نكسة قضية العنف ضد المرأة - نادين السيد - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 10:58 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نكسة قضية العنف ضد المرأة

نشر فى : الأحد 5 يونيو 2022 - 8:30 م | آخر تحديث : الأحد 5 يونيو 2022 - 8:30 م

تابع العالم تطورات قضية التشهير التى رفعها الممثل المشهور جونى ديب ضد طليقته أمبر هيرد على هامش اتهام هيرد لديب بالتعنيف والضرب والاغتصاب الزوجى.

وبعد قليل تحولت المتابعة إلى ترقب، ثم إلى تربص لأمبر وتعاطف مع كابتن جاك سبارو، ثم اتخذت القضية طابعا هزليا بحت وسط سخرية الإنترنت، أو الغالبية العظمى من مستخدميه، من اتهامات هيرد وأدائها فى المحكمة، مع الإشادة بهدوء ديب وترحيبه بالمعجبين خارج مقر المحكمة.

وتحولت قضية عنف أسرى لها تأثيرها القوى فى نفوس الملايين من ضحايا العنف حول العالم إلى قضية عن لذاذة ديب وجماله وكاريزمته.
وهكذا، وبمنتهى السلاسة، تحولت قضية عنف أسرى لمادة للنميمة والسخرية والترفيه، ومعها، وبنفس السلاسة، تراجعت قضية ضحايا العنف الأسرى حول العالم، ومعها بالطبع قضايا التحرش والاغتصاب، بخطوات وئيدة وثابتة وساخرة، إلى الوراء عشرات الأعوام. وما بالك بهذا النوع من القضايا فى مجتمع مثل مجتمعنا، يطبع العنف الأسرى وينصح ضحاياه بالصبر والاعتدال وقلما يسمح لضحاياه باللجوء إلى القضاء أو حتى الاعتراض، من باب احترام خصوصية البيوت وأن الرجال قوامون على النساء وما إلى ذلك.

لا أبالى أبدا إذا كانت هيرد كاذبة أو ديب مذنبا، ومن الواضح أن العلاقة كما قالت المعالجة الخاصة بهما مسيئة للطرفين. من المذنب ومن الضحية ــ إن كنت أشك فى إمكانية تصنيف أى منها هكذا ــ أمر يخص القضاء وحده.
والمشكلة هنا ليست على الإطلاق فى تبرئة ديب أو فى كذب هيرد. المشكلة الأكبر هى فى تناولنا، نحن مستخدمى الإنترنت، وتناول جمهور ديب الكبير لقضية لها تداعيات أكبر بكثير من مجرد الحكم ضد أو لصالح انبهار المعجبات بديب.

قضية مثل هذه هى قضية يتمثل فيها جميع قضايا العنف الأسرى، وتستحق أن تؤخذ على محمل أقل سخرية من هذا، لا لصالح هيرد أو ديب، ولكن لصالح أى ضحية عنف الأسرى تتابع الأخبار فى خوف وفى هلع مما سيكون إن تجرأت وباحت عما تتعرض إليه فى الظلام وبشكل يومى.

تقدر تقارير الأمم المتحدة أن واحدة من كل ثلاث نساء تعرضن للعنف الأسرى عالميا. النسبة فى مصر أعلى كثيرا، حيث يقدر المجلس القومى للمرأة انتشار العنف الأسرى بنسبة ٨٦ بالمائة بين النساء المتزوجات، والتقرير يشير إلى أن نحو ٥٠ بالمائة من البنات تعرضن لعنف من آبائهن أو إخوتهن الرجال. واحد من كل ٩ رجال تعرض للعنف الأسرى أيضا. المشكلة الأكبر هنا هى أن العنف الأسرى نادرا ما يعاقب لأن نسبة الإبلاغ عنه بين الـ ٢.٥ إلى الـ ١٥ بالمائة فقط. من ضمن أسباب عدم الإبلاغ هو الخوف من انتقام الرجل أو الاعتماد المادى عليه أو ــ وهذا المرعب هنا ــ خوف المرأة من ثقافة لوم الضحية فى معظم المجتمعات، وخاصة المجتمعات التى تتقبل نوعا ما ضرب الزوج لزوجته أو الأب أو الأخ لابنته أو أخته مثل مجتمعنا.

ثقافة لوم الضحية هى ثقافة سائدة حول العالم، ولكنها تترعرع وتزهو فى مجتمعنا، فكم من عبارات تربينا عليها لترسخ فينا اعتقادا أن الخطأ دائما على المرأة، من أول ملبسها الذى يثير الغريزة الحيوانية ويمنع الرجل من التحكم بنفسه، إلى عدم مقدرتها على امتصاص غضب زوجها أو تقدير الضغوط التى يتعرض لها... أو، أو، أو. وتلك الثقافة، ممزوجة مع تفسيرات بعض الآيات على أنها تتيح للزوج ضرب زوجته، أدت إلى الصمت؛ الصمت عن حقها فى حياة آمنة وكريمة، الصمت عن الإبلاغ ضد زوجها فى إطار الحفاظ على الأسرة وعلى أسرار البيت، والصمت فى مجتمع سوف ينتهى به المطاف حتميا بلومها.

يمكننا إذن أن نتخيل إحساس ضحية عنف أسرى الآن، بعد أن تابعت العالم كله وهو يسخر من هيرد، وشاهدت هيرد تتحول إلى مسخة الإنترنت والتريند الجديد فى (الميمز). فإن كانت النساء تخشى البوح عن كونها ضحية عنف أسرى قبل ديب وهيرد، فمن منا لديه جرأة الإفصاح الآن وبعدما شاهدت المسرح الهزلى لقضية بمثل هذه الخطورة؟

نادين السيد أستاذ مساعد بقسم الإعلام في الجامعة الأمريكية
التعليقات