العراق خلال عام - محمد مجاهد الزيات - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 9:14 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

العراق خلال عام

نشر فى : الأحد 3 يناير 2010 - 9:36 ص | آخر تحديث : الأحد 3 يناير 2010 - 9:36 ص

 شهد العراق فى عام 2009 تطورات على درجة من الأهمية، سواء فيما يتعلق بالتحالفات السياسية استعدادا للانتخابات البرلمانية المقبلة، أو فيما يتعلق بالترتيبات الأمنية المصاحبة لانسحاب القوات الأمريكية من المدن، وكذلك تطورات العلاقة بين الحكومة المركزية وإقليم كردستان، والأهم من ذلك ما يتعلق بجهود المصالحة الوطنية وموقف المقاومة العراقية.

لقد كشفت المعركة السياسية التى شهدها العراق لإقرار قانون الانتخابات عن استمرار الخلافات الطائفية والعرقية، فقد ظهر الخلاف واضحا حول توزيع المقاعد بين الشيعة والأكراد وإصرار الأحزاب التابعة لهما على تمرير قانون الانتخابات على حساب حقوق طائفة السنة فى عدد من المحافظات وهو ما يثير الارتياب والقلق بخصوص المستقبل، وكانت الشهور الأولى من هذا العام قد شهدت تحركات مكثفة من جانب جميع الأحزاب لإعادة هيكلة مؤسساتها، وانتشارها فى مناطق جديدة، وصياغة تحالفات مع قوى وأحزاب أخرى، مستفيدة من درس انتخابات مجالس المحافظات واستعداد للانتخابات البرلمانية التى سوف تجرى فى مارس2010، وكانت من أهم نتائج ذلك تبلور تحالفين شيعيين كبيرين، تزعم أولهما المجلس الأعلى الإسلامى بزعامة عمار الحكيم وضم كتلا شيعية أهمها التيار الصدرى وحزب الفضيلة وجناح إبراهيم الجعفرى المنشق عن حزب الدعوة، والتيار الآخر هو تحالف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء المالكى وارتكز بصفة سياسية على حزب الدعوة وبعض الكيانات السياسية التى أثبتت تأثيرها فى انتخابات مجالس المحافظات إلى جانب عشائر شيعية وشخصيات سنية، وقد فشلت محاولات دمج التحالفين بسبب اشتراط المالكى ضمان توليه رئاسة الحكومة الجديدة وتولى بعض القيادات الموالية له مناصب متقدمة فى جميع مؤسسات الدولة بعد الانتخابات وهو ما رفضته قيادات المجلس الأعلى، ورغم تبلور التنافس بين التيارين بصورة واضحة، إلا أن ممارسات قادة التيارين وما صدر عنها من تصريحات تؤكد أن هناك اتفاقا بين الطرفين يتقبل رفض الاندماج ضمن تحالف واحد، ويبقى على فرص التنسيق فيما بعد الانتخابات على أرضية ما تسفر عنه نتائجها على ألا يؤدى التنافس لأى تأثير سلبى على الهدف الاستراتيجى لكل منهما وهو استمرار الهيمنة الشيعية على النظام السياسى، والجديد هنا هو حديث قادة التيارين عن ضرورة الانتقال من دولة العراق التى تقوم على المحاصصة السياسية إلى دولة العراق التى تقوم على الشراكة السياسية، وهو تطور إيجابى فى مظهره إلا أنه يشير إلى طموح أن تنفرد التيارات التى تحقق الأغلبية بالحكم دون الالتفات إلى المحاصصة، وهو ما يرجح احتمال صياغة شراكة بين التيارين بعد الانتخابات تؤكد هذا المفهوم، خصوصا فى ضوء نجاح السيد إياد علاوى فى تكوين تكتل يبتعد كثيرا عن الطائفية ويمتلك فرصا لمنافسة التيارين المذكورين، فى بعض المناطق وعلى حساب الحزب الإسلامى الذى تتراجع شعبيته داخل الوسط السنى فى مناطق كثيرة.

