المدن هى الحل - العالم يفكر - بوابة الشروق
الثلاثاء 10 ديسمبر 2024 9:19 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

المدن هى الحل

نشر فى : الأربعاء 2 أغسطس 2017 - 9:10 م | آخر تحديث : الأربعاء 2 أغسطس 2017 - 9:10 م
نشرت جامعة THE CHRONICLE OF HIGHER EDUCATION مقالا للكاتب «شون أندرو تشن» طالب الماجستير بالإدارة العامة بجامعة برنستون، حول سلطة المدن والدور الذى يمكن أن تقوم به فى مواجهة التحديات العالمية مثل أزمة تغير المناخ والإرهاب العالمى، تلك التحديات التى فشلت الدول القومية فى إيجاد حلول مناسبة لها.
يستهل الكاتب مقاله بتناول اتفاق باريس بشأن المناخ، الذى وقعته 196 دولة من الدول ذات السيادة فى ديسمبر 2015، والذى يوافق على العمل ضد تغير المناخ، وأعطى العالم الأمل فى أن يتم إنجاز شىء فى نهاية المطاف. ثم أعلن الرئيس ترامب فى الأول من يونيو أن الولايات المتحدة ستنسحب من الميثاق.
الحقيقة أن خطر أزمة تغير المناخ وتهديده لبقاء البشر لا يكمن بالأساس فى ندرة المعرفة التقنية؛ ولكن تغير المناخ كان دائما مشكلة سياسية. والواقع أن العديد من المشكلات الأكثر تحديا ــ الأمراض الجائحة، والإرهاب العالمى، والجريمة عبر الوطنية ــ هى فى صميم مشاكل القوة والسياسة. فالمؤسسات السياسية التى تمتلك السلطة لحماية مصالح المواطنين تحولت فى الآونة الأخيرة إلى مؤسسات فاشلة، وهو ما يعنى أن هناك شيئا خاطئا فى ديمقراطية الدولة القومية. حيث إن الحكومات الوطنية قد تخلفت عن مسئوليتها فى استخدام السلطة الموكلة إليها لضمان حياة المواطنين، وتحديدا فى سياق تغير المناخ. وقد ألمح بعض السياسيين إلى احترام نموذج الحزب الواحد الصينى الذى على الرغم من سلطويته يتسم بالفاعلية وذلك على عكس القيم الليبرالية الغربية وتساءل الكاتب أين يمكن أن يجد المرء نماذج مؤسسية تناسب عبء السيادة فى مواجهة المشكلات العالمية مثل تغير المناخ؟
وأجاب الكاتب بأن رؤساء البلديات يعرفون بالفعل الجواب: المدن. وبما أن الدول القومية تتخلف عن المسئوليات والنضال فى هذا العالم المتشابك يمكن أن يتم اعتماد نموذج يحتذى به على الصعيدين العالمى والمحلى مع إعادة تنشيط الإيمان بالسياسة الديمقراطية، وذلك عن طريق الاستعانة بالمدن فى معالجة القضايا المترابطة عالميا على المستوى المحلى. والمساعدة على الخروج من المأزق الإيديولوجى وخيبة الأمل من النظام الديمقراطى. فهى تسمح بتكييف حلول محددة، والالتزام بالبراجماتية، والحفاظ على التعاون العالمى فى مواجهة التهديدات المشتركة، وإعادة ربط المواطنين مباشرة بحكوماتهم، وتعزيز الحياة المدنية التى تلاشت على نحو متزايد.
وعلى الصعيد المحلى، فإن الاستعانة بالمدن سوف يؤدى إلى التخفيف من حدة تعقيد المشكلات السياسية. هذا عطف على أن رؤساء البلديات لا يمتلكون رفاهية المراوغة؛ فإذا كان هناك شىء يذهب على نحو خاطئ، فإنهم لا يمكن أن يفسروا ذلك بعيدا أو يقوموا بإلقاء اللوم على المعارضة ليس أماهم سوى حل الأمر بشكل قاطع ومن دون تردد. 
