وقف شيخ البلد يبشر أبوالعلا الفلاح البسيط بالخبر السعيد: يا سعدك ويا بختك يا أبوالعلا.. جناب العمدة يريد مصاهرتك، دار عقل أبوالعلا دورة كاملة، فأمه الفقيرة جاوزت السبعين وابنته طفلة صغيرة.
دهش للأمر فقال لشيخ البلد: كيف يصاهرنى؟ وفى من؟! قال: فاطمة مراتك، رد أبوالعلا كيف ذلك؟ قال شيخ البلد: تطلقها ويتزوجها العمدة، يطلق زوجته رغما عنه وعنها ويتزوجها العمدة ويستلبها لنفسه كرها وهى فى عدتها رغما عن القانون والشريعة والعرف وتحت سمع وبصر شيخ البلد والمأذون ورغما عن الجميع وبالقوة الجبرية، وإذا رفض أبوالعلا سيسجن، وذلك مقابل أن يعطى أبوالعلا دراهم معدودة هى أصلا من الأموال التى استلبها العمدة من أهل القرية.
هذا جزء من قصة «الزوجة الثانية» للمبدع العظيم يحيى حقى، وهكذا تبدو صفقة القرن التى فيها ستجبر أمريكا العرب إجبارا دون أن تدفع مليما واحدا من جيبها، فأموال الخليج تدفع لأمريكا لدعم الجزء الاقتصادى من الصفقة فتعطى أمريكا بعضها للفلسطينيين ولإسرائيل ولبعض الدول العربية، مقابل أن يبيع الفلسطينيون فلسطين لإسرائيل، لتأخذ إسرائيل كل شىء ولا تدفع شيئا على الإطلاق بل تفتح أمامها كل الأسواق والآفاق العربية أكثر مما هى مفتوحة الآن، ويكون لها نصيب من تلك المساعدات السخية التى ستسبق الصفقة.
الصفقة ستتم بالقوة الأمريكية التى تضغط وستعاقب كل من سيرفضها، وتأتى فى الوقت الذى يعانى فيه العرب والمسلمون من أكبر حالة تمزق وضعف وهوان فى تاريخهم، القوة والإجبار وإدارة الظهر لمبادئ القانون الدولى ومواثيق الأمم المتحدة والمعاهدات الدولية وعدم جواز الاستيلاء على أراضى الغير بالقوة.
الصفقة فيها العصا والجزرة، العصا الأمريكية معروفة أما الجزرة فهى من أموال بعض أوطاننا وستبذل لبيع بعض أوطاننا بل أغلاها وهى القدس وفلسطين.
كل رسائل صفقة القرن تعنى شيئا واحدا هو بيع فلسطين وتصفية قضيتها تماما بدعم عربى وشرعية وأموال عربية، إنه سلام كاذب بالقوة، هو سلام الجبروت والإذعان للعرب، فهم الحلقة الأضعف فى كل صراعات وأزمات الاقليم كله.
العرب يمثلون 5% من العالم ويشترون 50% من الأسلحة التى ينتجها العالم، ويستخدمون هذه الأسلحة فى مواجهة بعضهم بعضا، أو خوفا من البعبع الإيرانى الذى صورته لهم أمريكا لتبتزهم به، وهذه الأسلحة كلها لم توجه يوما لمن يحتل أرضهم وبلادهم، فهم يواجهون أعداءهم الحقيقيين بالدعاء فقط.
واليوم يريد بعض العرب أن يبيعوا فلسطين كاملة فى مقابل أن تواجه أمريكا إيران، مع أن العرب كان يمكنهم التفاهم مع إيران بأقل تكلفة أو التعاون معها ووضع خطوط حمراء بين الجانبين مع الابقاء على فلسطين والتوحد فى الحفاظ عليها.
ولكن العرب يثقون فى مجموعة كوشنر اليهودية التى لا تريد مثل سابقيها الحفاظ على أمن إسرائيل فقط ولكنهم يهللون وينفذون استراتيجية اليمين الإسرائيلى المتعصب الذى يريد التهام فلسطين كلها حتى بلا ثمن أو مقابل.
صفقة القرن تم طبخها وتسويتها وإنضاجها فى المطبخ الأمريكى الإسرائيلى بين ترامب ونتنياهو وعهد بها إلى كوشنر الذى أعلن أن السرية أساس الصفقة ولن يعلن عن تفاصيلها حتى لا تواجه بالرفض وتتعرض لضغوط تفشلها، ويعنى ذلك أنه لن يعلن عن شىء إلا ما يتم على الأرض، وطبعا الشعوب العربية آخر من سيعلم لغياب حرية الصحافة والإعلام فيها.
