قصر العينى.. مائتا عام من العلم.. الاحتفالية المنسية - خالد عزب - بوابة الشروق
الأربعاء 3 سبتمبر 2025 11:48 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

برأيك.. من البديل الأنسب لـ ريبيرو في النادي الأهلي؟

قصر العينى.. مائتا عام من العلم.. الاحتفالية المنسية

نشر فى : الأربعاء 3 سبتمبر 2025 - 8:20 م | آخر تحديث : الأربعاء 3 سبتمبر 2025 - 8:20 م

فى عام 1827 أسست أول مدرسة معاصرة فى مصر لتدريس الطب وتخريج أطباء، وعلى عكس كل ما أشاعه أنصار التنوير كان عماد المدرسة مشايخ من الأزهر الشريف أحضروا من الجامع الأزهر شبابا غضا ليدخل هذه التجربة فيجتهد ويثبت جدارته مع العلوم المعاصرة، فى سنة 2027 يمر مائتا عام على إنشاء طب قصر العينى، لكن للأسف كل من جامعة القاهرة وكلية طب قصر العينى مغيبة عن هذا الحدث الهام، الذى يمكن أن يتحول لحدث دولى، فقصر العينى تخرج منه طلاب صاروا أعلاما فى بلادهم، ففى عام 1938 على سبيل المثال تخرج من قصر العينى طلاب من إنجلترا واليونان واليابان وفرنسا وإيطاليا، كان قصر العينى مدرسة علمية مشهودا لها على الصعيد الدولى، لم يكتسب هذه المكانة من فراغ لكن عبر جهود أساتذة وكفاءة خريجيه، ولذا لم تكن شهادته تعادلا، بل كان معترفا بها فى جامعات العالم، وحان الوقت الآن لنسأل، لماذا تراجعت مكانة طب قصر العينى، فالاحتفال الذى يجب أن يقام بعد عامين لابد أن يكون مناسبة لتقييم هذه المدرسة العلمية وأدائها، وكذلك طرح تساؤلات حول مستقبلها، وطرح حلول وبرامج للارتقاء بمستقبله، فالاحتفالات فى مثل هذه المناسبة هى احتفاء من أجل أخذ اللقطة من قبل المسئولين ليس إلا، هذا ما دعانى لطرح هذا كله على الصديقين الأستاذ الدكتور حسام بدراوى والصديق الدكتور مصطفى الصادق وكلاهما من كبار أساتذة قصر العينى.

 

إننا إذا أردنا أن نتحدث عن مرور مائتى عام على تأسيس قصر العينى فهذا يقتضى أن نقول إنه باق من الزمن عامان وأنه يجب من الآن بدء الإعداد لهذا الحدث، لذا فبما أن جامعة القاهرة وكلية طب قصر العينى مغيبان، فعلينا أن نشكل لجنة وطنية للاحتفاء بهذا الحدث، فطب قصر العينى مثّل نجاحا من المدنيين فى مصر فى عدة مجالات وهى كما يلى:
القدرة على استيعاب الطب الحديث بصورة أذهلت الفرنسيين فحين أرسلت أول مجموعة من خريجى قصر العينى لتقييم مستواهم فى فرنسا، جاءت النتيجة مذهلة، ثم تبع ذلك تطور مستمر فى مستواهم حتى فاقوا أساتذتهم من الأجانب وتولوا قيادة هذه المدرسة.
تعريب الطب حيث قام فريق من المترجمين عند نشأة مدرسة الترجمة بين الأساتذة الأجانب والطلبة، ثم تحول المترجمون ليصيروا طلبة فى الطب فصاروا أطباء، ترجم خريجو قصر العينى عشرات الكتب الطبية من الفرنسية والإنجليزية إلى العربية، وهذه قصة كفاح سأرويها لكم فى المقال القادم.