ويضيف الكاتب أن المدن تعمل بشكل أكثر فعالية لأنها تعزز شكلا من أشكال الديمقراطية التى اختفت عن المسرح الوطنى. والديمقراطية، هى أكثر من مجرد حكم أغلبية. إنه شعور بالحياة المدنية المشتركة حيث تتحول وجهات النظر المتباينة إلى عمل مشترك. إن المدينة، مهد الديمقراطية، تعزز التعاون والاتصال المباشر بين المواطنين والمؤسسات السياسية التى وضعوا فيها المسئولية عن رفاهيتهم.
***
فى سياق تغير المناخ، تقف المدن على الحدود الوطنية وتتعاون مع بعضها البعض مباشرة، وقد أسس «بنجامين باربر» عالم السياسة والمؤلف الأمريكى البرلمان العالمى لرؤساء البلديات، وهى منظمة مكرسة للنهوض بالإيمان بأن المدن هى الحل. كما تقوم بتنسيق جهود المدن ضد تغير المناخ. فى حين أن الدول القومية تكافح من أجل المساواة بين مختلف الإجراءات المناخية بشكل عادل فى سياق القدرات المتباينة.
المشكلة هى أنه حتى مع اضطرار المدن إلى تحمل هذه الأعباء السيادية، فإن جهودها تعرقل مرارا وتكرارا، وتذكر أنها تابعة ومختصة للدولة القومية. ففى ولاية نورث كارولينا، على سبيل المثال، تضمنت الفوضى التى عجلت بها «BB2»،، حكما يحظر قوانين الحقوق المدنية المحلية، ويستهدف على وجه التحديد مدينة شارلوت ومرسوم حقوق المثليين. وفى هذا السياق نفسه، دفع الحاكم جريج أبوت من ولاية تكساس قانونا يحظر ما يسمى بمدن الحرم فى ولاية تكساس، حيث اختار الاختصاصات المحلية.
وبالنظر إلى هذه العوائق وطرق الوصول إليها، يثير باربر سؤالين: مسألة الولاية غير الممولة ومسألة السيادة. أولا، كيف يمكن للمدن أن تتحمل مسئوليات عالمية عندما تفرض الضرائب على معظم العائدات الضخمة التى ترفعها السلطات المركزية ولا يعود على المدينة إلا جزء ضئيل؟ ثانيا، كيف يمكن القول بأن المدن هى المحكم الجديد لسيادة الشعب؟ إن جوهر قضية باربر ليس فقط أن المدن يجب أن تتحمل العبء، ولكن يجب إعادة صياغة هذا الحق فى لغة الحقوق. ليس من العملى والفعال فقط للمدن أن تأخذ على عاتقها هذه المسئولية، انها مجرد حق. وقد اعتبر برلمانه العالمى أول حركة عالمية لحقوق المدن فى المقام الأول.
ولعل اقتراح باربر الأكثر جذرية هو أن الإيرادات التى تجمعها المدن يجب أن تظل تحت التقدير المحلى. فلماذا لا تستطيع مدينة نيويورك، وهى واحدة من أغنى المدن فى العالم، تحمل تكاليف صيانة هياكلها الأساسية؟ ولماذا يثق الأمريكيون فى أن سياسيين فيدراليين بعيدين جدا يعرفون الحلول المناسبة دوما لمشاكل المدن؟، ولماذا لا يثقون بنفس الدرجة فى رؤساء البلديات. ولماذا لا يوجد تنوع للخيارات بين المدن بدلا من سياسة مركزية واحدة ــ مثلما هى الحال فى «مختبر الديمقراطية»؟ 
***
يطرح باربر الأسئلة المهمة ويتركها دون إجابة، إن وجهة نظره الحضرية التقدمية لا تفسر اتساع الفجوة الحضرية / الريفية فى الولايات المتحدة. وإذا كانت المدن ستحافظ على أكبر قدر من إيراداتها، فإن سكان الريف قد يكونون أسوأ حالا. وتتجادل حجته بشكل ملائم فى حالات إشكالية مثل الانقسام السياسى فى تايلاند بين بانكوك، مع نخبته المتعلمة والأثرياء، والريف الشمالى فى البلاد.
