7 حكايات عن الكتابة - محمود عبد الشكور - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 12:41 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

7 حكايات عن الكتابة

نشر فى : السبت 4 مارس 2023 - 8:10 م | آخر تحديث : السبت 4 مارس 2023 - 8:10 م
هذه كتابة عن الكتابة، وأسرار كواليسها، وعن مباهجها أيضا.
كيف أكتب؟
أتهيب حتى اليوم لحظة الكتابة، أؤجلها إلى آخر لحظة، حتى تختمر الأفكار.
لا يمكن أن أكتب حرفا، إذا لم أجد الفكرة المحورية التى يدور حولها المقال، أما بناء المقال والانتقال من فقرة إلى أخرى، واختيار العنوان فهو يخضع للحرفة والخبرة قبل أى شىء آخر.
من خبرة الكتابة، أعرف الآن تلقائيا أننى فى منتصف المقال، أو فى آخره، قبل أن أقرأ عدّاد الكلمات.
(2)
لا يوجد شىء اسمه «نويتُ أن يكون لى أسلوب فى الكتابة».
الأسلوب يظهر بسهولة، كثمرة جهد فى القراءة والكتابة والتجريب والعمل.
فجأة ستجد لك أسلوبا وطريقة.
الأسلوب هو أنتَ بكل ما فيك، بموهبتك وبالشغل على هذه الموهبة، وكيفما تكون، وكيفما تنمو وتنضج وتطور من نفسك، يكون أسلوبك.
أنصح دوما بقراءة تجربة توفيق الحكيم المهمة حول فكرة الأسلوب فى كتابه «زهرة العمر».
ستجدون فيها رحلة عظيمة وثرية وملهمة.
(3)
مباهج الكتابة كثيرة، منها لحظة عثور المعنى على كلماته وعباراته، ولحظة تطوير الفكرة إلى فكرة أخرى، ثم أفكار أكثر تعقيدا، بالضبط مثل بذرة صارت شجرة لها ثمار، تنتمى إلى البذرة، وتختلف عنها. ومنها أن تأخذك الفكرة إلى أفكار لا علاقة لها بالفكرة الأولى، إنها ليست علاقة البذرة بالشجرة أو الثمرة، الفكرة هنا حجر يشعل نارا، لا يمكن السيطرة عليها، ولا يمكن تفسيرها منطقيّا.
أمتع أنواع الكتابة هى تلك التى تجمع بين الخطوط العامة المقصودة، والأفكار الإضافية المفاجئة أثناء الكتابة.
جمال الكتابة فى أن تكون اكتشافا للكاتب، قبل أن تكون اكتشافا للقارئ، عملية مستمرة من العصف الذهنى والعاطفى واللغوى، نغمة تريد أن تكون جملة موسيقية، وجملة تحلم بأن تكون حركة، وحركة تريد أن تتخلّق فى شكل سيمفونية، محاولة شاقة وممتعة، لتحويل الحجر من تمثال بالقوة، إلى تمثال بالفعل.
(4)
بهجة الكتابة بعد النشر أيضا:
أن يلتقيك من لا تعرفه، فيخبرك أنه قرأ لك مقالا، أو تأثر بكتاب لك، أو جعلته جملة كتبتها، يعيد التفكير والنظر فى فكرة ما.
لن أنسى ما حدث فى حفل توقيع لى، عندما رأيت سيدة ومعها ابنتها.
أحضرت السيدة نسخة للتوقيع عليها، ثم قالت: «لا بد أن تعرف أن النسخة اقتنتها ابنتى، وأهدتها لى فى عيد الأم، اعتبرتها مفاجأة، بعد أن سمعتنى وأنا أتحدث عن اهتمامى بهذا الكتاب».
المفاجأة السارة كانت من نصيبى أنا.
هذه اللحظة الرائعة تمنح من يكتب بهجة لا نظير لها.
صار الكتاب حكاية، وصارت السطور هدية، وأصبحت رسول محبة بين الابنة وأمها.
لا نطمع بأكثر من هذه السعادة.
(5)
أخشى أنه لا يوجد قانون للكتابة، وهنا السحر الكامل.
