سياسات وبدائل - معتمر أمين - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 3:31 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سياسات وبدائل

نشر فى : الثلاثاء 1 نوفمبر 2022 - 7:15 م | آخر تحديث : الثلاثاء 1 نوفمبر 2022 - 7:15 م

صناعة السياسة تختلف عن التحليل السياسى. فالأولى تحدث وسط أجواء من الضغوط، وأعباء المسئولية، والثانية بحاجة إلى هدوء وتدبر الأمور على مهل. ولذلك عندما تقابل مسئولا سابقا خرج من السلطة منذ حين، تلاحظ الفارق الهائل فى الحديث معه حول القضايا عامة، لتجد آراءه أقرب إلى ما يقوله الشارع. وتلقائيا، تصل لنتيجة بأن طبيعة العمل السياسى أفرزت منه شخصية مختلفة غير التى تتحاور معها الآن بعدما خرج من المنصب. والعكس ينطبق على المحلل السياسى، فالانتقال من براحة الوقت، وإمعان الفكر، إلى الالتزام بالمواقيت، مع الانتباه إلى الألاعيب السياسية المحيطة، تحدث تغيرات ظاهرة فى شخصية من يتولى المنصب العام. ومن مر بهذه التجربة يعرف بأن ما كان يحلم به وهو خارج المضمار السياسى يحتاج إلى مقومات لتنفيذه، وقد لا تكون متوفرة بالقدر الكافى بعد دخول معترك السياسة.
ولنأخذ مثالا من ثورة يناير 2011، عندما كانت الآمال والأحلام تسير فى اتجاه، ومقومات الدولة تسير فى اتجاه معاكس. فبينما يطالب الناس بتوزيع أفضل للثروة، وحد أدنى من الأجور، وزيادة الضرائب على رجال الأعمال، ينظر المسئول فى خزينة الدولة ليجدها تتناقص بسرعة، وينظر إلى رجال الأعمال ويجد أعمالهم فى انكماش، بينما الشارع يطلب منه قرارا حاسما. مثال آخر لقضية مزمنة، الناس تطالب بتحسين الخدمات الحكومية، وجودة التعليم، والرعايا الصحية، وهى مطالب مشروعة لا جدال فيها. لكن هذا جانب واحد من المعادلة، أما الجانب الآخر، فإن المجتمع الذى يطالب بهذا كان تعداده 68 مليونا سنة 2000، و82 مليونا سنة 2010، و102 مليون سنة 2022. والحكومات تلهث وراء الزيادة لتلبية المطالب، هذا بدون التطرق إلى طبيعة الأداء الحكومى وكفاءته. وفى وسط هذه القضايا يتغير رأى المسئول قبل وبعد ومن بعد المنصب. ولا يعنى هذا أن المحلل السياسى محصن ضد هذه المتغيرات، فهو أو هى بدورهما لهما قناعات سياسية، وتحيزات، ووجهات نظر فى هذه القضايا وغيرها، وبالتالى سيصدرون أوراقا بحثية تحلل ما يرصدونه من ظواهر، والأسباب التى أدت إليها من وجهة نظرهم، وقد يخرجون بتوصيات للحل تنفع صانع القرار إذا استطاع تحويلها إلى سياسات. ولكن بعض الأوراق البحثية تتبنى حلولا جذرية قد لا يستطيع المجتمع مواكبتها، أو قد لا يستطيع المسئول تنفيذها.
وللتوضيح، هذا مثال، نشرت الـ«سى أن أن» فى 14 فبراير هذا العام نتائج دراسة إحصائية تصدر عن منظمة الاتحاد الدولى للسكرى، ومنها رصدت الدراسة نسبة مرضى السكرى فى مصر بنحو 10,9 مليون مواطن ومواطنة، يمثلون 20% من تعداد السكان فى الفئة العمرية ما بين 20 و79 عاما. والآن، فلنتصور أن ورقة بحثية تقدمت للحكومة بإلغاء دعم سلعة السكر من أجل صحة أفضل للشعب المصرى، فمتى يستطيع المسئول تنفيذها؟