والتطور اللافت هو سعى رئيس الوزراء لصياغة تعاون مع التحالف الكردى، وإذا كان الأكراد يحرصون على وجود علاقات متميزة مع كلا التيارين الشيعيين، فإن الشهور الأخيرة شهدت تجاوبا من رئيس الحكومة مع بعض المطالب الكردية خصوصا فيما يتعلق باعتبار القوات العسكرية الكردية (البشمرجة) جزءا من الجيش العراقى وتتولى الحكومة المركزية سداد رواتبهم، مع إبقائهم تحت سلطة الإقليم دون تدخل من قيادة الجيش العراقى، وكذلك الموافقة على زيادة نصيب إقليم كردستان من الميزانية الاتحادية، وذلك لضمان كسب الموقف الكردى إلى جانب التحالف الذى يرأسه ولموازنة تأثير التيار الشيعى الآخر، وهو ما يشير إلى أن التنافس بين الكتلتين الشيعيتين يرتب فى النهاية مزيدا من المكاسب للأكراد، الأمر الذى زاد من حجم مطالبهم خصوصا فيما يتعلق بزيادة عدد المقاعد المخصصة لمحافظاتهم فى البرلمان المقبل، وضرورة حسم قضية المناطق البترولية التى تطالب الحكومة الكردية بضمها للإقليم خاصة كركوك.
ولاشك أن موقف الرئيس الأمريكى وتأكيده على ضمان الحقوق الكردية فى مقابل موافقتهم على تمرير قانون الانتخابات يعكس بوضوح ملامح التحرك الكردى فى هذه الملفات خلال المرحلة المقبلة وحجم الدعم الأمريكى بهذا الخصوص، والخطير هنا هو نجاحهم فى ممارسة ضغوط خلال إقرار قانون الانتخابات زادت من حجم المقاعد المخصصة لهم فى البرلمان بما يتجاوز نسبتهم إلى إجمالى سكان العراق، وتركيزهم على ضرورة تحديد سقف زمنى لتلبية مطالبهم الأخرى مستفيدين من تطلعات القوى السياسية الرئيسية فى العراق لكسب دعمهم، والرغبة الأمريكية فى تحقيق نوع من الاستقرار يسمح بالانسحاب الآمن فى التوقيتات المحددة.

ومن ناحية أخرى شهدت جهود المصالحة الوطنية فى العراق ومحاولة دمج القوى والتيارات السنية المعارضة فى العملية السياسية تراجعا كبيرا ارتبطت برفض القوى السياسية الشيعية الإخلال بطبيعة التوازن القائم حاليا، ومحاولة استيعاب تلك القوى منفردة ضمن التحالفات القائمة لتحقيق مزيد من التشتت وعدم التماسك ككتلة سياسية مؤثرة، كما ارتبط ذلك باستمرار المأزق الذى تواجهه المعارضة العراقية نفسها، وعدم حسمها لقرار الانخراط فى العملية السياسية، أو الاستمرار خارجها، وكذلك توسيع مجالات حركتها بما لا يجعل خيار المقاومة المسلحة هو الخيار الوحيد، ولاشك أن الحكومة قد وجدت فى التفجيرات التى شهدتها بغداد مؤخرا فرصة لتوجيه اتهامات للمقاومة والاعتراض على الجهود التى تدعمها الولايات المتحدة للحوار معها.

وقد ترك مجمل ما سبق انعكاسات واضحة على الملف الأمنى فى العراق، فقد أدى التنافس المصلحى للأحزاب المختلفة إلى اختراقات داخل الأجهزة الأمنية وتراجع للمصالح القومية فيما يتعلق بعمل هذه الأجهزة، وقد وصل هذا التنافس إلى العجز عن الاتفاق عن بديل لرئيس جهاز المخابرات العراقية، بعد إقالة اللواء الشهوانى ورغبة المالكى فى السيطرة على هذا الجهاز الذى كان يخضع للسيطرة الأمريكية وبعيدا عن السيطرة الحكومية حتى عدة شهور.

وقد كشفت الأوضاع الأمنية فى العراق خلال العام 2009 عن عدد من المؤشرات من أهمها: تراجع أعداد العناصر الأجنبية التى تتسلل للعمل ضمن صفوف تنظيم القاعدة وهو ما يرجح أن معظم خلايا وكوادر هذا التنظيم حاليا يسيطر عليها عراقيين، وأن التنظيم تراجع نشاطه فيما يتعلق بعدد العمليات، لكنها أصبحت أكثر خطورة وتركيزا من خلال عمليات ضخمة ذات قدرات تدميرية عالية، تؤكد أنه لايزال يمتلك الكوادر الفنية ذات الخبرة، وبعض الملاذات الآمنة، كما يوحى هذا النشاط باحتمال تراجع العداء الذى شهده العامين السابقين بين بعض فصائل المقاومة والقاعدة، وأن يكون هناك نوع من التفاهم يسمح بتوفير بعض الدعم المتبادل، خصوصا بعد رفض الحكومة اندماج قوات الصحوة التى انفصلت عن المقاومة وقادت الحرب ضد القاعدة ضمن مؤسسات الدولة حتى لا تخل بنظام المحاصصة القائم حاليا، وفى تقديرى أن مجمل التطورات الأمنية تشير بوضوح إلى عجز قدرات وأجهزة الأمن العراقية عن تولى المسئولية الأمنية فلا تزال عملية اعتقال أفراد داخل أحياء بغداد تحتاج إلى مساندة قوات أمريكية وهو ما يؤكد ذلك بصورة كبيرة.

