنويات الإنسان فيجعله كالريشة فى مهب الريح لا وزن له، فـالشح يحول بين المرء وبين الثقة فى ربه الرزاق، ويحول بينه وبين واقعه الذى يعيشه، فترى الشخص بقدر ما يسرف «حبا فى المال» يسرف «حرصا على اختصاص نفسه به دون غيره». فـالشح ينسيه أنه كان عالة على أبويه، وعلى المجتمع كله منذ مولده طفلا لا يقدر على كسب ولا ادخار، لذلك يشح على ذريته، ويتصور أنه يضمن لها مستقبلا !! فهل يأتى مستقبل مشرق من حاضر شحيح؟! يصور القرآن الإنسان الشحيح ويقرنه بعقوبة تصرفاته (..الَّذِى جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ * يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ * كَلاَّ لَيُنبَذَنَّ فِى الْحُطَمَةِ * وَمَآ أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ * نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ * الَّتِى تَطَّلِعُ عَلَى الاَْفْئِدَةِ * إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ * فِى عَمَدٍ مُّمَدَّدَةِ).

ويتوالى بيان القرآن لرذيلة الشح وأثرها السيء على المجتمع ثم على صاحبها فيقول (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ). والأيتام ليسوا من مصارف الزكاة، فهذا باب جديد يستوجب الإنفاق بعد استيفاء الزكاة فى مصارفها الثمانية المعروفة.. ولا تنتهى السورة حتى تذكر مصرفا آخر غير الزكاة وهو قوله تعالى (وَيَمنَعُونَ المَاعُونَ) أى لا يعاونوا الناس بأدوات المنزل، أو أدوات الانتاج.. فكل ما يساعد الناس وييسر حياتهم فهو «ماعون» يجب إتاحته وإعارته لمن يحتاج.. إن هذا المصرف (الماعون) يذكرنى بحديث نبوى صحيح حينما رأى الرسول ث «المحراث» فى بيت من بيوت الزراع فقال ث : « لَا يَدْخُلُ هَذَا بَيْتَ قَوْمٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ الذُّلَّ..!!» وقد نعجب كثيرا لهذا القول النبوى الصحيح إذ كيف يكون المحراث سببا لذل أهله وهو آلة تساعد الفلاح؟ فإذا سألنا الفقهاء قالوا لنا إن الآلات التى تعين الناس نعمة إلهية وإبداع عقلى، لكنه مكلف ذو قيمة مالية يعجز عنها صغار الفلاحين. فينبغى لمن أقدره الله على امتلاك تلك الآلات أن يتيحها لمن يحتاجها، بل يجب عليه ــ كما نفهم من قول الرسول ثـ ــ ألا يدخلها بيته فيخزنها، بل يدعها خارج البيت يستعملها من شاء من أهل الناحية. فتلك الأدوات «ماعون» لا تمنع، ومن الأولى والأفضل أن تتاح وتعار دون سؤال.

وهكذا نفهم السورة: (الَّذِينَ هُم عَن صَلَاتِهِم سَاهُونَ* الَّذِينَ هُم يُرَآءُونَ* وَيَمنَعُونَ المَاعُونَ) فهل مقبول أو معقول أن يصطف الإنسان بين الناس فى جماعة الصلاة مدعيا أنه عبد لله وهو يمنع العون عن عباد الله؟! فتلك مراآة (الَّذِينَ هُم يُرَآءُونَ* وَيَمنَعُونَ المَاعُونَ).

وفى سورة ثالثة يقول تعالى (..يَتَسَآءَلُونَ* عَنِ المُجرِمِينَ* مَا سَلَكَكُم فِى سَقَرَ* قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ* وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ). هكذا فالشحيح الذى يغفل عن المساكين موعده «سقر» (وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ* لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ *لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ * عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرََ).

وصورة أخرى لهذا المتغافل عن المساكين فيذكر القرآن عقابه (خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ * إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ * وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ).

فالمبالغة فى حب المال رذيلة تقود صاحبها إلى مذلة الدنيا وخسران الآخرة، كما يقود الشح صاحبه إلى تعطيل قوى المجتمع بعدم دعم الفقراء والمساكين، فإن حاجة الفقراء والمساكين إلى المال تحوجهم إلى آلات العمل وفرصة الإنتاج، فإذا بهم «قوى معطلة» لا تضيف إلى المجتمع بل تعيش عالة عليه. وفى ضوء هذا تفهم مقولة عمر بن الخطاب س «إذا سرق الفقراء، قطعت أيدى الأغنياء».

والمال بصفة عامة من أيسر طرق الشيطان يسلكها إلى قلوب الناس فيملأها بحب جمع المال ثم اكتنازه ثم الشح به عن الناس ثم على نفسه، فهو يعيش من خوف الفقر فى فقر مصنوع.

وكل أموال الدنيا هى مال الله خلقه ثم وهبه لبعض الناس وجعلهم خزنة عليه، وائتمنهم على بقية الناس كما قال فى الحديث القدسى: «المال مالى والأغنياء خزنتى، والفقراء عيالى، فمن منع مالى من عيالى أدخلته النار ولا أبالى» وفى ضوء هذا البيان تفهم قوله تعالى فى القرآن : (الشَّيطَانُ يَعِدُكُمُ الفَقرَ..) فهل تستسلم لمواعيد الشيطان؟! أم تركن وتصدق بوعد الله (..وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغفِرَة مِّنهُ وَفَضلا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيم)؟!

يتبع

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات