عن القفا الذى يعيش فيه الشرف - حسام السكرى - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 5:34 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عن القفا الذى يعيش فيه الشرف

نشر فى : الأحد 4 أكتوبر 2015 - 6:30 ص | آخر تحديث : الأحد 4 أكتوبر 2015 - 6:30 ص

لم يحظ حدث فى الأسبوع الماضى باهتمام يقارب اهتمام المصريين بالصفعة التى سددها أحدهم لقفا إعلامى رافق الرئيس أثناء زيارته لمقر الأمم المتحدة فى نيويورك. بعض فصائل المعارضة تبنت الصفعة المشينة، وحولت صاحبها إلى «بطل» مغوار. بهذه الصفة، استقبلته محطة الشرق التى تبث من اسطنبول، وأجرت معه حوارا عبر الهاتف حول الإنجاز «البطولى» الذى قام به.

شخصيا لا أفهم كيف ترسخت فى الثقافة المصرية فكرة أن صفع أو حتى لمس القفا يشين الإنسان، ويمس «شرفه» كما قال عدد ممن أغضبهم الفعل وملأوا شاشات التليفزيون صراخا، مطالبين بالانتقام للشرف المهدر، بل وبصفع الصحفيين الأمريكيين تشفيا وانتقاما من ضلوع سلطات بلدهم فى هذه المؤامرة على قفا شعبنا العظيم. شرف فى مقابل شرف، والبادى أظلم!

لو أخطأت اليد المنتهكة مرماها وانتهت على كتف الإعلامى، لكان أمامنا سيناريو مختلف، لأن صفعة الكتف، بعكس القفا، لا تشين. ساعتها لم يكن سيبقى للأبطال إلا أن ينعوا الهجمة الفاشلة. أما وكالة الأخبار التى كان جل همها هو «رصد» الصفعات والركلات، وتصوير المناورات التى قام بها الأبطال لشغل أهدافهم قبل تسديد الضربة الباسلة، فكانت ستفقد غنيمتها من مقاطع الفيديو، التى زفت بها للعالم نبأ الانتصار العظيم فى معارك انتهاك الكرامة.

لا يختلف الرجل المصرى عن محيط الثقافة العربية فى افتراضه أن الشرف يعيش فى مناطق بعينها من الجسد. هناك شبه أجماع فى منطقتنا على أن الشرف يرتع فى مكان ما بين فخذى أية امرأة تمت للرجل بصلة: أم، أخت أو زوجة. وربما يميزنا فى مصر اعتقادنا بأن قفا الرجل (وليس المرأة) يعتبر مرعى خصبا للشرف، وأن هذا الشرف هش إلى حد تلاشيه بمجرد صفعة أو حتى لمسة باليد. (صفعة القفا الخفيفة فى لبنان اسمها «سحسوح»، وقد يتبادلها الأصدقاء توددا).

ثقافة مجتمعنا، سلطة ومعارضة، قد لا تتعاطف مع من يقع ضحية لانتهاك جسدى. على العكس، ربما تفرض عليه نوعا من الازدراء، وشعورا بأنه قد فقد شيئا من شرفه أو احترامه. بل والأنكى أنها قد تعلى من شأن المنتهِك (بكسر الهاء) وترفعه إلى مصاف الأبطال الأقوياء.
فى ثقافتنا تنعدم العلاقة بين الشرف وبين سلوك الإنسان ومعاملاته فى المجتمع. لا يوجد ما يشين الشرف أو يخدشه فى ممارسة الرشوة، والفساد واستغلال النفوذ، والتدليس السياسى والأخلاقى، وانتهاك كرامة الضعفاء والفقراء، لأنه يعيش بعيدا عن المجتمع. يعيش آمنا مطمئنا بين أفخاذ النساء، وفى أخيرات الرجال وأقفيتهم.

لا يوجد اختلاف كبير هنا بين مفاهيم الجالسين فى مقاعد السلطة، ومعتقدات فصائل تصنف نفسها باعتبارها معارضة. بل وتكاد المواقف تتطابق عندما يتعلق الأمر بانتهاك أجساد الخصوم. مواقع فصائل معارضة عديدة نشرت أخيرا خبرين مكذوبين عن تعرض اثنين من الإعلاميين للتحرش الجنسى، وأفاضت فى وصف تفاصيل هتك العرض المتخيل «بالأصابع وأدوات أخرى ذات شكل مدبب وبيضاوى لم يتم تحديد ماهيتها حتى الآن»، فى استمراء شاذ لهذا الخيال المريض.

أما من علا صراخهم لإدانة صفعة القفا، فلا يبدو أنهم حتى على استعداد للهمس فى أذن الجالس على الكرسى، لوقف الانتهاكات والتعذيب فى الأقسام والسجون وأماكن الاحتجاز، والتى لم تفرق بين الرجال والأطفال والشيوخ والنساء.

التعليقات