الطلاب الأذكياء يتخصصون فى المواد التى يحبونها - قضايا تعليمية - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 12:47 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الطلاب الأذكياء يتخصصون فى المواد التى يحبونها

نشر فى : الأربعاء 3 يونيو 2015 - 9:15 ص | آخر تحديث : الأربعاء 3 يونيو 2015 - 9:15 ص

نشرت صحيفة الكرونوكيل للتعليم العالى مقالا للكاتبة سيسيليا جابوشكين، أستاذ مساعد فى التاريخ ومساعد عميد الكلية لشئون استشارات ما قبل التخصص فى كلية دارتموث، تتناول فيه إشكالية اختيار التخصص المناسب للطلاب الجامعيين، مؤكدة على أنه لابد من تعدد الاختيارات أمام الطلاب وإتاحة الفرصة أمامهم، مبينة أنه ليس بالضرورة أن يرتبط التخصص بمهنة المستقبل.

وتبدأ جابوشكين مقالها بأنه فى مثل هذا الوقت من العام مرة أخرى: يعلن طلاب السنة الثانية تخصصاتهم فى العديد من الكليات. وتتردد فى هذه المناسبة عبارات التساؤل بين الأقارب عما يعتمد الأبناء التخصص فيه، وتردد الآباء فى إنفاق قدر كبير من المال على تعلم تخصص معين. وتستند هذه الاستجابات على فرضية أن دفع مبالغ كبيرة لاختيار المسار الوظيفى، وبالتالى مستقبل مادى معين، يضمن درجة من الأمان، ونمطا فى الحياة، وهوية بأكملها.

ويبدو الخيار مرادفا لـ«ماذا تريد أن تفعل بحياتك؟» وحتى «من تريد أن تكون؟» وفى كثير من الأحيان يكون من المفهوم بداهة، أن القرار يتم اتخاذه على نحو ليس مفيدا للطالب أو لمهمة التعليم العالى.

وتؤكد جابوشكين أنه على الأساتذة والخبراء الأكاديميين، الانتباه إلى مدى انتشار هذه المفاهيم الخاطئة. وأنه من الواجب اغتنام كل فرصة لتقديم التوجيه للطلاب حول كيفية اتخاذ هذه القرارات. حيث إن فرضية أن اختيار التخصص، اختيار لمهنة تقوم على فكرة خاطئة مفادها أن «التخصص» مهم لمحتواه، وأن اكتساب هذا المحتوى يمثل قيمة ــ بمعنى قيمة لأصحاب العمل.
بيد أنه من السهل إلى حد ما اكتساب المعلومات. وبحلول عام ٢٠٢٠ سيكون الكثير من المعلومات المكتسبة فى عام 2015 عفا عليها الزمن. ومن ثم، فإن القيمة، ليست فى مضمون التخصص، وإنما القدرة على التفكير بواسطة ما يحتويه التخصص من معلومات ومن خلالها. وهذا هو الهدف من تعليم المواد الإنسانية، بغض النظر عن التخصص.

وتوضح جابوشكين وجهة نظرها من خلال سؤال أصحاب العمل، وممثلى الشركات الذين يقومون بالتوظيف، حول تلك القضية يقولون فى أحيان كثيرة إنهم لا يهتمون حقا بتخصص الشخص. فما يريدونه هو مهارات أساسية ولكن يصعب الحصول عليها. وعندما يسألون الطلاب عن تخصصاتهم، فعادة لا يفعلون ذلك لأنهم يريدون تقييم إتقان المتقدمين لمحتوى الدراسة، بل لأنهم يريدن أن يعرفوا ما إذا كان الطلاب يستطيعون التحدث عما تعلموه. أنهم يهتمون بقدرات الراغب فى الوظيفة: الكتابة والبحث، والمهارات الكمية والتحليلية. وتؤدى بعض التخصصات إلى تعليم وصقل بعض من هذه المهارات أكثر من غيرها. كما تستخدم بعض المسارات الوظيفية بعضها أكثر من غيرها. ولكن تقريبا جميع وظائف ذوى الياقات البيضاء تتطلب مهارات الكتابة، والاتصال، والتقدير وإجراء الحسابات، وقبل كل شىء التطبيق الخلاق للمعرفة.