المنافسة مع الآخر، فقد تفوق المصريون فى عدة مجالات بالرغم من الصعوبات التى واجهت مهنة الطب مثل: التشريح وتطبيب النساء، لكن هذه المدرسة التى قامت على العلم أدت إلى أن الدكتور نجيب محفوظ (القبطى) يولد سيدات مصريات، كان منهن والدة الأديب نجيب محفوظ والذى سمى على اسمه، تفوقت مدرسة طب قصر العينى فى الجراحة وطب العيون وطب المناطق الحارة وهو المجال الذى كانت لها فيه السيادة دوليا. كان الدكتور خالد فهمى نشر كتابا قيما فى دار الشروق عنوانه (السعى للعدالة) تناول فيه الصعوبات التى واجهتهها مدرسة طب قصر العينى بصورة تحليلية رائعة.
تقديم ابتكارات فى مجال الطب سُجلت باسم أطبائه، مثل أبحاث الدكتور محمد خليل عبد الخالق (1895 – 1950 م) نشر الدكتور عبد الخالق مائتى ورقة بحثية فى فروع طب المناطق الحارة والطفيليات، فقد اكتشف 30 طفيليا، أطلق على عشرة منها اسمه، كما قام بأبحاث على مرض البلهارسيا وابتكر لعلاجه مركب الفؤادين، فقد صرف وقته لمحاربة هذا المرض حتى جمع القواقع من الترع إلى أن وصل معمليا للتعرف على هذا المرض وأسباب انتشاره فى مصر وفتكه بالمصريين.
إن السؤال الذى يطرح نفسه لماذا غاب البحث العلمى عن قصر العينى، هل يوجد بحث علمى فى قصر العينى وبرامج بحثية به؟، وإن تجاهل الإعلام لهذه البرامج ناتج عن تراجع العلم وقيمته فى مصر، هل نحن فى حاجة إلى النظر للطب فى مصر بنظرة مختلفة؟
قصر العينى ليس مستشفى ولا كلية لتدريس الطب، بل هو مدرسة علمية قادت مصر نحو الريادة فى مجالات الطب، ومن الطريف أن أطباءه لم يكونوا تقليديين، بل كانوا مبدعين فشاعر الأطلال إبراهيم ناجى طبيب وما لا يعرفه الكثير كان كاتبا للقصة القصيرة أيضا، وعلى باشا إبراهيم مؤسس قصر العينى الجديد كان مولعا بالآثار فمتحف الفن الإسلامى الذى حاز مجموعته من التحف يفتخر بها بأنها من النوادر، والدكتور حسن إبراهيم أحد عمداء قصر العينى كان شاعرا وعضوا فى مجمع اللغة العربية، والدكتور مصطفى الصادق من عشاق التراث وقام بمجهود لتوثيق مقابر القاهرة التراثية، والدكتور محمد أبوالغار لديه حب غامر للتاريخ فنشر عدة كتب موثقة فى موضوعات تاريخية لم يهتم بها أحد غيره، ولكن على طول عمر قصر العينى كان به مؤرخون منه له، أبرزهم الدكتور محمود المناوى الذى كان رواء متحف قصر العينى والحفاظ عليه وتجديده.


إنه حان الوقت لبناء أرشيف رقمى للقصر العينى، فالعديد من وثائقه مفقود، لذا لابد من تشكيل لجنة للتأريخ بصورة علمية لهذه المؤسسة، ومراسلة خريجى هذه المدرسة العلمية وأسرهم لجمع المعلومات عنهم، وإتاحتها على موقع خاص بذلك، فالعمق التاريخى أحد أدوات القوة الناعمة لهذه المدرسة العلمية، وهو ما يمكن توظيفه لكى نقيم وقفا علميا غنيا يكفل تقديم خدمات هذه المدرسة للمرضى مجانا، ويكفل تمويل البحث العلمى بهذه المدرسة. وفى سلسلة مقالات سأقدم لك عزيزى القارئ مزيدا من المعلومات والأفكار حول قصر العينى.

خالد عزب  مشرف علي برنامج ذاكرة مصر المعاصرة
التعليقات