• • •
ترجيح السياسات يحتاج إلى إرادة سياسية تدفع بالسياسات إلى حيز التنفيذ، ثم تحمل التبعات السياسية والاجتماعية وأحيانا الاقتصادية أيضا. ولكن المسئول قد يختار المعارك التى يريد خوضها. ومنذ عام 2016 انحازت السياسة فى مصر لترجيح حل المشكلات الاقتصادية دفعة واحدة عبر آلية واحدة وهى تحرير سعر صرف العملة مقابل العملات الرئيسية مثل الدولار. وعندما يحدث ذلك فإن أسعار كل شىء ترتفع وتغنى المسئول عن أى كلام آخر، أو أى تفاصيل اقتصادية قد تستهلك وقتا من وجهة نظره لكى تستقيم. وبالتالى يكون حل تحرير سعر العملة حلا سريعا، وسهلا، من الناحية الاقتصادية، لكنه مكلف من الناحية الاجتماعية والسياسية، وينال من شعبية الحكومة. فالأسعار تزيد ولكن المرتبات لا تزيد، وإنما ترتفع فاتورة الدعم، وتزيد الديون تبعا لذلك.
وتبعا لهذا الفكر، صدرت توصيات المؤتمر الاقتصادى الذى عقد فى الفترة من 23 إلى 25 أكتوبر التى يمكن حصرها فى عدد من النقاط، منها، السياسة المالية والنقدية، وأهمها ما يخص تحرير سعر صرف العملات الأجنبية مقابل الجنيه لخلق سوق صرف مرنة والقضاء على السوق الموازية. مع التوصية بسرعة الاتفاق مع صندوق النقد الدولى. والجديد هذه المرة هو تفعيل سوق المشتقات للعملة، والعقود الآجلة، كأداة تحوط ضد مخاطر تذبذب سعر الصرف. بالإضافة إلى إصدار مؤشر للجنيه المصرى مُقوما ببعض العملات لأهم الشركاء التجاريين والذهب. وبناء على هذه التوصيات تم إخراج قرار البنك المركزى يوم 27 أكتوبر لتكتمل الصورة، حيث قرر تحرير سعر الصرف وقفز من 19.73 إلى 23 جنيها. وهذا هو التخفيض الثانى هذا العام ليفقد الجنيه 17% من قيمته بعد تحرير سعر الصرف، أو 46% من قيمته منذ فبراير 2022. وتتيح هذه السياسة النقدية للدولة تلبية احتياجاتها لسنتين أو ثلاثة، أو إلى الأزمة التالية. وذلك ليس لأن هذه السياسات محكوم عليها بالفشل، ولكن لأن هذه السياسات وما تحمله من أبعاد هى سياسات تم تطبيقها من قبل وأدت إلى التعويم تلو التعويم، وأسفرت عن تنمية اقتصادية يقودها القطاع العقارى، وهو بدوره غير منتج. كما أسفرت عن زيادة الديون بالعملة الصعبة، فى الوقت الذى تؤكد فيه بيانات البنك المركزى فى نشرته الشهرية الصادرة فى 15 أغسطس 2022، بأن إجمالى الودائع بالبنوك المصرية، بما فيها الودائع الحكومية، سجلت 7,21 تريليون جنيه بنهاية شهر مايو 2022، بما يعادل نحو 313 مليار دولار بسعر صرف 23 جنيها للدولار.
• • •
لقد توسعت الحلول النقدية، مثل الديون وسعر الصرف ونسبة الفائدة، وأصبحت هى العناوين الرئيسية المعتمدة للتحديات الاقتصادية. وغابت بدائل أخرى من قائمة الاختيارات، فلم تعد الأسئلة والمراجعات تطرح بشأن السياسات الصناعية والزراعية.

معتمر أمين باحث في مجال السياسة والعلاقات الدولية
التعليقات