الدولة الرخوة وقطار الإسكندرية - خالد الخميسي - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 12:24 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الدولة الرخوة وقطار الإسكندرية

نشر فى : الأحد 1 نوفمبر 2009 - 10:19 ص | آخر تحديث : الأحد 1 نوفمبر 2009 - 10:19 ص

 ترهل الأداء الحكومى بصورة خطيرة. جملة أصبحت بفعل العادة لا معنى لها على الإطلاق فى إطار ما نعيشه يوميا فى كنف هذه الدولة الرخوة، فالقارئ سوف يقول وما الجديد فى ذلك ونحن نعلم عن ترهل الحال الكثير. ولكن رغم قناعتى هذه إلا أننى فى كل مرة تنتابنى الدهشة كطفل من هول ما وصلنا إليه من تدهور حتى فى أبسط الأمور.

فرغبت أن أشارككم انطباعاتى عن رحلتى إلى الإسكندرية يوم الأربعاء الماضى باعتبارى لست من «معتادى» ركوب القطارات. حجزت فى قطار الساعة الثانية عشرة ظهرا عندما أكدوا لى أنه سوف يصل بسلامة الله فى حدود الساعة الثانية والنصف بعد الظهيرة، فلقد كنت مرتبطا بموعد فى الثالثة والنصف.

عندما استلمت التذكرة تعجبت أن موعد الوصول غير مدون عليها وعندما سألت عن السبب ظن مسئول الحجز أننى خرجت توا من مستشفى للمجانين. قلت له إنه من الطبيعى كتابة موعد الوصول وهو أمر متبع فى كل العالم. فأجاب أن هذا يدخل فى علم من علوم الغيب.

وصلت إلى محطة مصر قبل موعد تحرك القطار بنصف ساعة. استقبلتنى قذارة تكفى لردم البشرية حتى اختفاء قمة إفرست تحتها. كما تلقفنى كم من القبح لا يوصف. وقفت أتأمل ما حولى. جمال غابر يطل على استحياء من بعض زوايا المحطة. إفريز رائع الجمال من قيشانى ملون يصور نباتات فى حالة حركة تخنقها أتربة متراكمة منذ عقود طويلة، ويطل علينا اتساخ محيطى من تحت هذا الإفريز ليؤكد للعين أن الأصل فى الأشياء هو القبح. رغبة ملحة تظهر فى كل ما يحيط بنا تؤكد أن القبح هو المنتصر الوحيد.

طال انتظارى ولم يصل القطار رغم أن ما بقى من زمن على موعد رحيله لا يتعدى الخمس دقائق. سرت على الرصيف رقم أربعة جيئة وذهابا فى انتظار حضوره الملكى.

سألت المنتظرين مثلى عن توقعاتهم لموعد دخول القطار فأجابوا بهدوء الموتى أنه سوف يحضر إن شاء الله. كان الرصيف مثله مثل المحطة شديد الاتساخ، فكرت أن أهرب من وطأة القبح بشراء قطعة من الشيكولاتة فوجدت البائع على الرصيف يبيعها بضعف سعرها وعندما أبديت تبرمى سألنى وكيف تريدنى أن أدفع قيمة الإيجار.

دار فى ذهنى التساؤل المنطقى: ألا يمكن أن يقوم المسئولون عن محطة مصر بتنظيف الرصيف بقيمة هذه الإيجارات؟ ثم ضحكت على نفسى. فهذا القبح المنتصر يسود بغطرسته على كل شىء فى مصرنا.

وصل القطار أخيرا فاكتشفت أن ما يحيطنى كان نظيفا كالصينى بعد غسيله بمسحوق رابسو إذا قمت بمقارنته بجسد هذا القطار. شىء لا يصدق. ما أرى لا يمت فقط لعالم القذارة، وإنما يمت لعالم فقد شعوره بأى حس إنسانى. عالم فقد تماما حواسه الخمس. أغلقت أنفى وأذنى ولم أستطع غلق عينى للأسف كى أستطيع الولوج من باب هذا الحيوان الأسطورى الذى لم ير الماء بعد. تحرك القطار بعد موعده بعشر دقائق.

فشعرت كالعادة أن أحدهم سرق من زمنى قطعة من لحمى لا يمكننى إعادتها، ولكننى حمدت الله أننى سوف أستطيع رغم هذا التأخير أن ألحق بموعدى. جلست على المقعد المخصص لى فوجدت أن ظهر المقعد لا يمكن تثبيته والحل الوحيد معه أن أظل على الوضع شبه نائم.

حاولت الوصول إلى حل ولكن باءت كل محاولاتى ثم محاولات المفتش بالفشل الذريع. حاول الرجل شاكرا بعد أن نفحته كالعادة مبلغا من المال أن يجد لى مقعدا بديلا ولكنه لم يجد أى مقعد خاوٍ.

تحملت ألم ظهرى وهو يسعى للتعامل مع هذا المقعد، كما تحملت اللون الكاكى الكئيب للون المقعد ولكننى لم أتحمل منظر القمامة المتماسكة الأطراف المطلة علىَّ من الشبكة الملصقة فى ظهر المقعد من أمامى. تماسكت بحبال الصبر ولكن امتدت الحبال حتى تقطعت أوصالها.

فقد وصلت إلى الإسكندرية فى الرابعة والثلث بعد الظهر بتأخير اقترب من الساعتين فى قطار يسير على قضيب دون إشارات مرورية. لا شىء يعمل فى هذه الدولة الرخوة. وسوف أستعير هنا نهاية مقالات صديقى علاء الأسوانى: الديمقراطية هى الحل.

خالد الخميسي  كاتب مصري