بدأ العد التنازلى للصفقة والتى ستختلف عن كل الصفقات الماضية التى بدأت بالجانب السياسى ثم أتبعها الجانب الاقتصادى مثل كامب ديفيد أو أوسلو ولكن صفقة القرن ستبدأ بالإغراء الاقتصادى الذى يسيل له اللعاب.
أعلن كوشنر أن الصفقة ستتم سواءً وافق عليها الفلسطينيون أم لم يوافقوا، وقد اعترضت على الصفقة كل القوى الفلسطينية الفاعلة بدءً من حماس والجهاد الإسلامى وانتهاءً بفتح وعباس .
ويلمح المراقبون بأن أمريكا وإسرائيل ودولا عربية أخرى ستسعى لإيجاد قيادة بديلة للقيادة الفلسطينية الحالية فى حالة إصرارهم على الرفض، وسيساعد على ذلك حالة عباس الصحية المتدهورة.
الصفقة لا تحتوى حل الدولتين «إسرائيلية وفلسطينية» ولكن دولة واحدة هى إسرائيل، مع إعطاء حكم ذاتى مطور للفلسطينيين فى مناطق لا قيمة لها لا جغرافيا ولا استراتيجيا «فإسرائيل ستأخذ كل شىء سوى غزة التى لا تريدها أصلا.
صفقة القرن ليس فيها أى فكرة عن انسحاب إسرائيلى إلى حدود ما قبل 5 يونيه.
الصفقة تمثل الحل النهائى ليس للصراع الاسرائيلى الفلسطينى بل للصراع العربى الإسرائيلى كله حسب تصور واضعيها، ورغم ذلك فإن الصفقة اسقطت حق العودة لقرابة 6 ملايين لاجئ يمثلون صلب الشعب الفلسطينى واكتفت بحفنة دولارات تعطيها دول الخليج لأمريكا لتهبها للدول التى يعيش فيها اللاجئون الفلسطينيون.
الصفقة سترسخ وتقنن وضع المستوطنات الإسرائيلية التى ابتلعت أكثر من 60 فى المائة من أراضى الضفة حتى وصفها أحد مستشارى كلينتون بأنها كالسرطان الذى أكل المخ ولا يمكن استنقاذه منه، فهناك قرابة 800 ألف مستوطن يعيشون فى أرض محتلة حسب القانون والشرعية الدولية ولذلك ستضم معظم الضفة الغربية فضلا عن القدس لإسرائيل.
الصفقة سترسخ قانون الهوية اليهودية لدولة إسرائيل وهو أكبر قانون عنصرى فى التاريخ كله ورغم ذلك يصمت العالم كله عليه.
كل المعونات التى تعرضها الصفقة لن تدفع فيها أمريكا أو إسرائيل مليما واحدا، ولكنها بنص كلام كوشنر من دول الخليج وتبرعات أخرى «مثل اليابان وكوريا الجنوبية» وستفرض عليهم فرضا.
كوشنر وأمثاله يظنون أن ثمن فلسطين عدة مليارات من الدولارات والغريب أنها من أموال العرب، تعطى لأمريكا لتهب بعضها للفلسطينيين كى يتنازلوا عن بلادهم وديارهم، والأموال التى ستعطى للسلطة الفلسطينية لن تنفق إلا برعاية وإشراف إسرائيلى وما أدراك ما الإشراف الإسرائيلى.
لو كانت أمريكا مهتمة برفاهية الفلسطينيين ما عرقلت وضيقت عمل الأونروا فى فلسطين، وهل يمكن للاقتصاد الفلسطينى أن ينمو بعيدا عن دولته المستقلة، وهل يمكن للسلطة الفلسطينية أن تبيع فلسطين مقابل دولارات قليلة ستستولى إسرائيل وأمريكا على أكثرها بحجة أو بأخرى.
الصفقة أخرجت القدس تماما من المفاوضات وقد بدأ ذلك بإجراءات أمريكية معروفة وغير مسبوقة، وبذلك ضاعت القدس كلها من أيدى العرب.
الصفقة عبارة عن املاءات ترامبية فى صفقة إجبار وإذعان لا خيارات فيها وهى سرقة كاملة لفلسطين دون مقابل، وإذا كان الخليج هو الذى سيساعد الفلسطينيين فلم لا يساعدهم كما ساعدهم من قبل دون أن يبيعوا فلسطين لإسرائيل، الصفقة ليست تسوية ولكنها تصفية للقضية، وتسويق ما لا يسوق، وتمرير ما لا يمرر، وبيع ما لا يباع، فما طبخه ترامب ونتنياهو للعرب هو السم بعينه.