ومن ناحية أخرى فإن هناك نوع من التحسن النسبى فى علاقات العراق ببعض دول الجوار، وتوقيع اتفاقيات تعاون متعددة مع كل من تلك الدول فى بداية العام، حيث نجحت تركيا فى توثيق علاقاتها بكل القوى العراقية طائفية وعرقية وارتكز تحركها فى العراق لتحقيق أهداف إستراتيجية من بينها محاصرة نفوذ وحركة حزب العمال الكردستانى وتجفيف منابع الدعم له، وتوسيع حجم التبادل التجارى وفتح مجالات أوسع للشركات التركية فى العراق، إلا أن ذلك لم ينعكس حتى الآن على التجاوب مع المطالب العراقية للحصول على الحقوق المقررة فى مياه دجلة والفرات التى لا تزال تخضع لمساومة تركية، وتختلف العلاقات مع سوريا التى رغم توقيع اتفاق تعاون استراتيجى معها، إلا أن الحكومة فى بغداد لا تزال تواصل اتهامها بإيواء قيادات المقاومة وترفض دمشق طرد بعض القيادات البعثية وعناصر من المقاومة من أراضيها حيث تحرص على أن تكون مرجعية إقليمية يتم الحوار معها بخصوص هذه الملفات عند الضرورة واستثماره فى الحوار الجارى مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوربى فيما يتعلق بملف العلاقات الثنائية أو جهود استعادة الجولان، وإن كان من الثابت أن سوريا بذلت جهودا كبيرة لضبط الحدود مع العراق فى مواجهة تسلل عناصر معادية من خلالها.

ويشكل الموقف الإيرانى تميزا وضحا على هذا المستوى، فقد شهد عام 2009 تحركات إيرانية ملحوظة داخل العراق استهدفت دفع القوى الموالية لها لتشكيل تحالف موسع واحد بين الأحزاب الشيعية لترجيح أغلبية متماسكة، وزيارة عدد من كبار المسئولين الإيرانيين لبغداد لهذا الغرض، وتكثيف الضغوط على المالكى للانخراط فى هذا التحالف، وتطوير التعاون مع حكومة إقليم كردستان بصورة ثنائية تتجاوز فى بعض جوانبها الحكومة المركزية، من أهم مظاهرها ما تم الاتفاق عليه خلال الزيارة الأخيرة لرئيس حكومة كردستان لطهران من إلغاء تأشيرات الدخول بين مواطنى الإقليم وإيران والتعاون الاقتصادى والأمنى، وجاء الاحتلال الإيرانى لأحد آبار حقل الفكة البترولى ليكشف عن طبيعة الموقف الإيرانى الذى لايزال يرفض ترسيم الحدود ويطرح ادعاءات حول مناطق بترولية متعددة فى شط العرب وعلى امتداد الحدود المشتركة وهو ما يكشف عن طبيعة الأطماع الإيرانية فى النهاية، والقلق من تعافى العراق كدولة مركزية قوية، هكذا كان العراق خلال العام المنصرم ويتحرك إلى العام الجديد مشحونا باستمرار نفس عوامل الخلاف، مع تراجع نسبى للصراع الطائفى لازال يحمل داخله عوامل التوتر مع عدم جدية القوى السياسية المهيمنة فى تحقيق مصالحة وطنية حقيقة، وسياسة أمريكية تستهدف استكمال الشكل الديمقراطى للنظام السياسى دون معالجة حقيقية لمشاكله، واستمرار ضعف الحضور العربى داخل العراق رغم توافر الكثير من الظروف التى تسمح بتطوير هذا التأثير وإن كان ذلك يتطلب مواقف عربية أكثر جدية وفاعلية، تتفهم طبيعة التطور السياسى فى العراق، وتتعامل مع القوى المؤثرة فيه، وتقدم المساندة والدعم اللازم لتحقيق المصالحة الوطنية على أن يصاحب ذلك حركة نشيطة للتعاون الاقتصادى على قاعدة المصالح المشتركة، وإن كان ذلك يتطلب حوارا عربيا موسعا لتوفير المناخ الداعم للاستقرار فى العراق كهدف استراتيجى ويحول دون إقصاء أية أطراف عن المشاركة السياسية.

محمد مجاهد الزيات مستشار أكاديمى فى المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية
التعليقات