بين أوهام القاهرة.. وواقعية واشنطن - محمد المنشاوي - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 10:23 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

بين أوهام القاهرة.. وواقعية واشنطن

نشر فى : الجمعة 4 يناير 2013 - 9:05 ص | آخر تحديث : الجمعة 4 يناير 2013 - 9:05 ص

تنطلق أوهام القاهرة مفترضة أن كل ما يحدث فى مصر هو جزء من استراتيجية كبرى خطط لها تفصيليا فى دهاليز واشنطن. أما واقعية العاصمة الأمريكية فتعتمد فى علاقاتها بحكام مصر على حسابات المكسب والخسارة، والحكم على ما يصدر من أفعال تؤثر على مصالحها الاستراتيجية. 

 

وخلال الأسابيع القليلة الماضية تقدم الأستاذ الكبير محمد حسنين هيكل، والدكتور سعد الدين إبراهيم، رغم ما بينهما من تناقض فكرى، بآراء تعكس رغبة فى عدم الاعتراف بواقع مصرى جديد، وتعكس إيمانهما معا أن واشنطن تقرر، وما علينا نحن إلا التنفيذ.

 

من القاهرة يرى الأستاذ هيكل أن هناك تفاهمات سرية بين إدارة الرئيس الأمريكى بارك أوباما وبين جماعة الاخوان المسلمين بخصوص خريطة شرق أوسط جديدة تخدم فيه مصر، ذات الاغلبية السنية، أهداف الولايات المتحدة. ويرى الاستاذ هيكل أن صعود ظاهرة الاسلام السياسى، ونجاح القوى الاسلامية بالفوز فى كل الانتخابات الحرة التى خاضتها، سواء فى مصر أو حتى خارجها، هو جزء من تخطيط استراتيجى أمريكى.

 

يقول الأستاذ هيكل إن واشنطن ضغطت على المجلس العسكرى لإعلان نجاح الرئيس محمد مرسى فائزا برئاسة مصر. وتجاهل إطلاع سفارات الدول الكبرى فى القاهرة على نتائج فرز اللجان الفرعية، التى سلمت لمندوبى المرشحين، وأكدت فوز مرسى قبل بزوغ فجر يوم 18 يونيو الماضى.

 

ولم يتحدث الأستاذ عن قيمة التغيرات المجتمعية التى نتجت عن عقود ستة من حكم عسكرى مستبد استند على شرعية السلاح والانتخابات المزورة. لم ينتقد الاستاذ هيكل فشل حكم ناصر والسادات ومبارك فى القضاء على أمية ملايين من المصريين، خاصة فى الريف، واختار بدلا عن ذلك توجيه النقد لهم لتصويتهم للقوى الإسلامية ولدستورها.

 

•••

 

من القاهرة يذكر الدكتور سعد الدين إبراهيم، والذى لم ينافسه أى مصرى فى الأهمية والمعرفة بواشنطن خلال سنوات حكم جورج بوش الثمانى، أن لديه دلائل على تفاهمات سرية لجماعة الإخوان المسلمين جاءت بهم ظلما للحكم، وأنه هو فقط الذى يعرف تفاصيل علاقات الاخوان بدوائر صنع القرار فى واشنطن.

 

ويذكر الدكتور سعد الدين مستمعيه فى كل ظهور إعلامى له أنه كان على تواصل بالبيت الابيض ووزارة الخارجية الامريكية أثناء الأيام الثمانية عشر لثورة مصر. ويتناسى فلا يذكر الدكتور سعد الدين أن الادارة الأمريكية لم تستعن به فقط، بل لجأت للعشرات من خبراء واشنطن ممن يعرفون الشأن المصرى لتبادل الآراء والاستماع لوجهات نظر مختلفة، وليس لصنع السياسات.

 

ويروى الدكتور سعد، كما فعل الأستاذ هيكل، قصصا لا تمثل الواقع فى شىء فيما يتعلق بزيارات مستشارى الرئيس مرسى لواشنطن ونيويورك. وكيف أن الاخوان سعوا للإجابة عن أسئلة أمريكية، والتى بناء عليها تم تحديد «مدى شرعيتهم وقبول واشنطن لهم». وإن دل ذلك على شىء فهو يؤكد على عدم معرفة بديناميكيات واشنطن المتجددة، والجهل التام بما دار فى هذه الاجتماعات.