أحترم كثيرا دراسات د. مصطفى سويف وتلاميذه، بحثا عن قوانين عملية الإبداع، ولكنى أميل أكثر إلى غموض وتفرد كل كاتب، وكل تجربة.
أميل إلى أن القاعدة الوحيدة فى الكتابة هى أنه لا توجد قاعدة.
الكتابة ليست عملية محكومة، ولكنها عملية حرة ومعقدة، أبسط مظاهرها العبارات المكتوبة، وأعقدها ما يدور فى داخل الذهن، وأكثرها تعقيدا ما يكتبه اللا شعور بقلم الكاتب، وذروة تعقيدها فيما دار فى الذهن، فلم نكتبه، نسيناه أو تناسيناه، هذا نص آخر لم يكتب أبدا، كتابة مسطورة فى الداخل، لعلها الكتابة الحقيقية المجهولة، وهناك الكتابة يبن السطور، اللوحة الخفية التى رسمت فوقها لوحة ظاهرة.
طرق الكتابة وقوانينها بعدد الكاتبين:
هناك من يبحث فيجد، وهناك من لا يبحث ولكنه يجد.
الحرف والعبارة وبناء النص وعنوانه كلها أمور ظاهرة، ولكن ماذا عن روح النص، وروح الكاتب؟ كيف تجد طريقها إلى النصوص؟ كيف تلمع الموهبة بين السطور؟ ما هى آلية ذلك؟
هذا سحر لا ينبغى أن يكون قانونا أبدا، لا ينبغى أن يعرفه كاتب أو قارئ، وإلا صار الشعر نظما، ولأصبح الخيال معادلة كيميائية.
مباهج الكتابة فى تحويل الحياة الملموسة، والأفكار المجردة، إلى حياة موازية على الورق، حياة تعكس ذاتا واعية وغير واعية، ولكنها تعرف وحدها معاناتها فى ترويض النص.
مباهج الكتابة فى أن يعود الإنسان كلمة، وأن تعيش الكلمة، روحا لا تموت.
(6)
تعلمت كثيرا من الكتابة، فقد تأكد لى تماما أنه لا توجد كتابة خالصة عن الماضى، لأننا نكتب دوما عن الماضى بوعى اللحظة الحاضرة.
إذا كنتُ نجحت مثلا فى أن أكتب بعين طفل، فهو نجاح فنى وليس نجاحا واقعيّا، لأننى لا يمكن أن أكتب بوعى طفل، ولا يمكن أن أعود طفلا، ولا يوجد طفل يمكنه أن يعبر بالكلمات المكتوبة عن مشاعره.
الكتابة لا يمكن أن تكون فعلا ماضيا على الإطلاق، حتى لو تكلمتَ عن الماضى، إنها الحاضر عندما يعيد صياغة الماضى، وعندما يحلم بالمستقبل.
(7)
أحكى لكم أخيرا عن لحظة سعادة أخرى:
بعد كتابة أى مقال ومراجعته، أرسله إلى مكان النشر، ولا أعود أبدا إلى قراءته، لكن يحدث أحيانا بالصدفة، أن أجد مقالا قديما، نسيته تماما، عليه اسمى. لحظة السعادة العظيمة عندما أقرأ هذا المقال، وكأنى أكتشفه لأول مرة، ثم أتبين أنه مقال «معقول» أو «جيد».
أشعر وقتها أننى قارئ عادى، لا علاقة له بكاتب المقال، وتتضاعف السعادة لو تذكرتُ أننى كتبت هذا المقال «المعقول»، وأنا فى حالة نفسية أو مادية سيئة. أقول لنفسى سعيدا إن أيام الإحباط (وكانت كثيرة جدّا)، لم تجعلك تكتب أى كلام والسلام، لكنك حاولت واجتهدت، على حسب طاقتك، وصبرك وظروفك وقتها، انفصلت عن متاعبك، وكانت الكتابة أفضل مواساة.
فى سبيل لحظات سعادة صافية كهذه، تهون كل مشاق رحلة الكتابة وأشواكها.
محمود عبد الشكور كاتب وناقد سينمائي وأدبي مصري
التعليقات