قراءة في نتائج الانتخابات الأوروبية - علاء الحديدي - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 4:46 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

قراءة في نتائج الانتخابات الأوروبية

نشر فى : الإثنين 3 يونيو 2019 - 10:15 م | آخر تحديث : الإثنين 3 يونيو 2019 - 10:15 م

انتهت انتخابات البرلمان الأوروربى الأخيرة لتفرز مجلسا أكثر انقساما وتفتتا عن ذى قبل، ولتزيد من حالة عدم الثقة واليقين فى المستقبل. ورغم أن الأحزاب اليمينية القومية المتطرفة والشعبوية لم تأتِ بالنتائج التى كانت تتوقعها على مجمل الساحة الأوروبية، إلا أن القراءة التفصيلية لأداء الأحزاب المختلفة فى كل بلد أوروبى على حدة، تكشف عن عدة ملاحظات رئيسية، هى كالتالى:

الملاحظة الأولى؛ أن الأحزاب التقليدية الكبرى، والتى شكلت فيما بينها ما سمى بـ«التحالف الكبير» قد تراجعت مكانتها وهو ما كان متوقعا. فكتلة «الحزب الشعبى الأوروبى» حصلت على ١٧٩ مقعدا بخسارة ٤٢، أما «الاشتراكيون الديمقراطيون» فقد حصدوا ١٥٣ مقعدا بخسارة ٣٨. وبذلك يكون حجم هذا «التحالف الكبير» قد تقلص إلى ٣٣٢ مقعدا بخسارة ٨٠ مقعدا فى مجلس مكون من ٧٥١ عضوا.

المفارقة هنا أن هذه الأحزاب كانت هى التى تبنت عملية توسعة عضوية الاتحاد الأوروبى فى عام ٢٠٠٤ بعد انهيار الاتحاد السوفيتى فى عام ١٩٩١ بضم دول أوروبا الشرقية إليها، ظنا منها أنها بذلك تزيد من مساحة الكتلة «الليبرالية» فى العالم. فى حين كان الهدف الرئيسى لتلك الدول هو فتح باب الهجرة والعمل أمام مواطنيها فى دول الغرب الأوروبى الغنية، وهو ما أدى إلى رد فعل معاكس كما نشاهده فى بريطانيا حاليا. هذا فضلا عن قيام أغلبية ناخبى هذه الدول من شرق أوروبا بالتصويت لصالح الأحزاب الحاكمة والمعروفة باتجاهاتها المعادية للقيم الليبرالية الغربية وخاصة فى المجر وبولندا.

الملاحظة الثانية؛ أن ما كان متوقعا من ذهاب معظم هذه المقاعد الـ ٨٠ التى خسرتها الأحزاب اللليبرالية التقليدية إلى الأحزاب القومية والشعبوية، لم يحدث. فقد حصلت الأحزاب القومية (منها حزب «الرابطة الإيطالى» بزعامة ماتيو سالفينى) على ٥٨ مقعدا بزيادة ٢٠ مقعدا فقط. كما حصلت الأحزاب الشعبوية (ومنها حزب «بريكست» البريطانى بزعامة نايجل فاراج) على ٥٤ مقعدا بزيادة ٦ مقاعد فقط. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل إن حزب «الحرية» اليمينى المتطرف لجيرت ويلدرز فى هولندا قد خسر جميع مقاعده، وتكرر الأمر ذاته فى الدنمارك.

الملاحظة الثالثة؛ والمفاجأة الحقيقية كانت فى ما حققته أحزاب الخضر من أنصار حماية البيئة من تقدم لم يتوقعه أحد، حيث ارتفع عدد مقاعدهم إلى ٦٩ مقعدا بزيادة ١٩. كما أن تكتل «الليبراليون الديمقراطيون» (وهى أحزاب وسطية صغيرة) قد حصلت بدورها على ١٠٥مقاعد بزيادة ٣٨. ولذلك فإن النتيجة النهائية هى أن خسارة الأحزاب التقليدية الكبيرة قد ذهبت لصالح الأحزاب الصغيرة، سواء من اليمين أو اليسار.

الملاحظة الرابعة؛ أن الخاسر الأكبر فى هذه الانتخابات كان الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، المتحمس الأكبر وسط القادة الأوروبيين للعمل على بناء أوروبا «الليبرالية الموحدة»، والتى تشكل مكونا رئيسيا من برنامجه السياسى الذى تم انتخابه على أساسه. فقد حصل حزب «التجمع الوطنى» القومى اليمينى المتطرف بزعامة مارين لوبان على عدد مقاعد يزيد عن مقاعد حزب ماكرون «الجمهورية إلى الأمام» (وإن كان بفارق مقعد واحد)، وهو ما عد ضربة قاسية لماكرون وخططه الحالية والمستقبلية.

