الإنسان ذلك المعلوم.. 12-«وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولا» - جمال قطب - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 11:14 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الإنسان ذلك المعلوم.. 12-«وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولا»

نشر فى : الجمعة 4 أبريل 2014 - 2:05 م | آخر تحديث : الجمعة 4 أبريل 2014 - 2:05 م

جمال قطبخلق الله الإنسان، ويعلم عن مخلوقاته كل شيء.. يعلم أصلها ومسارها وبداية ونهاية أجلها، كما يعلم ما يصلحها وما يفسدها ويعلم ما يضرها وما ينفعها إلخ.

وقد أخبرنا الله أن حكمته اقتضت خلق الإنسان «مِنْ عَجَلٍ» أى أن «العجلة والتسرع» أحد مقومات الإنسان وجزء من طبيعته، فكما نقول خلق الإنسان من طين أى أن الإنسان فى أصل خلقته مجموع من ماء وتراب تفاعلا فأصبحا طينا، فكذلك خلق الإنسان من عجل أى فى طبيعته قدرة الإنجاز ورغبة الكسل، وفى طبيعته القوة والضعف وتتجلى قدرة الإنسان (حر الإرادة) فى أن يسيطر على اختياراته متى يستعمل القوة، وبأى حجم وكيف، ومتى يستعمل الضعف، ومتى يبقى ساكتا، فإذا مال الإنسان إلى الاعتماد على قوته فى إنفاذ جميع رغباته فهو سريع مندفع بل متهور وهو بذلك يوقظ حمية التعجل والتسرع دون تمهل وتفكير، ولهذا يقول الرسول «ليس الشديد (بالسرعة/ بالصرعة) ولكن الشديد من يملك نفسه عند الغضب»

وقد اختار الرسول لفظه بعناية فائقة (سرعة/صرعة) فنطقها وتلقاها الصحابة عنه كما يقول علماء (القراءة والتجويد) مقاربا بين السين والصاد، وهذا النطق يؤدى معنيين متكاملين، فالإنسان الشديد لا يكون (متسرعا عجولا) ولا يكون (مصارعا يصرع من أمامه حتى لوكان خصما) فـ«السرعة» و«المصارعة» آفتان من آفات «العجلة والتعجل» فى النفس فيتورط الإنسان فيحدث منه ما حرمه الله، وما لا يعود على الفاعل بأى خير بل إن العجلة تسبب له مشاكل بعيدة المدى دينيا واجتماعيا فى الدنيا والآخرة.

-2-

وكما اقتضت حكمة الله أن تحتوى القدرات الشخصية للإنسان على «التعجل والتمهل»، فقد اقتضت حكمته وعدله أن يهب الإنسان عقلا واعيا وإرادة حرة فضلا عن إرسال الرسل وإنزال الكتب مساعدة للناس على معرفة قدراتهم ومعرفة ما يصلحهم فيختارون ما ينفعهم ولا يضرهم.

• ولذلك تجد القرآن يعبر عن قدرة الإنسان على التحكم فى سلوكه فيسمى وظيفة التحكم بفعل (التعقل) حيث يتأنى الإنسان ويفكر قبل الإقدام على اتخاذ قرار متعجل.

• «أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَآ..»

«.. قَدْ بَيَّنَّا لَكُمْ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ»

ولفظة «العقل» فى أصلها اللغوى معناها «الربط والإحكام»، فالرباط الذى يربطون به ساق البعير كى لا يذهب بعيدا يسمى العقال لأنه يمنع البعير من الانطلاق، كما سمى الله مصدر وظيفة التعقل بأنها (نهى) أى أنها تنهى وتمنع صاحبها من الخطأ. فيقول : «.. إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَىٰ»، وأيضا فهذه القدرة المانعة من التعجل قد سماها القرآن «حجر» أى أنها تحجر على صاحبها فتمنع اندفاعه وتهوره فيقول : «هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ»

-3-

فإذا شغلك لماذا خلق الله الإنسان من عجل، فلا تنس أن الله قد وهبك مع هذه الطبيعة عقلا وأرسل إليك رسلا ورسالات لأن حياة الإنسان ونشاطه بحاجة إلى تكامل التعجل والتمهل وتكامل الشدة والضعف، وتكامل العنف واللين.

وقيمة الإنسان تقدر بقدرته على اختيار سلوكه متى يتمهل؟ ومتى يتعجل؟ متى يشتد؟ ومتى يتراخى؟ ومتى يسكن دون حراك؟ وتتجلى قدرة الإنسان ليس فى مجرد معرفة متى تكون الشدة والسرعة؟ ومتى يكون التمهل فحسب؟ بل أيضا فى تحديد حجم وكيفية الشدة، وحجم وكيفية الاسترخاء والسكون. فعقل الإنسان ميزان حساس يدله متى يسرع ويحدد له معدل السرعة وأثرها وعواقبها، كما يدله ويهديه متى يتمهل وكيف يحسب الأمور وكيف تكون عواقبها وهذا العقل هو صمام الأمان الذى منحه الله للإنسان كى يوفق به بين ما يريد وما يصلح، وأيضا بين ما يجب من شدة أو لين وبين ما يجب من سرعة أو أناة. فهل يعزم الإنسان عزيمة صادقة على التحلى بالأناة والحلم فإذا عزم على ذلك يكون قد تأسى بقول الرسول لأحد أصحابه: «إن فيك خصلتين يحبهما الله، هما الحلم والأناة».

¼ » º ¹ ¸ ¶ μ®® æ
©©Æƾ ½
©©Ó Í Ì Ë
جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات