يوم النهاية - بسمة عبد العزيز - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 11:20 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

يوم النهاية

نشر فى : السبت 5 يناير 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : السبت 5 يناير 2013 - 8:00 ص

راجت فى الشهور الماضية، وقبل حلول يوم الحادى والعشرين من ديسمبر لعام 2012، نبوءة جديدة من نبوءات نهاية العالم، بنيت هذه المرة على أساس توقف تقويم حضارة المايا القديمة عند هذا اليوم، حيث أشارت التوقعات إلى حدوث كارثة فضائية فيه تدمر الأرض بما عليها. أكد العلماء والمتخصصون عدم صحة النبوءة، مع هذا يبدو أن آلاف البشر فى مختلف البلدان أخذوها على محمل الجد، حتى إن مجلة أجنبية نشرت دراسة أشارت فيها إلى أن نحو 10 فى المائة من سكان الولايات المتحدة الأمريكية، كانوا مقتنعين بالفعل أن نهاية العالم باتت وشيكة.

 

●●●

 

ليست المرة الأولى التى تسرى فيها نبوءة مثل تلك، فقد تنبأ الكثيرون من قبل بتوقيت «يوم القيامة»؛ بينهم العراف الشهير نوستراداموس، والواعظ الأمريكى ويليام ميللر، ومع اقتراب نهاية الألفية الثانية، جزم البعض بأن العالم سوف يشهد وقوع أحداث جسيمة ومدمرة، تتسبب فيها الأصفار الثلاثة لعام 2000، وبأن تلك الأحداث قد تؤدى أيضاً إلى الفناء.

 

ليست المرة الأولى أيضاً التى يختزن فيها الناس سلعاً تموينية، ويتحصنون فوق الأرض وتحتها هرباً من النهاية، وقد أعلن هذه المرة تحديداً عن فتح الحصون الموجودة على حدود فرنسا وألمانيا، أمام الراغبين فى النجاة من يوم القيامة، والطريف أن تذكرة دخول هذا المخبأ، الذى أُعِدَّ فيما مضى لحماية فرنسا من هجوم عسكرى محتمل فى أعقاب الحرب العالمية الأولى، قد بيعت مقابل 7 يورو فقط.

 

من الغريب أن يتكرر الموقف على مدى التاريخ، وينتظر مئات الآلاف من الأشخاص تحقق النبوءة فى كل مرة، والأغرب أن يقتنعوا بإمكانية مراوغتها والهرب منها؛ من «نهاية العالم»، التى يفترض بطبيعة الحال، وبتعريفها المنطقى، ألا ينجو منها أحد وإلا ما كانت «النهاية».    

 

●●●

 

يتعاطى الناس فى كل مكان، ومهما بلغ التقدم الفكرى والحضارى، مع أشياء لا تعتمد على أدلة علمية وبراهين، ولا يمكن أبداً الكشف عن صحتها، ويبدو أن جزءا منا كبشر، يميل إلى الإيمان بما هو غامض ومجهول، ولا يتوقف الأمر عند النبوءات المتعلقة بالكوارث، فقد توارثنا معتقدات وسلوكيات متنوعة لا نعرف لها تفسيراً، ومع ذلك مارسناها لفترات طويلة وربما لايزال بعضها حاضراً حتى الآن؛ كثيراً ما سمعت من بعض السيدات كبيرات السن، أن الكنس ليلاً أمر مكروه، وأن فتح وإغلاق المقص دون داع يجلب شراً.. وقد رأيت من الأجيال الأصغر عمراً، من يتجنب الأمرين دون فهم السر وراءهما.    

 

المتابع للقنوات الفضائية، يمكنه أن يرى انتشاراً غير مسبوق لإعلانات تروج لقراءة الكف ومعرفة الطالع وتفسير الأحلام، كما تروج أيضاً لأشخاص مبروكين أصحاب هيئات غير مألوفة، قادرين على التعامل مع كل شىء: نزلات البرد وكسور العظام والأورام الخبيثة وحتى الفصام، وبأساليب لا تستدعى لدى من يعقل ويفكر إلا الضحك. 

 

يرى العلماء أن الإيمان بهذا الغامض الذى يمثل جزءًا مثيراً من عالمنا، إنما يعطينا أحياناً مهرباً من تحمل المسئولية، وإلقاءها على ما ليس بيدنا التحكم فيه، وربما يصبح بمثابة حيلة نتغلب بها على الشعور بالعجز.  ترى بعض الدراسات أيضاً، أن معرفة موعد النهاية ربما يكون مريحاً، إذ ينزع منا هذا القلق المصاحب لعدم القدرة على توقعها.

 

●●●

 

خابت التكهنات الأخيرة الخاصة بالحادى والعشرين من ديسمبر، واكتشف من أصابهم الذعر أنه لم يكن مبنياً على شىء حقيقى، وأنهم قد أهدروا أثناء محاولاتهم الفرار؛ وقتاً، وأموالاً، وانفعالات، دون داع.

 

على الجانب الآخر، كان هناك بالطبع مَن لم ينشغلوا بفكرة الفرار ذاتها، بل بتصديرها إلى الآخرين، وتزكيتها فيهم، ثم بتوفير السبل إليها؛ وقد صممت بعض الشركات الصينية دليلاً إرشادياً سوقته بين الناس، وأقنعتهم باقتنائه، كما لو كان حقاً وسيلة فعالة للنجاة من نهاية العالم، وأعتقد أن مُبتَكِر «دليل البقاء على قيد الحياة» قد اضطجع مبتسماً فى مقعده الوثير، وهو ممسك بمشروب دافئ، والناس من حوله يرتجفون فى المخابئ ويستذكرون إرشاداته، بينما يحصى هو مكاسبه من نهاية العالم.

 

أعتقد أيضاً أن غالبية الشعوب العربية لم تنشغل هى الأخرى بالنهاية المزعومة للحياة على كوكب الأرض، ليس لشىء إلا لأن معرفة توقيت «يوم القيامة» أمر تجافيه المعتقدات الدينية السائدة، والتى تتنكر بشدة لإمكانية الاطلاع على الأمور الغيبية.

 

●●●

 

لم نحفل فى مصر بالأمر أيضاً، ربما لأننا مشغولون الآن بما هو أسوأ من نبوءة نهاية العالم، فقد صرنا نتعامل يومياً مع أشخاص لا يتنبأون فقط بموعد القيامة، بل وكذلك بما هو آت بعدها، فيزعمون معرفتهم بمصائرنا بعد الموت، ويصنفوننا ما بين مغضوب عليهم من الرب، ومرضًّ عنهم مقربين، ثم يوهموننا ليس فقط باستطاعتهم شفاء علة أو إبراء مريض، بل أيضاً بقدرتهم على منحنا صكوك النعيم، أو إلقاءنا عبر أبواب النار. 

 

تزايد هؤلاء فى الفترة الأخيرة وتغولوا، مع ذلك أظن أنهم سوف يتبخرون وسوف تتبخر ادعاءاتهم وأوهامهم سريعاً مثلما تبخر من قبلها الكثير، فقد بدأ الناس تباعاً يفطنون إلى كم الزيف الذى يحيط بهم وبها.

بسمة عبد العزيز طبيبة وكاتبة
التعليقات