ومن المعروف أن فرنسا كانت دوما فى الصدارة منذ عهد الزعيم الفرنسى شارل ديجول فى تبنى مشروع «الوحدة الأوروبية». وكان ديجول ومن جاءوا بعده بعد ذلك فى فرنسا، مع بقية القادة الأوروبيين أبناء ذات الجيل، يعكسون تجربة شعوبهم فى الحرب العالمية الثانية وعدم الرغبة فى تكرارها. ومن هنا كان العمل على التوصل إلى شكل من أشكال الوحدة الأوروبية تنتفى معها دواعى أى حرب جديدة. إلا أن الأجيال الحالية التى لم تعرف مآسى الحربين العالميتين (الأولى والثانية) وتجاربهما المريرة، لا تولى فكرة الوحدة الأوروبية نفس القدر من الاهتمام، حيث أصبحت قضية الهجرة والهوية الوطنية تشكل الهاجس الأكبر للناخبين وليس بناء السلام.

الملاحظة الخامسة؛ أن الرابح الأكبر فى هذه الانتخابات هو نايجل فاراج وحزب «البريكست» فى المملكة المتحدة. فقد ترافقت هذه الانتخابات مع الأزمة التى تعيشها بريطانيا حاليا جراء حالة الارتباك التى تشهدها عملية الخروج من الاتحاد الأوروبى، (والتى سبق شرحها فى المقال السابق بعنوان: أزمة تيريزا ماى أم أزمة بريطانيا؟) وقد جاء حزب «البريكست» فى المركز الأول بـ ٢٩ مقعدا من إجمالى مقاعد بريطانيا البالغة ٧٣، وبما يعكس ما يستشعره الناخبون فى بريطانيا والعديد من الدول الأوروبية الأخرى من أن ملف المهاجرين بات يمثل القضية الأولى الأجدر بالاهتمام وليس أى قضية أخرى.

الملاحظة السادسة والأخيرة؛ أن أيا من هذه الأحزاب أو القوى سالفة الذكر لم تحقق الأغلبية المطلوبة فى المجلس الجديد الذى أصبح بذلك أكثر انقساما وتفتتا بعد تآكل الوسط لصالح أحزاب أصغر على اليمين وعلى اليسار، الأمر الذى يكرس لحالة من عدم اليقين والثقة فى المستقبل. وهو ما سينعكس بدوره على أداء مؤسسات الاتحاد الأوروبى الأخرى، والمنتظر أن تشهد بعض قياداتها تغييرا يعكس موازين القوة والأجندات الجديدة فى المجلس. هذه الأجندات التى ستولى قضايا الهجرة والبيئة أهمية متزايدة وعلى حساب قضايا أخرى مثل تعميق الاندماج بين دول الاتحاد الأوروبى كما ينادى ماكرون أو حتى التصدى لمواجهة ما تراه الأحزاب الليبرالية التقليدية من خطر روسى لا تشاركها فيها بعض دول أوروبا الشرقية، ناهيك عن الأحزاب القومية والشعبوية التى لا تجد أى غضاضة فى التعامل مع بوتين روسيا.

وعليه، فإنه من المنتظر أن تفضى كل هذه التطورات إلى مزيد من الإضعاف لمكانة ودور الاتحاد الأوروبى دوليا، وخاصة بعد خروج بريطانيا صاحبة خامس أكبر اقتصاد فى العالم منه. ويزيد من هذا الإضعاف أيضا تراجع دور كل من فرنسا وألمانيا داخل الاتحاد وهما اللتان كانتا تعدان بمثابة الدينامو المحرك للاتحاد، ودون وجود من يحل محلهما، وذلك بسبب تفاقم عدد من المشاكل الداخلية فى كلا الدولتين مما أدى إلى تركيز جهودهما على حل هذه المشاكل. ويتواكب مع كل ذلك تحديات جديدة تختلف عن التحديات السابقة على الاتحاد الأوروبى أن يواجهها، وهو فى أضعف حالاته. ونقصد بذلك الضغوط التى يتعرض لها من قبل حليف الأمس، أى الولايات المتحدة الأمريكية، ناهيك عن الصين وبما تمثله من قوة جديدة صاعدة.

التعليقات