•••

وتطرح جابوشكين افتراضا بأن هناك صلة ضرورية بين الموضوعات الدراسية الخاصة وآفاق التطور الوظيفى الطلاب، فبذلك نحد من اختياراتهم، ومن قدرتهم على الاكتشاف والتطور الفكرى. فعلى سبيل المثال، تلقى اثنان من وزراء المالية الأمريكيين تعليمهما فى كلية دارتموث، ولكن لم يكن أى منهما متخصصا فى الاقتصاد أو الإدارة: فكان هنرى بولسون متخصصا فى اللغة الإنجليزية، وتخصص تيموثى جيثنر فى الدراسات الآسيوية والشرق أوسطية. ويدحض الكثير من خريجى دارتموث الآخرين، الصلة المتوقعة بين التخصص والمهن الرئيسية مثل جيك تابر، كبير مراسلى CNN فى واشنطن، متخصص فى التاريخ، وتخصص فيل لورد وكريس ميلر، اللذين كتبا وأخرجا فيلم ليجو وأخرجا فيلم 21 شارع جامب، فى الإدارة والفن والتاريخ، على التوالى.

وتستشهد جابوشكين أيضا بأحد المقربين، وهو خريج متخصص فى الطب، حيث أكد لها أن التركيز على التاريخ كان أفضل شىء فعله على الإطلاق. وأوضح أن جزءا كبيرا من عمله ينصب على الاستماع إلى قصص الناس ومحاولة التعرف على الأنماط والتباينات فيما بينهم، وأن دراسته للتاريخ علمته القيام بذلك بشكل جيد.

وعلى نحو واسع النطاق، فإن، فرضية «التخصص العملى» تؤدى إلى ضعف الحياة الفكرية الجامعية. فبينما يتكالب الطلاب على تخصصين أو ثلاثة، يرون فيها استثمارات جيدة، يكون الأساتذة الذين يقومون بالتدريس فى تلك التخصصات مثقلين بالأعباء، وتصبح نمطية بشكل أكبر وأقل فردية. كما أن النهج المهنى فى تعليم المواد الإنسانية يسلبها بدقة الصفات الأكثر قيمة حول هذا الموضوع: الفضول والشغف الفكرى.

وتضيف جابوشكين ما قاله أحد أساتذة العلوم السياسية فى جامعة دارتموث أخيرا لها، «إن التخصصات الكبرى تجمع الكثير من الطلاب الذين لا يهتمون حقا بالموضوع، وبسبب كثافة قاعات الدراسة يفتقر هؤلاء الطلاب إلى التوجيه المتميز للأفراد». وكذلك أضاف، إن المفارقة «أن التخصصات الكبرى التى تبدو العملية ليست عملية، فقسم إدارة الحكم لا يعلمك كيفية الحصول على السلطة والحفاظ عليها. وقسم الاقتصاد لا يعلمك كيفية تكوين الثروة والحفاظ عليها. وقسم علوم الحاسب الآلى لا يعلمك الطريقة التى تريد شركة جوجل من مهندسيها أن يعملوا وفقها. وكل من هذه العلوم يتم تدريسها باعتبارها علوما إنسانية».

وتشير الكاتبة إلى أنه قد تبين أن ما يسمى التخصصات العملية ربما لا تكون حتى أفضل استثمار. ويشير تقرير صدر فى 2012 أن طلاب السنوات النهائية، الذين يدرسون العلوم الإنسانية، ربما يمتلكون قدرات على التفكير الحاسم أكثر من أولئك الذين تخصصوا فى مجال الأعمال. ولا شك أن التفكير من داخل، ومع، نظام أو فكرة أو مشكلة، يدفع العقل نحو الإبداع والثقة التى تكرس العمل المثمر والمستنير.

•••

وتبين كابوشكين أنه ربما يبدأ خريجو التخصصات «العملية»، حياتهم الوظيفية برواتب أعلى من نظرائهم المتخصصين فى، مثلا، الأدب المقارن أو تاريخ الفن. ولكن كما قال ديريك بوك فى ضعف مستوى الكلية التى تعمل بها الكاتبة، علينا أن ننظر فى أجر الخريجين بعد 15 عاما من العمل. ففى كثير من الأحيان يكون المتخصصون فى الآداب أو الأنثروبولوجيا، على سبيل المثال، بعد اكتسابهم القدرات على التصور، وسعة الأفق، والإبداع، والتحليل، قد نجحوا فى دفع شركة أو مشروع أو رؤية، إلى الأمام. ويتمثل الاستثمار الحقيقى فى تعلم كيفية التفكير. ويزيد الطالب الذى يختار التخصص بناء على ما يحبه من قيمة تلك الاستثمارات.

كما أن تحرير الطلاب من ضغط التخصص العملى والسماح لهم بدراسة ما يتوافق مع ميولهم، سيتيح لهم أن يصبحوا أكثر ذكاء، وأكثر إبداعا، وأكثر قدرة. وهو ما يثمنه أرباب العمل المحتملين، وليس بالطبع محتوى المواد الذى من المحتمل أن يكون عفا عليه الزمن بمجرد الانتهاء من تدريب حديث التخرج.

التعليقات