حينما يحتفل المصريون بطريقتهم! - إيهاب الملاح - بوابة الشروق
الأحد 2 نوفمبر 2025 7:27 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

من يحسم السوبر المصري؟

حينما يحتفل المصريون بطريقتهم!

نشر فى : الأحد 2 نوفمبر 2025 - 1:20 ص | آخر تحديث : الأحد 2 نوفمبر 2025 - 1:20 ص

(1)

يطالع قارئُ (الشروق) العزيز هذا المقال بالتزامن مع الاحتفال الكبير والمهيب بافتتاح المتحف المصرى الكبير (الأول من نوفمبر) الذى تحضرت له المحروسة وتهيأت له العاصمة والمنطقة الأثرية القديمة بالجيزة (هضبة الأهرامات وميدان الرماية والمتحف المصرى الكبير). المنطقة المحيطة بالمتحف بأسرها تظهر فى أبهى حلة وأحلى شكل وأرقى هيئة بما يليق بمصر والمصريين.

مع افتتاح المتحف المصرى الكبير والعظيم والشاهق، ذلك المتحف الذى انتظرناه طويلا، قرابة ربع القرن، حتى اكتمل تشييده واكتمل إعداده وتجهيزه وأصبح -فعلًا لا قولًا- أحد مفاخر مصر فى هذا الزمان، وإحدى منارات المجد المصرى فى القرن الواحد والعشرين؛ متحف هو الأكبر فى العالم، يطل على أقدم عجائب العالم، ويقبع فوق أقدم بقعة فى العالم شهدت انبثاق النور والضمير والعلم والمعرفة والحضارة، على ضفاف النيل، وفى مواجهة الأهرامات معجزة الزمان وفريدة الدهر.

(2)

ومنذ أسابيع، وبخاصة الأيام السابقة مباشرة للاحتفال، تسود حالة من الابتهاج والفرح الحقيقى بشكل جمعى وظاهر، وتجلَّى كما لم يتجلَ من قبل فى ممارسات المصريين على "السوشيال ميديا" بكثافة ظاهرة، وطرقهم المبتكرة الطريفة فى الإعلان عن هذا الابتهاج وهذا الفرح وعلى طريقتهم الخاصة!

الآلاف (بل ربما عشرات الآلاف) اتجهوا إلى تصميم صورهم بالزى المصرى القديم ببرامج الذكاء الاصطناعى، ووضعها كبروفايلات لصفحاتهم الشخصية، والغريب واللافت أنه كلما تصاعدت بعض الأصوات المتعالية المحتجة التى تستكثر على المصريين فرحتهم هذه، وتحاول أن تعكر صفو هذه الفرحة بأى كلام غير لائق يتزيا مرة بزى «التنظير» و«التفكير العميق» ومرة بزى «المعارضة السياسية»، وأخرى بزى «التدين الأصولى».. إلخ، تزداد رغبة المصريين فى الفرح والاحتفال، وتتوهج مشاعرهم، ويتمادون أكثر فأكثر فى الإعلان عن هذا الفرح، وتتراكم ردودهم بشكل عملى فى انتشار صورهم بالزى المصرى القديم أو مشاركة مقاطع الفيديو القصيرة عن «المتحف» ومقتنياته وقاعاته أو ينشئون هم بأنفسهم محتوى بصرى أو سمعى، إلخ.

لا يعدم المصريون حيلة لمواجهة الكآبة، وإفساد الفرح، وفرض الرأى، وأى محاولة لإلزامهم باتباع خط سير معين أو مسار بذاته! سلاحهم الأساسى والمكين والمتين هو «السخرية» و«المفارقة» واللعب على أوتارها قولًا ورسمًا وتنكيتًا وبكل الوسائط الحديثة الممكنة والمتاحة، أو سمِّها -إن أردت بلهجتهم الدارجة- «التريقة» المميتة التى لا يستطيع أى من كان النجاة من لفحها وصهدها وحرارتها اللاهبة!

(3)

وفى تقديرى، فإن المظاهر الشعبية للاحتفال بافتتاح المتحف المصرى الكبير، كانت وما زالت سابقة وجارفة على أى مظهر رسمى أو توجيهى من أى نوع! هناك شعور جمعى جارف بضرورة الالتفاف حول هذا الحدث، وهناك شعور جمعى جارف وعميق بإحساس وطنى نابع من إدراك فطرى لما تعرضت له مصر -وما زالت تتعرض- لمخاطر وتحديات وتهديدات تحدق بها من كل جانب، شرقًا وغربًا وجنوبًا!

الناس هنا يلتفون حول أى فكرة أو حدث أو موقف مُجرَّد من أى توظيف سياسى أو استغلال لتيار هنا أو هناك، إنهم يلتفون حول راية واحدة وفقط، ودونما أى حسابات أو مراهنات أو مزايدات! يقبلون بفطرتهم ما يرونه مستحقًا للقبول والاحتضان ويلفظون بحنكة واقتدار ما يستشعرون منه الغرض والمرض!

هكذا كما خلقهم الله، وكما يحبون أن يمارسوا حياتهم دونما فذلكة ولا تنظير، ويتغلبوا على أى إحباطات وظروف صعبة، باقتناص أى لحظة فرح تجدد طاقتهم وتمنحهم بارقة أمل، تاريخهم كله مصداقًا لذلك!

من أول الأحداث الوطنية التاريخية الكبرى (منذ ثورة 1919 حتى نصر أكتوبر المجيد 1973) ومرورًا بمباريات الكرة والبطولات القارية والعالمية، والحماس الهيستيرى فى تشجيع منتخباتنا الوطنية فى كرة القدم وكرة اليد وفى الألعاب الفردية فى الأولمبياد، ووصولًا إلى القبول الواسع والكاسح والاستجابة الرائعة المذهلة للاحتفالات الكبرى الثلاث فى السنوات الأخيرة، والمتصلة بحضارة مصر القديمة، وتاريخ مصر القديمة (موكب المومياوات الملكية، وطريق الكباش الأثرى فى 2021، افتتاح المتحف المصرى الكبير 2025).

(4)

إن الشعور العارم بهذه الفرحة الجارفة بافتتاح المتحف المصرى الكبير هو شعور بالإنجاز الكبير وسط ركام ضخم من التحديات والإحباطات، هذه الفرحة نستحقها، ويستحقها أبناء مصر ومن يحبونهم، لأنها تذكرنا بأننا ما زلنا قادرين على صنع ما يليق بتاريخنا العظيم، وإرثنا الجليل، ومكانتنا بين الأمم والشعوب وأصحاب الثقافات العريقة، شاء من شاء وأبى من أبى.

ولعلنى أعيد وأكرر مع صديقى المؤرخ الكبير الدكتور محمد عفيفى فى مقاله المهم عن المتحف الكبير:

«هكذا ندرك أهمية تأسيس متحف، فما بالنا بتأسيس «المتحف المصرى الكبير» الذى يُعد بحق أهم متحف للمصريات فى العالم. لذلك لا ينبغى النظر إلى المتحف الكبير على أنه مجرد مزار سياحى، سيزيد من الكثافة السياحية إلى مصر، أو كونه مصدرًا للعملة الصعبة، لكن النظر بعمق إلى الجانب الآخر والأهم من الحدث، من حيث ارتباط المتحف فى التاريخ المصرى بالقومية المصرية، وبداية مرحلة جديدة تختلف عن سابقتها، وهو ما تحتاجه مصر جليًا». نعم، هذا ما نحتاجه الآن وفى المستقبل.