بلجيكا وأسئلة حولها - الأب رفيق جريش - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 2:37 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

بلجيكا وأسئلة حولها

نشر فى : السبت 2 أبريل 2016 - 9:50 م | آخر تحديث : السبت 2 أبريل 2016 - 9:50 م
مملكة بلجيكا تكونت عام 1830 لتكون دولة عازلة بين الدولتين المتنافستين فى ذلك الوقت فرنسا وألمانيا، ولها حدود مشتركة مع فرنسا وألمانيا ولوكسمبورج وهولندا، وبعد الحرب العالمية الثانية وماتلاها من تقارب الدول الأوروبية برزت بروكسيل كعاصمة ومقر للاتحاد الأوربى.
وتواجه بلجيكا أزمة مستمرة بسبب العداء بين الناطقين بلغة الفلمون (القريبة من الهولندية) والناطقين باللغة الفرنسية ومجموعة صغيرة من السكان تتكلم الألمانية، مما يؤثر سلبا فى انصهار المجتمع البلجيكى فى بعضه البعض، إضافة إلى ذلك ظهور أقليات أخرى خاصة عندما شجعت السلطات البلجيكية فى الستينيات الهجرة الجماعية من تركيا والمغرب وغيرها كمصدر للعمالة الرخيصة واليوم معظم المسلمين هم من أبناء الجيل الثالث والرابع من هؤلاء المهاجرين وكما أن هناك من اندمجوا فى المجتمع البلجيكى إلا أن هناك كثيرين من يعيشون فى الأحياء المهمشة التى يتفشى فيها الفقر والبطالة وبالتالى الجريمة.

58% من سكان بلجيكا كاثوليك ممارسين بجانب أديان أخرى ويصل عدد المسلمين إلى أكثر قليلا من 6% من السكان الذى تعداده تقريبا 11 مليونا، لتكون واحد من أكبر تجمعات السكان المسلمين فى أوروبا الغربية مقارنة بالنسب المئوية، بالإضافة إلى ذلك أن 25% من سكان العاصمة بروكسيل مسلمون وبلدية مولنبيك يعيش فيها نحو مائة ألف مسلم والتى صارت مركزا للحركة الجهادية بفضل الأئمة المتطرفين الذين يبثون الأفكار السلفية المتشددة ودعوتهم للجهاد واستقطاب بعض الشباب لصالح داعش وأخواته، وهذه الأفكار السلفية تثير مشاكل خطيرة ليس فقط فى بلجيكا ولكن فى أوروبا، ففى مجتمعات تؤمن بالحداثة والعلمانية والتعددية وفصل الدين عن الدولة والنظام الديمقراطى والحرية المطلقة للشخص وحرية التعبير والمساواة بين الجنسيين، وحرية المرأة، تأتى السلفية بإيديولوجيتها تريد تنظيم المجتمع والعلاقات بين الناس والتدخل فى حياة الأفراد خاصة المرأة وتقييدها لأبعد الحدود وتطبيق الشريعة الإسلامية على تلك المجتمعات، وفى عام 2015 حُظرت جماعة «شريعة من أجل بلجيكا» وحكم على زعيمها فؤاد بلقاسم بالسجن لمدة اثنى عشر عاما، والباحثون يرون أن تلك الجماعة مهدت الطريق لتنظيم الدولة الإسلامية فى بلجيكا، بل أصبحت أكبر مصدر أوروبى للجهاديين فى سوريا والعراق مقارنة بعدد السكان، ووفقا لبيان 22 فبراير 2016 لوزير الداخلية البلجيكى فقد تم التعرف على 451 مواطنا بلجيكيا فى صفوف الإرهابيين وعاد 117 ومُنعوا 59 من ذلك على الحدود.

إذا كانت مصر متهمة دوما بالثغرات الأمنية مثل حادثة الطائرة الروسية إلا أن دول أوروبية منها بلجيكا لديها ثغرات أمنية أيضا ففى مايو 2014 هاجم جهادى المتحف اليهودى فى بروكسيل، وفى أغسطس 2014 هاجم جهادى آخر له صلات ببلدية مولنبيك قطارا متجها من امستردام إلى باريس، وفى يناير 2015 على إثر هجمات شارلى إبدو بباريس نفذت الشرطة البلجيكية حملة تفتيش فى منازل الجهاديين ولم تكن مجدية ففى نوفمبر 2015 وجد اثنان من الجهاديين الثمانية الذين نفذوا هجمات باريس هم من بروكسيل وصلاح عبدالسلام الذى اعتقلته الشرطة البلجيكية فى 18 مارس الماضى هو من مواليد بلجيكا ومن أصول مغربية، وفى 22 مارس الماضى كانت الطامة الكبرى بانفجارات المطار ومترو الأنفاق، وجميع منفذى الهجمات لهم صلة ببلدية مولنبيك، حسب قول رئيس وزرائهم ويضاف إلى ذلك «اتفاق شينجن» الذى يتيح للإرهابيين عبور حدود معظم دول الاتحاد الأوربى بسهولة ويسر، وتبقى بعض الأسئلة بلا إجابة منها:

ماذا يجعل شابا يافعا قد يكون متعلما تعليما متوسطا ويعيش فى بلد متحضر وينعم بالامتيازات التى لا يجدها فى بلاد أهله أو أجداده أن يفجر نفسه؟.

هل مقتنع بعقيدة تدعو لذلك؟ لا أظن فأغلب الشباب الذين يفجرون أنفسهم أو فى صفوف داعش وأخواته لهم سوابق فى عالم الجريمة.

هل يحمل ضغينة وغيظا من المجتمع الذى ولد فيه وشعر أنه مهمش وأن الحياة الاستهلاكية ومجتمع الرغدة استفز أحقاده؟ ربما.

وهل تقدم له هذه الجماعات الإرهابية فرصة لحل عقده وتحقيق بطولة ما؟ من الممكن.

وهل المال الرغد الذى يناله هو الدافع الأساسى؟ لا أظن، لأنه لا يستطيع صرفها والتمتع بها.

وهذه الأسئلة وغيرها الكثير تنتظر ردا ليس من المحققين ورجال الأمن فقط ولكن من علماء النفس والاجتماع، والغريب أن الغرب يدرس تلك الظواهر ويعلم عنها الكثير ولكن لا ينشر علينا ما توصل إليه فهناك صمت مريب على تلك الأسئلة وغيرها. ربما لأن نشر الإجابة يدين تلك المجتمعات التى لم تهتم بما يكفى بهؤلاء الشباب «كإنسان» بل تركوهم فريسة للإقصاء ولم يعملوا بما يكفى على انثقافهم فى مجتمعهم وينظرون إليهم وإلى دينهم وإلى المنطقة العربية والإسلامية بشىء من التحقير والريبة، بعد أن استعمرونا مئات السنين. فهم يتحملون وزر ما يجرى الآن فى العالم وما يجرى عندنا وعندهم على السواء، فهل نشهد هلاك هذه الحضارة القاسية وبزوغ حضارة أكثر إنسانية؟ نتمنى.
الأب رفيق جريش الأب رفيق جريش
التعليقات