وعلاوة على ذلك، لا يترك لنا باربر فكرة عن الكيفية التى تعمل بها الديمقراطية الحضرية بفعالية أكبر فى الاضطلاع بالمسئوليات التى تصاحب المزيد من الحقوق السيادية. ومن المنطقى أن السياسيين المحليين يمكن أن يجدوا بسهولة أكبر الحوار والتعاون والتسوية، وفى نهاية المطاف العمل. فهى ليست مرهونة بمشهد السياسة التلفزيونية. ولكن ما هى الآليات التى تسمح للسياسة المحلية بأن تكون أكثر مشاركة وفعالة فى نهاية المطاف؟ إن الدفع المتنامى للمدن الذكية يعطينا القلق والأمل. ويمكن للتكنولوجيا أن تتيح المزيد من المشاركة والحكم الديمقراطى الفعال، أو يمكن أن تكف عن سياسة حضرية غير منصفة فى الهدف الموضوعى من التكنوقراطية.
لا يزال البرلمان العالمى لباربر يحقق مكاسب ملموسة فى النهوض بالحكم الذاتى الحضرى. ولا شك أن لغة الحقوق يمكن أن تكون قوية. ولكن التاريخ يذكر القليل جدا من الحالات التى تم فيها نقل السلطة المركزية عن طيب خاطر.
بطبيعة الحال، ينبغى للمرء أن يكون متحفظا تجاه الحلول السحرية للتحديات التى تجابهه، الدول القومية لن تذهب إلى أى مكان، ومن المؤكد أن المدن لا تريد التخلى عن نظام مصرفى مركزى وعملة مشتركة، فعلى سبيل المثال استطاعت شبكة عالمية من المدن أن تكون قادرة على حل الكوارث حالة الحرب الأهلية السورية. ولكن النظام الحالى فى سوريا فى فترة ما بعد الحرب، على الرغم من كل المحاولات العظيمة لحل مشكلاته من قبل القادة غير المؤهلين والخبيثين على حد سواء، لن ينهار بين عشية وضحاها.
***
ختاما يذكر الكاتب أن الخطوة الحكيمة إلى الأمام هى مناقشة كيفية تغيير المدن ومناطقها فى الدولة القومية، وقد حاول رئيس الوزراء الإيطالى المخلوع ماتيو رينزى إعادة تنظيم مجلس الشيوخ الإيطالى فى المناطق الحضرية، مما أسفر عن التخلص من الحدود القديمة. فالحالة ضد نظام الكليات الانتخابية الذى عفا عليه الزمن فى الولايات المتحدة، التى تفضل بشكل غير متناسب المناطق الأقل كثافة من حيث الإنتاجية الاقتصادية المنخفضة، تكتسب زخما. وبالتالى فالحاجة ماسة إلى إعادة تقييم الروايات الوطنية فى عهد جيفرسون التى تجعل من الريفية مثالية وتشوه صورة المناطق الحضرية.
كان عصر الدولة القومية هو عصر الاعتقاد الإيجابى فى المركزية، والمبادئ المنفصلة الصارمة والمنظمة. ولكن هناك نظام معقد من الفوضى. إن هذا العصر قلق، حيث التغير المضطرب يخلف عجزا فى قدرة الدول القومية على الوفاء بالمسئوليات التى عهد بها المواطنون إليها. لقد كانت الدولة القومية دائما مفهوما غامضا يستند إلى روايات مشتركة، أحيانا قصص وهمية. فى كل مكان نرى هذه الروايات متعثرة. ولكن السرد المشترك للحياة الحضرية لم يتغير قط. هذا هو السرد الذى نختبره يوميا والذى يربطنا ببعضنا البعض. باربر عرف هذا الواقع الحضرى للحياة. وقام بوضع حجر الأساس. ولدت الديمقراطية فى المدينة، وقد لا يمكن العثور عليها إلا هناك.

إعداد: أسماء رمضان 

النص الأصلى 

 

التعليقات