 

•••

 

واقعية واشنطن تدرك أن مصر هى أكبر وأقوى دولة عربية، وهى مسقط رأس صانع السلام الرئيس أنور السادات، ومسقط رأس زعيم تنظيم القاعدة الدكتور أيمن الظواهرى، بكل ما يمثلانه.

 

وحتى الآن لم تتضرر العلاقة الأمريكية المصرية من جراء التغير الذى حدث فى هوية حكام مصر خلال العامين الماضيين، سواء كان يحكم الرئيس مبارك، أو المجلس العسكرى أو الرئيس مرسى.

 

واقعية واشنطن ترى أنه على مستوى التعاون الثنائى بين الدولتين هناك استمرارية لعلاقة العمل بين مسئولى وزارات الدفاع والخارجية وأجهزة المخابرات فى البلدين، وهو ما تهتم به واشنطن أساسا.

 

واقعية واشنطن تنادى بضرورة وجود علاقات وثيقة مع حكام مصر طالما التزموا بالحفاظ على معاهدة السلام مع إسرائيل. وعلى الرغم من امتعاض واشنطن من عدم وجود حوار مباشر بين مرسى والقادة الإسرائيليين، إلا انه لا يوجد سبب للقلق من أن مرسى سينتهج نهجا عمليا مخالفا لالتزام مصر تجاه مستقبل علاقات السلام مع إسرائيل. ومنذ شهرين أكد الرئيس الأمريكى باراك أوباما أن «التزام مصر بمعاهدة السلام مع إسرائيل يعد خطا أحمر للولايات المتحدة، وأن أى اهتزاز لمعاهدة السلام تضع أمن إسرائيل، بل أمن الولايات المتحدة على المحك».

 

وحصل موقف مصر أثناء عدوان إسرائيل على قطاع غزة على ثناء واشنطن، التى مدحت على لسان أوباما جهود الرئيس مرسى خلال مفاوضات وترتيبات وقف إطلاق النار.

 

•••

 

واقعية واشنطن جعلت أوباما يدرك أن أمريكا وقفت على الجانب الخاطئ من التاريخ لعقود طويلة فى علاقاتها بمصر وبالشعب المصرى. ولذا لا تمتك أمريكا اليوم إلا أن تقف فى جانب المطالبة بالديمقراطية والتعددية واحترام حقوق الانسان، طالما لا يؤثر سلبا على المصالح الأمريكية. من هنا جاهرت واشنطن بلا تردد بموقفها المندد لمنح الرئيس مرسى نفسه صلاحيات فرعونية فى الاعلان الدستورى يوم 22 نوفمبر الماضى. كما دفعتها واقعيتها لقبول الدستور الذى تم الاستفتاء عليه شعبيا، مع تمنياتها بردم الرئيس مرسى للفجوة مع معارضيه.

 

واقعية واشنطن تدرك أنه ليس من مصلحتها أن تصبح مصر دولة فاشلة، لذا لا تريد أن تضغط على حكام مصر الجدد ماليا فتفقد ما يعود عليها من فوائد العلاقات الخاصة بمصر. وتدرك أيضا أنه لا يمكن أن يمنح حكام مصر شيكا على بياض، يتضمن المساعدات العسكرية والاقتصادية البالغ قيمتها 1.55 مليار دولار سنويا.

 

وتدرك واقعية واشنطن انها تستطيع أن تحكم على التزام مصر الواضح تجاه الأمن الإقليمى وحول التعاون الاستراتيجى الثنائى، كشروط لاستمرار المعونة الأمريكية والدعم السياسى لقروض صندوق النقد، وغيره من المؤسسات الدولية التى لواشنطن نفوذ كبير عليها. من هنا، جاءت رسالة أمريكية لمصر من أنها لن تتلقى أى مساعدات إضافية من تلك التى أعلن عنها الرئيس أوباما،  إلا بعد أن تتلقى مصر قرض صندوق النقد البالغ قيمته 4.8 مليار دولار.

 

•••

 

فى النهاية، وبينما ترى واشنطن أن مصر والمصريين يصنعون واقعا جديدا تتعامل معه بما يخدم مصالحها، نجد بعض كبار مفكرى مصر ينكرون هذه الواقع وينكرون قدرة المصريين على صنعه

محمد المنشاوي كاتب صحفي متخصص في الشئون الأمريكية، يكتب من واشنطن - للتواصل مع الكاتب: mensh70@gmail.com
التعليقات