لاحظت أننى كلما التقيت آخرين ممن لهم اهتمام يتجاوز هموم يومهم يطرحون أسئلة قلقة حول المستقبل، وهى نفس الأسئلة التى يطرحها الناس على كل من يلتقونه من النشطاء فى المجال العام إعلاميا أو سياسيا. لماذا يشعر قطاع من المصريين بأن المجتمع يسير فى مسار غير طبيعى أو على أحسن تقدير ينتظره مستقبل غير واضح، رغم أن لديه رئيسا له شعبية فى أوساط عديدة، ودستور، وينتظر انتخابات برلمانية تكمل خارطة طريق، وهناك حركة دؤوبة لبناء وتطوير مشروعات عامة؟
الناس معذورون، لا هو مجتمع يشهد ركودا ونمطية وثبات فى المكان مثلما كان الحال أيام مبارك، ولا هو مجتمع يموج بالتقلبات السياسية الحادة كثيفة الدسم مثلما كان الحال فى العامين اللذين أعقبا ثورة يناير. حالة غائمة، وسيطة بين مجتمع يريد البعض عودته إلى القديم، بما فيه من موالاة للمال وأصحابه، وثبات المراكز السياسية، وقبضة أجهزة الدولة، ويسعى البعض الآخر من قوى سياسية مبعثرة ضعيفة الحصول على نصيب وافر من السلطة، واتجاه ثالث يريد أن يصفى حساباته مع الجميع، وهو التيار الإسلامى.
هناك أسباب كثيرة تفسر هذه الحالة. أولاً: تأخر الانتخابات البرلمانية، وسط وجود حالة من التخبط فى الاتفاق على إطار قانونى لها، فضلا عن غياب أية تحالفات انتخابية واضحة. ثانيا: استشراء ممارسات قديمة، مقتها المجتمع، وتصور أنها زالت مثل الفساد، انتهاك حقوق الإنسان، ناهيك عن ظهور شخصيات تمثل فى ذاتها عنوانا لعصر مبارك بما حمله من اختلاط المال بالسلطة، وخدمة أصحاب النفوذ، الخ. ثالثا: صعود وهبوط فى موجات العنف والإرهاب تطول مواطنين عشوائيا بحكم وظيفتهم مثل القضاة وضباط الجيش والشرطة رابعا: قسوة الوضع الاقتصادى، وتفشى شائعات حول تحريك اسعار سلع أو الغاء الدعم، مما يجعل المواطن متوسط الحال فى حالة قنوط وقلق. خامسا: تحول الإعلام إلى ساحة للعراك، والمبارزات الكلامية الخشنة، وتأجيج الخلافات، وعدم طرح قضايا جادة. سادسا: ضعف أداء ومبادرات جهاز الدولة فى قضايا كثيرة، إلى جانب تراجع مستوى بعض القيادات الإدارية والسياسية التى تتولى المناصب العامة.
هناك على ما يبدو من يريد أن يظل المجتمع يعيش حالة المواجهة، والاستنفار، وهم خليط من مصالح قديمة، وإعلاميين، وساسة محبطين، ومؤسسات استبيحت فى السنوات الماضية، ولا يزال يخالجها الرغبة فى الثأر. كل ذلك لن يفيد فى تقدم اقتصادى، أو استقرار سياسى، أو تنمية. الحل هو أن ننزع القلق من نفس المواطن عبر سلسلة من الإجراءات، التى تصب فى بناء الثقة فى المجتمع منها فتح المجال العام أمام المبادرات المدنية، وتعميق دولة العدالة والقانون، وتوجيه الإعلام لإثارة القضايا التى تتعلق باحترام حقوق المواطن على جميع المجالات، والكف عن تصفية الحسابات مع ثورة 25 يناير، فكريا وسياسيا، والتخلى عن الرغبة فى الانتقام، والسعى لبناء مستقبل نستفيد فيه من الأخطاء السابقة دون تكرارها، وتوسيع نطاق المشاركة لتشمل قطاعات واسعة من المجتمع، وبخاصة القوى الشبابية، وبث الأمل فى خطة تنموية عامة يشارك فيها المجتمع.
من الضرورى أن ننزع القلق من نفوس المواطنين.